الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

من كتاب التراث والتاصيل - المقدمة


التراث والتأصيل عند عباس أرحيلة
أبحاث...قراءات... شهادات

إعداد وتنسيق
د. يوسف الإدريسي






مقدمة:
شهدت سنة 2010م على المستوى الثقافي والأكاديمي بمراكش حدثين بارزين:
أولهما: تمثل في تنظيم مؤسسة البشير للتعليم الخصوصي، بتنسيق وتعاون مع النادي الأدبي بالمدينة ذاتها، لقاء علميا في موضوع: "التأصيل في أعمال د. عباس أرحيلة؛ نقداً وبلاغةً وفكراً"، وذلك يوم السبت 6 مارس 2010م، برحاب المؤسسة.
وثانيهما: تمثل في تنظيم "وحدة البحث والتكوين: البلاغة وتكامل المعارف" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية يومي 6 - 7 ماي 2010 ندوة دولية تكريمية في موضوع:" قراءة التراث اللغوي والنقدي عند العرب: المنهج والآليات" وذلك بإشراف ودعم من رئيس الوحدة وعميد الكلية آنذاك فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الجليل هنوش.
ولئن حدث تقارب بين اللقائين العلميين في الزمن؛ فإنه لم يكن من المصادفة في شيء أن يكون فضيلة الأستاذ د.عباس أرحيلة موضوعاُ للتكريم ومحوراً له؛ فالرجل من أبرز الأساتذة الباحثين والمفكرين المتميزين الذين طبعوا الساحة العلمية والأكاديمية بالمغرب عامة، ومدينة مراكش خاصة، وكلية آدابها بشكل أخص، وذلك بإسهامه الجليل في تكوين أجيال متلاحقة من الباحثين الشباب وتوجيههم التوجيه العلمي الرصين، ومساهماته النوعية في البحث في التراث اللغوي والنقدي والبلاغي عند العرب وقراءته قراءة علمية ومنهجية خاصة.
وبالنظر إلى أهمية تلك المساهمات، وبغاية التعريف بالمشروع النقدي والفكري للأستاذ عباس أرحيلة الذي يؤسس لاتجاه جديد في قراءة التراث في الجامعة المغربية يقوم على الحفر في النصوص العربية القديمة وتأويلها في روحها الحضارية وسياقاتها المعرفية الدقيقة... والعميقة... ارتأينا تجميع مداخلات المشاركين في النشاطين العلميين المذكورين وترتيبها وتصنيفها في عمل خاص حتى يكون رهن إشارة الباحثين المهتمين بالتراث وقضاياه ومفاهيمه وآليات تحليله.
وهكذا توزعت أعمال الندوتين بين خمسة أبواب توزيعا يتفرع من العام إلى الخاص فخاص الخاص، فجاءت على البناء الآتي:
القسم الأول في المنهج والمنهجية، ويتناول المرتكزات النظرية التي استند إليها الأستاذ عباس أرحيلة في قراءة التراث النقدي والبلاغي عند العرب، وطبيعة الرؤية التكاملية التي حكمت تعامله مع العلوم العربية الإسلامية، ونوعية الآليات المنهجية والإجرائية التي توسل بها في مختلف مراحل قراءاته وتحليله وكذا تحقيقه لذلك التراث.
القسم الثاني في التأصيل النقدي والبلاغي للتراث، ويهتم ببيان المشروع التأصيلي الذي حكم أبحاث عباس أرحيلة ووجهها، خاصة في مجالي النقد والبلاغة، وتهتم أبحاث هذا الباب ببيان أن التاصيل لدى عباس أرحيلة ليس مجرد رد فعل سلبي وانهزامي إزاء نتاج الآخر وعلومه، كما أنه ليس نمطا من الباحث الواهم عن "جذور نقية وأصول أصيلة"، بل هو قراءة للذات والآخر بالمعنى الظاهراتي لمفهوم القراءة، وهي قراءة تأصيلية بالمعنى التأويلي للكلمة، وبقدر ما تدرك الذات في علاقتها التاريخية بالآخر؛ تؤمن بأن ما يصنع فرادتها ويحقق تميزها مدى قدرتها على التفاعل الإيجابي معه، واستثمار نتاجه وتحويله بما يخدم هويتها ويغنيها؛ مما يجعل التأصيل قرينا للإبداع وصنوا له؛ إذ لا إبداع دون تأصيل ولا تأصيل دون إبداع، فهما سمتان متلازمتان في فكر ينأى عن التقليد والتصادم السلبي مع الآخر.
القسم الثالث أبحاث في مرايا النقد، وهي جملة من المقالات التي تحتفي بكتب الأستاذ عباس أرحيلة التي توزعت بين النقد والبلاغة والفلسفة ومنهجية التأليف وتصدر الكتب، وقد سعى كل مقال منها إلى تناول إحدى كتبه بالعرض والبحث والمناقشة أيضا.
القسم الرابع شهادات نثرية، وهي كلمات في البوح بالحب والاعتراف بفضل الرجل وأياديه البيضاء على أجيال مختلفة ومتعاقبة من زملائه وطلبته الباحثين الذين تقلدوا اليوم مناصب في الشأن التعليمي بمختلف أسلاكه مستوياته، ولئن كانت تشهد له بمكرماته وفضائله، فإنه تضيء جوانب مختلفة من شخصيته وأبعادها الإنسانية والعلمية والتربوية.
القسم الخامس شهادات شعرية، وهي شهادات تتكامل مع الضرب السابق من الشهادات وتختلف عنها بأسلوبها الشاعري المحتفي بالأستاذ عباس أرحيلة بلغة قريبة إلى قلبه راسخة في لسانه.
ولئن كنا قد صدرنا الكتاب بمقدمة وكلمتين افتتاحيتين، فقد ارتأينا تخصيص شهادة المفكر والفيلسوف المغربي الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن بمقام خاص عنوناه: أما قبل، وذلك لأن شهادته في حق صديقه وأخيه د.عباس أرحيلة تتجاوز بعمق عباراتها وعلو إشاراتها ودقة ملفوظاتها المعنى الدقيق للشهادة...لتلامس أغوارا وجدانية وأبعاد فكرية عميقة وبعيدة...الأمر الذي يدعو إلى قراءتها قراءة تستحضر علاقة صاحبها بالمحتفى به أولا...وتستكنه الإشارات والترميزات الحافلة بها ثانيا...
وأخيرا، نعبر عن عميق امتنانا وخالص شكرنا لمؤسسة البشير للتعليم الخصوصي بمراكش التي تفضلت مشكورة بطبع هذا الكتاب، مسهمة بذلك في التعريف بفكر ونتاج أستاذ تربت على يديه وتكونت أجيال من الأساتذة والطلبة الباحثين، وهو كتاب لاشك سيكون عمدة لكثير من الباحثين في مشروع الرجل، والمهتمين بقراءة التراث ودراسته، فجزاه الله عنا خير الجزاء.
كما نشكر فضيلة الأستاذ العميد الدكتور عبد الجليل هنوش الذي فسح المجال لأجيال من الباحثين الشباب خلال التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الحالية بالتكوين والبحث في وحدة: "البلاغة وتكامل المعارف" التي كان يرأسها، وهي وحدة شاءت الأقدار أن تكون مدرسة لكثير من المشاركين في هذا الكتاب المحتفي بالأستاذ الدكتور عباس أرحيلة... والذي ستعقبه كتب أخرى ومساهمات لاحقة في التعريف بمفكري المغرب وأساتذته الجامعيين اللامعين...



                                         والحمد لله من قبل ومن بعد
                                                       د.يوسف الإدريسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق