الجمعة، 1 يناير 2016

وكان الاستمداد من الغرب

                              عباس أرحيلة
اجتاحت الحضارة الغربية المعمور خلال القرون الثلاثة الأخيرة؛ فدان لها العالم، وبدأت بتدجين الشرق، تركة الرجل المريض؛ منذ نهاية القرن التاسع عشر؛ فظل ذلك الشرق يصارع وهو واقعٌ بيْن نابَيْ أسد .
وظل دهاقنة الفكر الغربي يراقبون التحوُّلات التي تعرفها بلاد الإسلام؛  باعتبارها موطن دين وحضارة وتقاليد راسخة؛ وكانت نتائج التأثير الغربيّ في تلك البلاد فوق ما كان يترقبه دهاقنة ذلك الفكر.

وهكذا دخلت التأثيرات الأوربية بلاد الإسلام  في ركاب المستعمرين والمبشرين والمستشرقين. وبمضي الأيام تهاوت أنفة الشرق، وتساقطت همم أهله، وتسارع القوم يجتهدون في تقليد الأوربيين،  ويتبارون في ذلك؛ ومع تسارع تطور التقنيات، ازداد الانبهار بالغرب، وبدأ ركبوا أمواج  الحداثة الوافدة على الأراضي والعقول.
وحينما توهم أهل الشرق أنهم تحرَّروا؛ انشدّت عقول أهل التدبير إلى أساليب التنمية  لشعوب الشرق على مقاسات غيرهم. فبدأت التحوُّلات  والتطوُّرات خارج  ذوات أبناء الشرق  وإمكاناتهم؛ فوجدوا أنفسهم يتطوَّرون أي يتغيَّرون في غير اتجاه كما يراد بهم. وكان ما يعتريهم فيما يتغبَّرون به؛ ما يتميَّزون به من رقْص عبثيٍّ  في سلاسل التبعية والتقليد.
ومنذ مطالع خمسينيات القرن العشرين، بدأت أشكال الحداثة تنتشر لدى المستضعفين في الأرض، وكان ذلك في ركاب ما يسمى بالتحولات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة، التي ظهرت مع بوادر التحرر. وكان للحداثة رسلها والمبشرون بها، والمدافعون عنها. ومع مُضيّ الأيام  ازداد التهافت على حضارة الأوربيين، طلبا للتنمية  والرقي والتطور،  والخروج من قمقم التخلف، و في الطريق تعددت وسائل الإغراء  وتعددت تيارات الحداثة، وعصفت بالأقوام  الصراعات على الكراسي، ومزقتهم الأهواء والإيديولوجيات، وتاهت الأجيال في الأوهام والهرطقات. وظهرت تقنيات للانتهازية  في أسواق بيع الضمائر.
وها نحن اليوم نتلاشى في كونية الغرب الحديث، ونُغَنِّي بشكل جماعيّ (أَغْرَق، أَغْرَق، أَغْرق). لقد أردنا أن نُصبح كونيِّين؛ فانتهينا إلى حروب أهلية تجعلنا في الأكوان بدون كيان.
ولا غرابة في هذا؛ فإن فأهم ما نتميز به في عصرنا الحديث هو أنّنا استطبنا السير على أثر الحضارة الغربية في كل مساراتها، وكان الخضوع لها في المظهر والسلوك والفكر.
وهكذا انفتحت أبواب التقليد، فتطايرت فتاوى التحديث عبر وسائل الاتصال؛ ما قام منها على أساليب الإغراء، أو على أساليب المكر والدّجَل والنفاق. وفي ثمانينيات القرن العشرين، تسنم المُقَلِّدَة  من أهل الحداثة لعصرنا موقع الصدارة  في أرض المستضعفين، و راحوا يُشَرِّعُون للتبعية بصورة تدعو إلى الخزي والعار.
واشتدت رياح الحداثة في أدبيات العرب في بداية السبعينيات، مع  ظهور ما سمي بـ(الصحوة). وكانت للحداثة انتصارات ظاهرة في ما آل إليه أمر الإبداع، وما شاع في أدبيات نقاد هذا العصر من فتوحات صال فيها التفلسف بصورة طمست هوية الإبداع عندنا.
وأضحت العقول لا تبدع إلا إذا رقصت في سلاسل الآخر، ورددت أقواله وأقاويله ومقولاته، واتخذتها منطلقات لتصوراتها ومناهجها، وتناقلت آراء أهل الأقاويل في هوامش بحوثها؛ صيانة للأمانة العلمية.
وتعددت مشاريع الإنقاذ للفكر العربي، والعقل العربي. وكانت في جملتها اعترافات بضعفنا واستكانتنا لغيرنا.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق