الأحد، 20 سبتمبر 2015

وقفة مع الموادّ التي كتبها أحمد عمالك في المعلمة



الأستاذ : د. أحمد عمالك
عباس أرحيلة
تمهيد:

بلغت المواد التي كتبها أحمد عمالك في (المعلمة المغرب)[1] 148 مادة، فهو واحد من أعلامها ومعالمها. وهي مواد ترتبط باهتماماته العلميّة وبأطوار حياته العلميّة والعمليّة.
 وحياة عمالك النفسيَّة والمهنيَّة والاجتماعيَّة تشكلت داخل فضاءات: فضاء تطبعه ملامح شاوية مسكينية بيضاوية، وآخر تأثر بالمجالات الملالية بعبقها التاريخي وبتخوم المنحدرات الأطلسية وما عرفته من أحداث، وما انغرس فيها من زوايا واندس فيها من وثائق وخزائن كتب، وفضاء مراكشي يتسع محيطه  ويمتد جنوباً إلى الزاوية الناصريّة الأم بتامكروت.

ويتضح من خلال المواد التي حررها بالمعلمة تنوع ثقافته، ومعرفته الواسعة بجوانب من تاريخ المغرب، فقد عرف بإحدى عشرة زاوية، وبعشرة مواقع تاريخية، وعشر قبائل، وبخمس قصبات وأربع مدن، أما تراجم الرجال فتناولت الملوك والأمراء وقواد القبائل – أوبركة علي، السكتاني، الشافعي، الكندافي -، ورجالات العلم والتصوف. ومن الأعلام التي ترجم لها: يوسف بن تاشفين، المعتمد بن عباد، عبد الواحد المراكشي، أبو علي اليوسي..

أولا: من أسباب ارتباط أحمد عمالك بالمعلمة

السبب الأول: تخصصه في مادة التاريخ، بكلية الآداب بالرباط وهي في أوج عطائها العلميّ. وكان ممن بدتْ فيهم مظاهر الجد والاجتهاد، واتضح لأساتذته أن يختزن طاقة كبيرة للعمل، وأن له طموح لا يُحد مع ملامح للنبوغ في الدراسة التاريخيّة.
السبب الثاني: تخصصه في الزوايا الناصرية بكل مكوناتها وفروعها، وقضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعلميّة؛ إذ كان موضوع دبلوم الدراسات العليا وموضوع الدكتوراه حولها.
 السبب الثالث: اهتمامه بالوثائق والمخطوطات، واطلاعه الواسع، مع شغف بقضايا تاريخ المغرب، ومشاركة فعالة في المنتديات والندوات حوله، كما هو واضح من عضويته في اللجنة الوطنية لجائزة الحسن الثاني للوثائق والمخطوطات، وعضوية جائزة الحسن الثاني للكتاب، وعضوية لجنة تحرير تاريخ المغرب.
السبب الرابع: حرص كل من محمد حجي، رحمه الله، وأحمد توفيق أن يكون من بين المشاركين في كتابة مواد المعلمة؛ إذ كان الأول مشرفاً على رسالته في الدكتوراه، وكان الثاني قد أشرف على رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا.
السبب الخامس: استعداده العلمي واقتداره على كتابة مواد كثيرة؛ فكان من أهم محرري مواد المعلمة.

ثانيا: منهجه العام في كتابة المواد

1 – المتابعة التاريخيّة الدقيقة لنشأة القُرى والزوايا والقصبات والمدن وتتبع مراحل تطورها، من العهد المرابطيّ إلى فترة استقلال المغرب. ويُرفق المادة أحيانا برسوم جغرافية مساعدة على تحديد المجال المدروس وتقريبه جغرافيا.
2 – اعتماد الوثائق المحلية، مع البحث عن المجهول منها، والقيام بتحريات خاصة وروايات محلية عن طريق المشافهة. ونجد أحمد عمالك في بحث دائم عن الوثائق، كقوله:" أما أكديم فهي غير معروفة في هذه المصادر والوثائق، على الرغم من ذلك فقد عثرنا على وثيقتيْن في عيْن المكان؛ تؤكدان على وجود علاقة وثيقة بين هذه الزاوية وبعض الأمراء، من بين هؤلاء عبد الرحمن بن سليمان بن محمد ابن عم السلطان مولاي عبد الرحمن بن هشام".
3 – باعتماده المشاهدة العينية في تحرياته الخاصة أثناء بحثه عن الوثائق؛ عمل على ربط علاقات خاصة أيضا. وكان هذا مما ساعده على الاستفادة من بعض خزائن الكتب بالمنطقة. ففي خزانة أبزو التي عُثر فيها على مخطوطة (البرصان والعرجان والعميان والحُولان) للجاحظ، والتي وقف عليها المختار السوسي [ الإلغيات:3/77]؛ عثر فيها أحمد عمالك على (الدرة الجليلة في مناقب الخليفة)، وهي المخطوطة التي كان لها دورها في وجهة تخصصه، وفي ربطه بالمخطوطات عامة.
4 - التوثيق العلمي الصارم باعتماد المصادر الممكنة عربيّة كانت أم أجنبيّة، والعمل على تصحيح المعلومات التي يكتشف خطأها. مثلا لاحظ أن المختار السوسي ذكر في المعسول أن تاخسايت مع أكرض اسم لموقع واحد، وتبعه في ذلك التعارجي في الإعلام، وأكرض تقع شرقي تاخسايت على بعد نحو كيلومتريْن.
ونراه يدعو إلى القيام ببعض الحفريات للكشف عن بقايا أثرية للحسم في التأريخ لبعض القصبات، كما هو الشأن بالنسبة لقصبة تادلة.
5 – اهتمامه الخاص بما كتبه الأجانب في رحلاتهم عبر تلك التخوم؛ إذ تميزت بمناطق عبور وعرة المسالك، وبصراعات قبلية مع انتفاضات ضد المخزن، وتميز المجال أيضا بوجود مجموعة زوايا، ومقاومة صلبة للتدخل الفرنسيّ الذي لم يتمكن من الاستيلاء على المنطقة إلا مع بداية الثلاثينيّات من القرن العشرين.
6 – ويتضح منهجه العام في قيمة ما كتبه عن ملتقى الأطلسين الكبير والمتوسط: فقد قدم فحصاً تاريخيّاً دقيقاً للمجال بكل ما يملكه من أدوات جغرافيّة وكشوف تاريخيّة.
وقد صورة دقيقة عن تنقلات القبائل من الواحات الجنوبية إلى مشارف الأطلس المتوسط ( نزوح صنهاجة الجنوب نحو الشمال عن طريق جبال الأطلس - صدامات اتحادية أيت عطا مع بقية القبائل المتنقلة من أجل انتجاع قطعانها – وجود مراكز نفوذ للزاوية الناصريّة – نشر الثقافة الإسلاميّة، التكافل الاجتماعي، التصالح بين المتنازعين، وكان لهذه المراكز أصداء وتفاعلات مع مناطق نائبة من المغرب).

ثالثا: تأثر المواد التي كتبها بحياته وتخصصه

1 – ظروف عمله ساقته في بداية حياته العمليّة إلى إقليم بني ملال مرشداً تربوياً ومكلَّفاً بالتفتيش، فوجد نفسه في معترك منطقة كانت تعبرها القبائل والقوافل بين جنوب المغرب وشماله، منطقة استوطنتها مجموعة قبائل ونشأت بها فروع للزاوية الناصرية؛ ومن هنا كان للمنطقة تأثير في تحديد تخصص أحمد عمالك، وتوسيع مجالات اهتمامه.
 وأثناء ممارسته للتفتيش بإقليمي بني ملال وأزيلال كان يتحرك في منطقة اتصال بين الأطلس الكبير ومؤخرة الأطلس المتوسط. فقد لاحظ أن أزيلال تقع "على مقربة من طريق كانت مطروقة بكثافة منذ القديم"، وأن المنطقة  لها أهمية استراتيجية بتشكلها  لقلب كتلة بشرية.
2 – وجد أحمد عمالك نفسه في فضاء أمازيغي تتقاسمه تاشلحيت وتامزيغت واللغة العربية؛ وهو الشاوي البيضاوي. فلا عجب أن نرى ابن الشاوية تستوقفه في كتبة بعض مواده الألفاظ الأمازيغية؛ فيضطر إلى تحليلها تحليلا  نابعا من دلالتها اللغوية. ومن جملة تعليقاته:
 - أحنصال اسم غامض المعنى، قيل إنه تحريف لأحصّال بمعنى حصّال؛ أي كثير الحفظ والتحصيل ( ختم القرآن في سبعة أيام ) [ زاوية أحنصال].
- أَرَكُّو: اسم أمازيغي مشتق من إروكان وهو البخار المتصاعد من الأرض أو الإناء، وتطلق على المنخفض من الأرض [ أركو].
- أُدَخْسَان: كلمة أمازيغية مفردها: أُدْخْس، من معانيها اللِّبأ، ولعل ذلك يرجع إلى وفرة المواشي [ أُدَخْسَان].
- أزيلال: لفظة بربرية من معانيها الممر بين خيْمتيْن...
3 - اكتشافه لمخطوط الدرة الجليلة حدَّدَ وِجهته
عثر أحمد عمالك على نسخة فريدة لكتاب (الدرة الجليلة في مناقب الخليفة) لمَحمد بن عبد الله الخليفي المتوفى سنة 1789م؛ وهو كتاب عرَّف فيه المؤلف بوالده عبد الله الخليفي الذي  اشتهرت الزاوية باسمه - زاوية سيدي عبد الله -، وأتى فيه على ترجمة أعلام هذه الزاوية؛ التي تعرف أيضا بزاوية أيت خليفت. ويلاحظ أن تحقيقه لهذا العمل فتح آفاقاً واسعة لمشروعه العلمي. وأغلب شيوخ هذه الزاوية وغيرها من زوايا التي تناولها بالبحث هم من تلامذة الزاوية الناصريّة ومريديها، وكانت هذه الزوايا عبارة عن محطات واقعة في طرق رجالات الزاوية الناصريّة.
يقول في مقدمة أطروحته (جوانب من تاريخ الزاوية الناصريّة): " كان مما حفّزنا إلى تناول الزاوية الناصرية بالبحث... ارتباطنا المعرفي منذ بدء اشتغالنا في مرحلة دبلوم الدراسات العليا بتحقيق مخطوط يؤرخ لفترة هامة من الزاوية، عنوانه:( الدرة الجليلة في مناقب الخليفة)، وبه توثقت صلتنا بالزاوية الناصرية، وبدأنا نتابع كل ما يتصل بها من كتابات للتعرف على باقي أطوارها" [1/17 – 18].
4 - وحياته الجامعية بمراكش، دفعته إلى الاهتمام بها وبمحيطها العام، فإلى جانب اهتمامه بكتبيتها وبيوسفها، كانت له عناية بالمواقع والمآثر حولها، وما أنجزه مع فريق عمل في هذا الصدد يشكل موسوعة لم يُنجز ما يشبها في المغرب الحديث.
5 - لم تُنسه منطقتي بني ملال وأزيلال بعبقهما التاريخي شاويته، ومن هنا انحدر جغرافيا – في إطار كتابته لمواد المعلمة - من فم الجمعة إلى دار ولد زيدوح فـالبروج فعيْن بلال فدار الشافعي ليجد نفسه في بني مسكين، إحدى قبائل الشاوية الجنوبية، موطن أصوله الأولى.

رابعا: شاوية أحمد عمالك في المعلمة

كتب أحمد عمالك مواد تتعلق بمجال بني مسكين، موطن أجداده. وأصول بني مسكين من عرب بني سليم. ويعتقد كثير منهم أن بعض الأدارسة وفدوا على أراضيهم واستوطنوها فراراً من أبي العافية المعادين للأدارسة.
وبحكم موقعها الجغرافيّ ظلت منطقة بني مسكين منطقة عبور بين الشمال والجنوب في الطريق بين فاس ومراكش.
وأشار أحمد عمالك إلى مرور الحرْكة السلطانية خلال العهد الإسماعيلي؛ متوجهة من مكناس إلى مراكش، وسط قبيلة بني مسكين. ومنذ هذه الفترة أصبح مجال بني مسكين طريقاً مطروقاً من مختلف السلاطين بين العاصمتيْن فاس ومراكش.
وفي زمن سليمان العلوي أشار أحمد عمالك إلى وجود بعض بني مسكين بفاس، وإلى مبيت السلطان ليلة بقبيلة بني مسكين أثناء رجوعه من مراكش سنة 1809م.
 والبروج قصبة قديمة تتوسط قبيلة ابن مسكين، لعلها من بناء الحسن الأول، ومن خلالها تعبر الجيوش بين فاس ومراكش، وهي نزالة رئيسية في الطريق السلطانية.
 وحين مات الحسن الأول بدار ولد زيدوح سنة 1894م، نقل جثمانه إلى البروج وهناك أعلن عن موته، وفيها بويع ابنه عبد العزيز. ولعل هذا مما جعل القبيلة موالية لعبد العزيز فكانت مصاهرته [ أهدى ابن الشافعي إحدى بناته إلى السلطان].
 في حديثه عن القائد الشافعي المسكيني من دوار ولاد مَحمد أحد مداشر فخذة أولاد العكارية، ذكر أحمد عمالك أنه بعد انتصاره على قبيلة غياثة سنة 1876م، بأمر من الحسن الأول، أصبح المدشر المذكور يُدعى دار الشافعي. واستمرت القيادة في عقبه إلى سنة 1914م، حيث آل المنصب إلى أسرة بوحافة التي تنتمي إلى فخذة ليساسفة، والتي سلطتها السلطات الاستعمارية لإفقار هذه القبيلة وتهميشها، وزاد من ذلك حين أصبحت الطريق ساحلية.

خامسا: وقفة مع ( مادة عين بلال) في المعلمة:18/6226

لماذا هذه الوقفة عند عين بلال؟ لأنها باختصار شديد مسقط رأس المحتفى به أحمد عمالك. "وعين بلال قبيلة عربية تنتمي إلى مجال قبائل بني مسكين الغربية. وتمتد أراضيها شمالي الرحامنة، على الضفة اليمنى لوادي أم اربيع، على بعد حوالي عشرين كلم شرقي مشروع ابن عَبُّو. وهي أولى قبائل بني مسكين.
وبفخذة درقاوة توجد زاوية عين بلال، ووقف أحمد عمالك على ظهائر التوقير والاحترام من لدن بعض الملوك العلويين.
وتتكون عين بلال حاليا من من ست فخذات - أو دواوير - وهي من الشرق إلى الغرب: درْقاوة، اولاد سيدي عبد الحميد، اولاد سيدي مَحمد، أولاد سيدي أحمد، أولاد بابا علي، أولاد سيدي عبد العزيز، المغارات، أولاد واحي. وذكر أحمد عمالك أن كل دوار فخذة – دوار – تنقسم بدورها إلى عدة فروع، وينتمي كل فرع إلى جد معين. ولاحظ أن كل فرع ينقسم إلى عشائر معينة، تقطن حيزاً خاصا. كل ذلك لحفظ الأنساب والشُّعَب؛ مما يذكرنا بالتقسيمات المعروفة لدى قبائل الجزيرة العربية.
ونجده يقف عند فخذة واحدة من فخذات عين بلال وهي فخذة أولاد سيدي أحمد، لماذا؟ لأن أحمد عمالك من أولاد سيدي أحمد. وتتفرع إلى الحواسنة والعوامرة والبكاكرة والزراولة...
فبأي شيء تتميز عيْن بلال عن بقية قبائل بني مسكين؟ تتميز بإن جل سكانها ينتسبون إلى الأدارسة، إلى المولى إدريس بن إدريس. وهذا النسب متعارف عليه منذ سالف العصور. فجدهم الأعلى يدعى سيدي عبد الله بن عبد الغني الذي فر من المذابح التي خاضها بنو أبي العافية المكناسيون لاستئصال شأفة الأدارسة، في القرن الهجري الرابع؛ فلجأ الشيخ إلى هذه الجهة التي أصبحت تعرف اليوم بعين بلال، واستقر بها.
يقول أحمد عمالك:" وقد اطلعنا على شجرة أنساب يملكها رجل من فخذة أولاد سيدي أحمد، تصل والده بإدريس بن عبد، فاتح المغرب سنة 172هـ".
فجد أحمد عمالك هو الفقيه الجيلالي، دفين ولاد بوزيري، ما بين الغابة والبحورا، وأبناؤه هم: عبد السلام، عبد الله رحال، وأحمد، ووالد المحتفى به أحمد عمالك هو محمد من العوامرة، أما والدته فهي بنت محمد الرامي من الحواسنة. وما يُثير الانتباه هنا أن أعمام أحمد عمالك هم وأبناؤهم يحملون لقب الشرفاوي مولاي: فهناك الشرفاوي مولاي عبد السلام، رحمه الله، الشرفاوي مولاي أحمد، الشرفاوي مولاي رحال، الشرفاوي مولاي عبد الله. وفي ضوء ما سابق، يتعين اليوم، ونحن نحتفي بأحمد عمالك أن نقول إنه الشرفاوي مولاي أحمد  بن محمد بن الجيلالي.
وفي حديث الباحث عن عين بلال، ذكر أن المختار السوسي مر بقبيلة بني مسكين في العقد الرابع من القرن العشرين، فعبر عن إعجابه بحفظ الناس للقرآن الكريم، حتى قال:" كل بني مسكين يحفظون القرآن".
وخلاصة القول إن المحتفى به ينتمي إلى الأشراف الأدارسة بقبيلة بني مسكين، إنه برز عدد من أعلام هذه القبيلة، عُرف معظمهم بالمسكيني. وها نحن أمام علم مسكيني؛ إنه الشرفاوي مولاي أحمد الإدريسي، وستظل عمالك في نسخة الحالة المدنية.






قاموس مرتب على حروف الهجاء  يحيط ب المعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخيّة والجغرافيّة والبشريّة والحضاريّة للمغرب الأقصى.[1]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق