مقال نشره محمد عويس بجريدة الحياة اللندنية – السبت 31 ديسمبر/ كانون الأول
2016م.
كتاب «العنوان - حقيقته وتحقيقه في الكتاب العربي المخطوط» (مكتبة كنوز
المعرفة- عمّان) للباحث المغربي د. عباس أحمد أرحيلة، يؤكد أن عنوان المخطوط هو
بوابة المحقق والدارس إلى المعمار الداخلي للنص وإلى رؤية صاحبه. وبذلك يصبح عنوان
الكتاب مشتقاً من المعنى، ويكون سمته، أي أن صاحبه وَسَمَه بعنوان فأصبح علامة
دالة عليه، وعلى موضوعه وما ينطوي عليه. ومن الصعوبات التي تواجه واضع العنوان أن
يكون قصيراً، يوحي ويعبر بوضوح وبشكل مباشر عن الموضوع، ويحمل في طياته كل هواجس
الإبداع في نفسه، وهموم الفكرة في ذهنه. وهناك عناوين ينكشف فيها عمق الإعجاب
بالأثر الذي جادت به قريحة المؤلف ويعرب من خلاله عن أن ما قدمه هو عطاء إلهي، ومن
ذلك بداية بعض الكتب بـ «فتح»، الباري- الجليل- المغيث... إلخ.
وهناك عبارات تكشف إعجاب بعض المؤلفين بتصانيفهم، كقول ابن جني (492 هـ) فى
مقدمة كتابه «الخصائص»: «واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب، وأذهبه في
القياس والنظر». وكقول الزمخشري (538 هـ) في مقدمة كتابه «أساس البلاغة»: «وهو
كتاب لم تزل نعام القلوب إليه زفافة (مسرعة)، ورياح الآمال حوله هفافة، وعيون
الأفاضل حوله روامق، وألسنتهم بتمنيه نواطق».
ومن العناوين الطويلة عنوان تاريخ ابن خلدون (808 هـ): «العبر وديوان المبتدأ
والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر».
وعندما تشترك كتب في عناوينها مثل غريب القرآن، غريب الحديث، كتاب الشعر، كتاب
الشعراء، والتمييز بينها يأتي من معرفة صاحب الكتاب. وهناك شرح لعنوان الكتاب في
مقدمته كقول أحمد بن فارس (395 هـ) في مقدمة كتابه «متخير الألفاظ»: «وإنما نحلته
هذا الاسم، لما أودعته من محاسن كلام العرب، ومستعذب ألفاظها، وكريم خطابها، منظوم
ذلك ومنثوره». وارتباط العنوان باسم من أُلِف إليه الكتاب، ومن ذلك «كتاب
الصاحبي»، نسبة إلى الصاحب بن عباد (385 هـ)، وقد قدمه إليه أحمد بن فارس وأودعه
في خزانته، كما ورد في مقدمة الكتاب. قال ابن فارس: «هذا كتاب الصاحبي في فقه
اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، وإنما عنونته بهذا الاسم لأني لما ألفته
أودعته خزانة الصاحب الجليل كافي الكفاة». أو ارتباط العنوان ببعض المدن، لأن
صاحبها أملاها فيها مثل بعض كتب أبي علي الفارسي، ومنها «المسائل الشيرازيات»،
“المسائل البغداديات”، «المسائل الحلبيات». يشير الكتاب إلى أن العنوان إما أن
يكون ماثلاً في مواقعه المعهودة والممكنة (الصفحة الأولى، المقدمة، تضاعيف الكتاب،
الخاتمة)، وإما أن يتعرض للضياع بفعل عوامل طبيعية (الرطوبة، فقدان الورقة
الأولى)، أو بفعل عوامل بشرية (الجهل بحقيقة العنوان والخطأ في تحديده، تلاعب
النساخ به، وإلحاق الزيف به لسبب تجاري أو نفسي). ومع غياب العنوان يرى أهل
التحقيق أنه يمكن التدخل في الحالات الآتية: إذا خلا المخطوط خلواً تاماً من
العنوان، ضياع الورقة الأولى التي من المفترض أن تحمل عنوان المخطوط، إذا وقع طمسه
أو طمس جزء منه، إذا كان زائفاً لا يتناسب وموضوع الكتاب، إذا وضع العنوان خطأً عن
قصد على كتاب مغمور ليسهل رواجه، إذا كان المخطوط غفلاً عن العنوان ووضع له مالكه
عنواناً كما تصوره.
والحالات التي تكون فيها الرحلة شاقة في توثيق العنوان: الحالة الأولى- إذا
سقطت ورقة الغلاف، وسقطت معها مقدمة الكتاب وآخر ورقة منه، نتيجة آفات طبيعية وغير
طبيعية. الحالة الثانية: إذا وقع الكتاب في يد شخص مزيف يحترف وسائل التمويه
والتضليل من خلال معرفته بالخطوط واستعمال الأقلام وأنواع المداد فيحدث تزوير. في
هاتين الحالتين توضع المخطوطة أمام عمليتين: الأولى تعالج فيها مادة المخطوط
تقنياً في مختبر تحليلي، فيفحص ورق المخطوطة وخطها وحبرها لمعرفة عصرها. والعملية
الثانية تتولى فحص المخطوطة معرفياً بحثاً عما تختزنه من إشارات ومعلومات تتعلق
بالعصر والمؤلف وأسلوبه، كما يتم فيها النظر في طبيعة موضوع المخطوطة وما تشارك
فيه أخواتها في موضوعها.
وهناك شهرة
عنوان تغطي عنوانه الأصلي، مثل كتاب ياقوت الحموي (626 هـ) باسم معجم الأدباء، مع
أنه يقول في مقدمته: «وقد سميت هذا الكتاب إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب». وكذلك
جعل العنوان مسجوعاً مع لقب مؤلفه، مثل كتاب الأمالى لأبي علي القالي (356 هـ)،
والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني (356 هـ)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (681 هـ).
وهناك عنوان جاء في رؤيا، ومن الطريف نجد أبا إسحاق الشاطبي (790 هـ) يذكر أنه لما
كان منشغلاً بوضع كتابه الموافقات، وكان قد سبق له أن سماه التعريف بأسرار
التكليف، أخبره أحد شيوخه أنه رآه في المنام وفي يده كتاب، فسأله عنه، فأخبره
الشاطبي أنه كتاب الموافقات، قال: فكنت أسألك عن هذه التسمية الظريفة فتخبرني أنك
وفقت بين أبي القاسم وأبي حنيفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق