عباس أرحيلة
تمهيد:
قال أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشريّ )476 – 538(، يمدح كتاب سيبويه رحمه الله تعالى:
ألاَ صلَّ الإلهُ
صلاةَ حقٍّ على عمْرو بنِ عثمانَ بنِ قُنْبَرْ
فإنَّ كتابَهُ لمْ يَغْنَ عنه بنو
قَلَمٍ ولا أبناءُ مِنْـــــــــبَرْ
(1).
أولا: رحلة الزمخشريّ
إلى مكَّة المكرمة من أجل كتاب سيبويه
ذكر شهاب الدين المقري (أحمد بن محمد 1041هـ) في كتابه: (أزهار
الرياض في أخبار عياض)؛ أن أبا حيان الأندلسي 745هـ ، ذكر في باب القَسَم،« أن الزمخشريّ رحل من خوارزم إلى مكة قبل العشرين
والخمسمائة؛ لقراءة كتاب سيبويه على رجل من أصحابنا من أهل الأندلس، يعرف بأبي بكر
بن طلحة اليابُرِيّ الإشبيليّ الأندلسيّ، وكان مجاورا بمكة، عالما بـ (الكتاب)
وغيره» (2).
وذكر
الفيروزآبادي ( مجد الدين محمّد بن يعقوب 817هـ) في كتابه: (البلغة في تاريخ أئمة
اللغة) « أن الزمخشريّ اجتمع بمكة بعبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد
الله اليابُريّ، وقرأ عليه الزمخشري كتاب سيبويه. توفي سنة ثمان عشرة
وخمسمائة» (3).
وأتى
المقري في ( أزهار الرياض) بقول الونشيريشي ( أحمد بن يحيى التلمساني 914هـ): « وكان
اليابِريّ من أهل المعرفة باللغة وأصوله، ما هراً في النحو، حافظاً للتفسير، قائما
عليه، وله مصنفات في التفسير والفقه وأصوله، واستوطن مصر وقتاً. ثم رحل إلى مكة
فجاور بها، إلى أن توفي بها رحمه الله تعالى، وكان حيا سنة 516هـ ... وكانت له
معرفة تامة بـ(كتاب سيبويه)، وبسببه ارتحل إليه الزمخشريّ من خوارزم
لقراءته عليه» (4).
ثانيا: المثير العلميّ
الأول في هذا الخبر
المثير العلميّ الأول أن الزمخشري
وهو في مستوى عال من الشهرة والمكانة العلميّة؛ يرحل إلى مكة المكرمة ليقرأ كتاب
سيبويه، على رجل من أصل أندلسيّ، ويتتلمذ له. وقد أثارت هذه التلمذة من إمام في
العربيّة؛ تعليقا لعبد الفتاح أبو غدة، رحمه الله (تـ 1997م)، على رحلة الزمخشري
لقراءة كتاب سيبويه على اليابُري، فقال: « كان عُمْرُ الزمخشريّ
قريبا من خمسين سنة حين رحلته هذه إلى مكة، لقراءة كتاب سيبويه على الإمام
أبي بكر عبد الله بن طلحة اليابري – في معجم البلدان – وكان الزمخشريّ إذ
ذاك أستاذا وإماما في العربية وعلومها، يُقصد من الآفاق لتلقيها عنه. فقراءته كتاب
سيبويه للازدياد من العلم ولغلاء التلقي عن الشيوخ الكبار عنه. وهذه رحلة
وتلمذة من إمام كبير شهير، ليقرأ كتباً على إمام آخر، قل من يفعلها وتُطيعه نفسه
للقيام بها» (5).
ثالثا: المثير العلميّ
الثاني في هذا الخبر
أن هذا العالم الذي قرأ عليه
الزمخشري كتاب سيبويه، قال عنه ياقوت في (معجم البلدان) – مادة يابُرة- أنه يُنسب إلى هذه البلدة غربي الأندلس، وأنه
سكن قرطبة، وتوفي بمكة المكرمة سنة 523هـ
(6).
ولما كان المقري بصدد التعريف بالقاضي في أزهار
الرياض؛ ذكر أن « وممن استجازه أبو الفضل عياض رحمه
الله، ولم يُجزه، الزمخشري صاحب الكشاف، سامحه الله» ثم قال بعد ذلك:« وسمعت غير واحد ممن لقيته يُخبر أن القاضي عياضاً لما
بلغه امتناع الزمخشري من إجازته قال: الحمد لله الذي لم يجعل عليّ يداً لمبتدع أو
فاسق، أو نحو هذا من العبارات، والله أعلم» (7).
ومن هنا
نفهم قول أبي حيان الأندلسي عند المقَّري: «على رجل من أصحابنا من أهل
الأندلس». وقول الونشريسي: إن اليابُري «كانت له معرفة تامة
بـ(كتاب سيبويه)، وبسببه ارتحل إليه الزمخشريّ من خوارزم لقراءته
عليه». ونفهم ذلك التحامل من المقّري على الزمخشريّ، وحشد
تلك الأقوال المزرية به وبعقيدته! ولا شك أن هذه المسألة تحتاج إلى
وقفة.
هوامش:
(1)
البلغة في تراجم أئمة النحو
واللغة، ص101.
(2)
أزهار الرياض في أخبار عياض: 3/77
– 78.
(3)
البلغة في تراجم أئمة النحو
واللغة، ص101.
(4)
أزهر الرياض:2/77.
(5)
العلماء العزاب الذين آثروا العلم
على الزواج: عبد الفتاح أبو غدة – ط4[ مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، 1996].
(6)
ترجمته في بغية الوغاة في طبقات
اللغويين والنحاة: السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم – ط1[ مطبعة عيسى
البابي الحلبي 1965م]:2/46 – نفح الطيب، تحقيق د: إحسان عباس – ط1 [ دار صادر،
بيروت] :2/648، رقم الترجمة 283.
(7)
أزهار الرياض:2/282 – 283.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق