د.عباس أرحيلة
تمهيد:
ارتبط لفظ القيم بثلاثة مجالات: مجال
الدين ومجال المال ومجال البحث عن الحقيقة من حيث هي، أو قل بمجال الأخلاق ومجال
الاقتصاد ومجال الفلسفة.
ووجدنا كثيراً من الأنبياء – كما أخبر
القرآن الكريم – يقولون لأقوامهم: لا أسألكم عما ندعوكم إليه من أجْر، وهو قول
يُذكِّرهم بحقيقتين:
أولهما:
أنهم لا يطلبون ثمنا مقابل ما يحملونه من هَدْي إليهم.
وثانيهما: أن قيمة ما يدعونهم إليه لا
تُقدَّر بثمن، ولا يسع الناس أداء الأجر عليها؛ إذ لا يقوم مال مقام هدي السماء،
أو يُقَدَّرُ بقدره!
وهم في مقابل
الإيمان بهدي السماء إليهم ينالون الأجر، بل
يُوفَّوْن أجورهم، وينالون النعيم المقيم؛ ثمناً وقيمةً لأعمالهم، وعليه
فأهم قيمة تتمثل فيما يتفضَّلُ به المُنعم على خلقه الذي )أعطى
كل شيء خلقه ثم هدى(!(1).
ولفظ القيمة أصله الواو لأنه يقوم مقام
الشيء، قلبت الواو ياءً لكسر ما قبلها. فأصل القيمة أن
تُقيم هذا مكان هذا. فالقيمة ثمن الشيء بالتقويم. وتقويم السلعة بيان
قيمتها. من قوَّمتُ المتاعَ إذا جعلتُ له قيمة معلومة؛ أي بالثمن الذي يقوم به
المتاع مقامه، وقوَّمتُ السلعةَ قدَّرتُ ثمنها. ولغة أهل مكة: استقمتُ السلعة:
قوَّمتُها. فقوَّمَ السلعةَ واستقامها: قدَّرها. فالتقويم هو الاستقامة! ولفظ
القيمة يدل في الاستعمال العادي على « قدر الشيء ومقداره »، كما يقول د. طه عبد
الرحمن (2).
واليوم يفتقد الناس القِيَم، ولا يسمعون عنها إلا في«برصة
القيم»، وتُملي على الناس قِيَم العالم المعاصر، وهم في مهب رياح العولمة، يختالون
في أزياء الحداثة، ويتنسَّمون تيارات الاستهلاك، و تستهويهم عربدة الغرائز... وديار
الإسلام يجتاحها التخريب ، وهي تُحدِّق في الفراغ وتتلمَّظ...
وهذه كلمة محاولة فيها مساءلة
للفظ قيمة، كما ورد في كلام « الحي القيوم»؛ الهادي إلى التي هي أقوم، وفي
حديث مَن جاء بالدين القَيِّم، وفي لغة من أُمروا أن يستقيموا؛ استعداداً ليوم
يقوم فيه الناس لرب العالمين.
وهكذا حاولتُ تحديد ملامح
أداء هذا اللفظ، وما دلَّتْ عليه معانيه وإيحاءاته في الثقافة الإسلامية. فكيف
تأثَّلَ هذا اللفظ وتشعَّبت معانيه في علاقاته بالمعتقد والسلوك والاتجاه ؟ وإلى
أي مدى تكشف استعمالات هذا اللفظ عن الهُوية الإسلامية، وعن حقيقة الوجود في حضارة
الإسلام، وعن مقاصد الشريعة ومصادر القِيَم في حركة ذلك الوجود؟
أولا: القِيَمُ: جمال وجود:
أول معنى لفعل قام (3): وقف وانتصب.
والقِيامُ: الوُقوف. وقيام الكائن البشري – بالصورة التي هو عليها - من جمال
الوجود. وقد تحقق كمال الوجود الإنساني وجماله وكماله بانعدام انكفاء الإنسان شأن
بقية المخلوقات، فانتصب قوامه بدل أن ينكفئ في حركة حياته؛ فتهيَّأ له جمالُ وجوده
في خَلْقه؛ مما هيأ له حرية الحركة في الوجود. فقام الإنسان وسار على قائمتين؛
فاعتدل واستوى وجاء مديد القامة، يتناول مأكوله بيديه. قال تعالى: ) لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم( [ التين:4]. لأن الله خلق كل شيء منكبّاً
على وجهه، وخلق الإنسان مستويا، أي أن سوَّاه وعدَّله (4). وانتصاب القامة يدل على
استيلاء الإنسان على كل ما في هذا العالم(5).
والقَوَام
بالفتح: حُسْنُ الطول وحُسْنُ الاعتدال. ورجل قويم وقوَّام: حسَنُ القامة.
فالقيام: نهوض، والقومة: نهضة. وبعد أن اعتدل الإنسان واستوى، أصبح له وجود في
الأرض أي مقام بمعنى إقامة. من أقام بالمكان أي مكث وثبت. والمَقام: موضع القدمين.
وأصبح له حيِّز مكاني (مَقام) وحيِّز زماني( مُقام). قوله تعالى: ) لا
مَُقام لكم فارجعوا( [ الأحزاب:13]، أي لا موضع لكم، وقُرئ بالضم أي لا
إقامة لكم. فالإنسان له موقع في هذا الكون، وهذا يقتضي منه أن يتساءل عن مستقره
ومستودعه في العالم الآخر!
ومن
عناصر النظرية الأخلاقية التي منطلقها الفطرة، يرى د. طه عبد الرحمن « أن الإنسان
أصلا خليقةٌ، وحدُّ الخليقة أن تكون في آن واحد خَلقا ( بفتح الخاء) وخُلُقا ( بضم
الخاء)» (6) وبذلك القَوام يتأتَّى القيامُ بالعبادة بطريقة بديعة تُذَكِّرُ
الإنسانَ أنه خُلِق على هذه الصورة للعبادة: قِيَاما وركوعاً وسجوداً.
«والقيامة أصلها ما يكون من الإنسان من
القيام دُفعةً واحدةً أدخل فيها الهاء تنبيهاً على وقوعها دُفعةً » (7). وكما يقوم
الإنسان دفعة واحدة، تقوم قيامتُه دفعة واحدة. فهل يتذكر الإنسان حين تقوم قيامته؟
وهل تقوم للإنسان قائمة يوم قيامته إذا هام في دنياه بدون قِيَم؟
فالقيم مرتبطة بتكريم الإنسان، وتسويته
على أحسن وجه من الخِلقة، وبحركته في
الوجود في حيز زماني ومكاني؛ فتكون له قَوْمة ونهضة، وقيامه أو قيامته تُذكره
بالمَعاد أي باليوم الموعود، يوم القيامة.
وقامة الإنسان تُجمع على قامات وقِيَم
في لغة العرب. وللعرب اليوم قامات وقِيَمٌ ؟ وهل تكون للقِيَم البشرية ( أي
القامات البشرية) حسنٌ واعتدال بدون قِيم خلقية؟
ثانيا: القِيَمُ: حركة عزْم وثبات في الوجود:
ما كان للإنسان أن يُقيم في مكانه، أي
أن يمكث ويَثبُت، وإنما قام ليتحرك ويتقدم ويعمل، تبعا لسنن ما أُريد به في حاله
ومآله. فالقيام جمال وجود يضمن الثبات على الأرض، والاستيلاء على خيراتها، والنهوض
بما يقتضيه الوجود عليها. فجمال الوجود قوْمة ونهضة لأداء مهمة الابتلاء في
التجربة الأرضية للإنسان.
والقيام
بالمهمة يقتضي العزم، كما في قوله تعالى: ) وإنه لمّا قام عبدُ الله يدعوه ( [ الجن:19]، أي
لما عزم، وقوله: )إذْ
قاموا فقالوا ربُّنا ربُّ السموات والأرض( [ الكهف:14]، أي عزموا فقالوا. فالقيام: عزيمة
ومحافظة وإصلاح ؛ ومنه قوله تعالى:)
إلا ما دمتَ عليه قائماً ( [ آل عمران:75]، أي ملازما محافظاً.
وقِوام الأمر: عِمادُه الذي يقوم به
وينتظم، والقِوام من العيش:ما يُقيمُك ويُغنيك. وأصل القِوام ما يقوم به الشيءُ أو
يثبُتُ، كالعِماد والسِّناد لما يُعمَدُ ويُسنَدُ به (8). )
وجعل الله الكعبة البيت الحرام قِياماً للناس( [ المائدة: 97]، أي قِواماً، وقرأ ابن عامر وعاصم
قِيَماً بغير ألف، أي صلاحا ومعاشا لأمن الناس بها، أي قِواما لهم يقوم به معاشهم
ومعادهم (9). وقوله تعالى: )
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما (
[ النساء:5]. أي عِماداً لمعاشكم وصلاح دينكم؛ إذ بِها تقوم أموركم. قرأ نافع وابن
عامر قِيَماَ (10).
وقِوامُ الإنسان ما تستقيم به حركة
وجوده. فما قِوامُ الحياة إذا أراد الإنسان أن ينتظم عيشُه فيها ؟ وعلى أي شيء يقوم صلاح
دنياه؟
يقال: قام بالأمر إذا اعتنقه. فالقيام:
تمسك بعقيدة. وما العقيدة إلاَّ الدين القَيِّم
الذي تستقيم به أمور البشر في الحال والمآل. ولا
تقوم أمور الخلق ولا تستقيم بدون دين، فلا قِوَامَ للوجود بغير دين، لا صلاح للكون
بدون توجيه وتقويم من الدين. ولا صلاح له يتم بغير القيام بالدين والتمسك به.
والقائم بالدين: هو القائم على الحق؛ المستمسك به، الحافظ له، الثابت عليه.
ألا ترى أن معاني ألفاظ اللغة العربية
تسخر من أهل اللغة العربية ؟ فالقِيَم والقامات جمعان للفظ قيمة! والقيامة: قيام
للإنسان دفعة واحدة، ونهاية للمخلوقات على الأرض دفعة واحدة! ولا يُطلق لفظ القوم
والأقوام إلا على من قاموا بعظائم المهمات!
ثالثا: القِيَم
: قِيَامٌ بالعقيدة وثباتٌ عليها وعمل بمقتضاها:
القيام – كما رأينا – تمسك بالعقيدة، وحِفظٌ
لها، وثباتٌ عليها. )
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ( [ آل عمران:113]؛ أي مواظبة على الدين مُستمسكة به. وفي الحديث: إن حكيم بن حِزام
قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أَخِرَّ إلا قائماً، أي أن لا
أموت إلا ثابتا على الإسلام متمسكاُ به. وكل من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم
عليه، كما في قوله تعالى: )قال
قد أُجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعانِّ سبيل الذين لا يعلمون(، فاستقيما: أي فاثبتا على ما أنتما عليه من
الدعوة والزيادة في إلزام الحجة (12).
وقوله تعالى: )
وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً(
[ الجن:16] « أي لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أي لو ثبت أبوهم على ما كان
عليه من عبادة الله والطاعة ...لأنعمنا عليهم ولوسعنا رزقهم... وذكر الماء لأنه
أصل المعاش وسعة الرزق » (13).
وقِوام الدين: ما به يقوم.يقال فلان
قَيِّم أهله وقِوام بيته، إذا كان يٌقيم شأنه أي يُصلحه. وقيِّم القوم: من يسوس
أمرهم ويُقوِّمهم. ) قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتى تُقيموا التوراة والإنجيل وما
أنزل إليكم من ربكم ( [ المائدة:68]، « أي لستم على شيء من الكتاب حتى تعلموا بما في
الكتابين من الإيمان بمحمد عليه السلام، والعمل بما يوجبه ذلك منهما» (14).
فالقيام هنا علم وعمل بما يوجبه العلم، أي هو الحكمة.
وإذا كان على المخلوق أن يسوس أمر نفسه؛
فإن عليه أن يقوم بأمر دينه، ويعلم أن الله تعالى قائم على كل نفس بما كسبت، أي
يُقدرها على الكسب، ويخلقها ويرزقها ويحفظها ويُجازيها على عملها. وهو ) الله لا إله إلا هو الحي
القيوم( [ البقرة:255]، أي القائم بتدبير ما خلق، الحافظ لكل شيء والمُعطي
له ما به قِوَامُه. والقيام: التولي لأمور الخلق عن علم، يقول تعالى: ) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت (
[ الرعد:33].
رابعا: القِيَمُ هي الدين وما يقوم عليه:
إذا كان الدين هو قِوام الوجود وعِماده،
فإن مما تقتضيه الحكمة في تنظيم حركة ذلك الوجود
هو حفظ أمانة الدين ؛ باعتباره أعظم قيمة في الوجود . فالقيام: إقامة
الشهادة، لقوله تعالى: )
والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهادتهم قائمون(
[ المعارج:32 - 33]. ويدخل في الأمانات أمانات الدَّين؛ إذ الشرائع أمانات ائتمن
الله عليها عبادَه. والقيام بالشهادة يدل
على توحيد الله تعالى، لقوله عز وجل )وأقيموا
الشهادة لله (
[ الطلاق:2]. كما يدل على أداء الشهادة
دون كتمان أو تغيير.
والقيام إحقاق الحق، وإقامة العدل في
المعاملات، لقوله تعالى: )
وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالعدل (
[ الحديد:25]. وهناك الإشارة إلى قيمة العدل، من غير ميل إلى الأقارب، ولا حيف على
الأعداء في قوله عز وجل: )
كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم (
[ النساء:135]. أما )الكتب القيمة ( [ البينة: 3 ] فهي المستقيمة الناطقة بالحق والعدل .
وقد
وَرَدَ لفظ قِيَم وصفاً للدين في آية واحدة في القرآن الكريم، وهي فقوله تعالى: )قلْ
إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلى ِصَراطٍ مُستقيمٍ ديناً قِيَماً مِلَّةَ إبراهيمَ
حنيفاً ( [ الأنعام:161]، أي هداني صراطا مستقيما دينا قِيَماً. و"
قِيَماً" معناه ديناً مستقيماً لا عِوَجَ فيه. (15).
والقِيَم في الإسلام: حركة عبادة وطاعة،
من أقام الشرْعَ: أظهرَه. والقيام:حركة عبادة. ويُعبر عن الصلاة بالقيام، يقال:
فلان يقوم الليل أي يُصلي، وإقامة الصلاة أداؤها بحدودها وأوقاتها. وأقام الصلاة
أدام فِعلَها. ومنه: )
عذابٌ مُقيمٌ ( [ المائدة:37] ، أي دائم. وإقامةُ الصلاة: المُناداةُ
عليها. والقَوْمة ما بين الركعتين من القيام.
وإقامة الشيء تَوْفِيَتُةُ
حقِّه، ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل( [ المائدة:66]، أي لو أنهم يوفُّون حقوقَهما بالعلم والعمل.
والقيام: العمل بطاعة الله تعالى: )إن
هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ( [ الإسراء:9] يقول الزجاج: معناه للحالة التي هي
أقوم الحالات وهي توحيد الله، والعمل بطاعته.
خامسا:
القِيَم: استقامة على منهج الله ، على الدين القَيِّم:
العمل بالطاعة يقتضي الثبات على المبدأ،
كما يقتضي الاستقامة وهي الإخلاص في العبادة، قال تعالى:
) فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين
الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون(
[ فصلت:6 - 7]، أي فاستووا إليه بالتوحيد وإخلاص العبادة، غير ذاهبين يمينا ولا
شمالا، وخص هنا من أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر؛ « لأن أحب شيء إلى
الإنسان ماله وهو شقيق روحه؛ فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته
واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته، ألا ترى إلى قوله تعالى: )
ومثل الذين يُنفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم ( [ البقرة:265] أي يثبتون أنفسهم ويدلون على
ثباتها بإنفاق الأموال» (16).
فالاستقامة هي الثبات على المبدأ، ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا( [ فصلت:30]،عن
أبي بكر رضي الله عنه: استقاموا فعلا كما استقاموا قولا، وعن عمر رضي الله عنه:
استقاموا على الطريقة لم يروغوا روغان الثعالب، وعن عثمان رضي الله عنه: أخلصوا
العمل، وعن علي رضي الله عنه: أدوا الفرائض (17).
ولفظ القِيَمُ يعني الاستقامة في اللغة العربية. والاستقامة:
العمل بطاعة الله تعالى ولزوم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. لقوله تعالى: ) فاستقيموا إليه( [ فصلت:6]، أي في التوجه
إليه دون الآلهة. وفي الحديث: قل آمنتُ بالله ثم استقم، قيل هو الاستقامة على
الطاعة.
والإسلام هو الدين القَيِّمُ، الذي لا
تستقيم حركة الوجود بدونه؛ إذ هو الهادي للتي هي أقوم. فهو القَيَِم بمصالح العباد
المُشرِّع لما به تنظم حركة وجودهم على الأرض. )
ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون( [الروم:30]، والقيم الثابت الذي دلت عليه البراهين
(18). والقرآن لا يخرج منه شيء عن الحكمة وإصابة الحقيقة. )
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتابَ ولم يجعل له عِوَجا قيما ليُنذر بأساً
شديداً من لدنه ويُبشر المؤمنين (
[ الكهف:1 ]. فنفى عنه العِوج وأثبت له الاستقامة، وجمع بين نفيِ العِوج وإثبات
الاستقامة لتأكيد أهميته في ضمان نجاة الخلق.
وقوله تعالى: ) وذلك دين القيمة ( [ القيمة:5]: أي الدين المستقيم، دين الملة المستقيمة، دين الأمة
القيمة بالحق أي القائمة بالحق. وقال الفراء: أضاف الدين إلى القيمة وهو نعتُه
لاختلاف اللفظين، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، ودخلت الهاء للمدح والمبالغة
(19).
وقال الراغب: القَيِّمة هنا، اسم للأمة القائمة بالقسط
المُشار إليه بقوله )كنتم خير أمة( وقوله: ) كونوا قوامين بالقسط شهداءَ لله (.
« الاستقامة: يُقال في
الطريق الذي يكون على خط مُستوٍ وبه شُبِّه طريق المُحِقُّ، واستقامة الإنسان
لزومه المنهج المستقيم » (20). قال تعالى: ) قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قِيَماً ملة إبراهيم
حنيفا وما كان من المشركين( [ الأنعام:161]. أي دينا مستقيما لا عوج فيه. وقيل إن )قِيَماً( انتصب حملا على المعنى؛
لأن هداني عرَّفني دينا، وقيل منصوب بإضمار فعل؛ فكأنه قال: اتبعوا دينا، واعرفوا
دينا. و)قَيِّماً( قرأه الكوفيون (قِيماً) بكسر القاف وفتح الياء وتخفيفها (21).
ويُستخلص مما قيل في إعراب ) ديناً (، أنه بدل من الصراط، أي هداني صراطا مستقيما دينا قِيَماً.
والسراط: الجادة، من سرط
الشيء إذا ابتلعه؛ لأنه يسترط السابلة إذا سلكوه، والمراد طريق الحق، وهو ملة الإسلام
(22).
قال تعالى: ) فأقِمْ وجهك للدين
القَيِّم ( [ الروم:43] أي البليغ الاستقامة، الذي لا يتأتى فيه عوج. وهل
تتأتى الاستقامة دون استعداد، ودون صبر
وعناء ؟
سادسا: «فاستقم كما أمرت»:
القِيَم التي أقام الله عليها تجربة
الإنسان على الأرض، ينبغي أن تستمد حقيقتها ممَّا يأتي من ملكوت الله ) قلنا اهبطوا منها جميعاً
فإما ياتيَنَّكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف ولهم يحزنون [ البقرة:37(. من هنا ضرورة طلبُ الإقامة على الدين، وطلب العون علة الالتزام
به. قال
تعالى: )فاستقم
كما أمرت ومن تاب معـك (
[هود:112]، أي استقم على امتثال أمر الله. والاستقامة:
الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال. وفي صحيح مسلم عن سفيان
بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا
بعدك! قال: قل آمنت بالله ثم استقم. وموقع هذه الآية كان أشق على الرسول صلى الله
عليه وسلم، فشيبته عليه السلام (23).
يقول الجرجاني في تعريفاته عن
الاستقامة:« ملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط في كل الأمور... وفي كل أمر
ديني ودنيوي، فذلك هو الصراط المستقيم، كالصراط المستقيم في الآخرة... وهي مرور
العبد في طريق العبودية بإرشاد الشرع والعقل...وقيل: الاستقامة: ألا تختار على
الله شيئاً» (24).
فالاستقامة
هي السير على الطريق المستقيم والالتزام به، هي الاستمرار في العمل على مقتضى منهج
الله، الذي رسمه الله في كتبه، وبينه على ألسنة رسله، وبذلك الالتزام تفوز تجربة
الآدميين على الأرض، ويتحقق لها الصلاح، وينعدم فيها الفساد. وعبارة الصراط
المستقيم تشمل ما يقوم عليه الدين من عقيدة وعمل وخُلُق.
وهل الدين إلا علم وعملٌ؟ فأساسه أن تعرف الله، بأن تخضع له وتخنع. وثمرته أن
تعمل بطاعته وتقف عند حدوده ليس وراء ذلك من الإسلام شيء. ) وأن هذا صراطي مُستقيما فاتبعوه فَتَفررق
بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ( [سورة الأنعام:153].
والالتزام بقيم الإسلام هو
ملجأ من أراد أن يستقيم، ويلزم جادة الصواب. وهل هناك ملجأ آخر؟ )فأين
تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم ( [ التكوير:26- 28].
سادسا: صعوبة الاستقامة على سواء السبيل:
اتضح مما سبق أن القيمة قضية إيمانية لا
تتحقق خارج الاستقامة عن منهج الله، ولا وجود لقيمة خارج أن ينفعل المخلوق بأمر
الخالق ونهيه. وكل قيم الوجود تنشأ من تلك القيمة الأولى، وبموجبها تنفعل حركة
الحياة، بما يمور فيها من دوافع واهتمامات وميول. وعن ذلك الالتزام بالأمر والنهي
يكون الابتلاء في حياة البشر على الأرض، وتتسامى القيم في مدارج الكمال الإنساني
ليتحقق مَن هو أحسن عملا. ولا عجب أن تكون أشق آية نزلت على الرسول صلى الله عليه
وسلم، قول الله تعالى: )
فاستقم كما أمرت (،
ولا عجب أن تُشيِّبَه هذه الآية من سورة هود؛ لصعوبة الاستقامة التي يتحقق بها
مراد الله تعالى، والالتزام بأمره ونهيه.
وقال أبو القاسم القشيري: «إن الاستقامة
لا يطيقها إلا الأكابر؛ لأنها الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرسوم والعادات،
والقيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:
"استقيموا ولن تُحْصُوا». أي لن تستطيعوا إحصاء طريق الاستقامة فإنها
كثيرة. ولن تحصوا ما لكم في ذلك من الأجر. فطريق الاستقامة لا تتقيد مراتبه ولا
تنضبط.
والاستقامة على سواء السبيل« في غاية
الغموض» على حد تعبير الإمام الغزالي، وقال: « ولأجل عسر الاستقامة وجب على كل عبد
أن يدعو الله تعالى في كل يوم سبع عشرة مرة في قوله )اهدنا
الصراط المستقيم (
إذ وجب قراءة الفاتحة في كل ركعة... فالاستقامة لى سواء السبيل في غاية الغموض،
ولكن ينبغي أن يجتهد الإنسان في القرب من الاستقامة إن لم يقدر على حقيقتها. فكل
من أراد النجاة فلا نجاة له إلا بالعمل الصالح، ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن
الأخلاق الحسنة فليتفقد كل عبد صفاته وأخلاقه، ولُعدِّدها وليشتغل بعلاج واحد واحد
على الترتيب» ( 25).
جاء
في تعريفات الجرجاني عن مدارج الاستقامة:« وقال أبو علي الدقاق: لها مدارج ثلاثة،
أولها: التقويم، وهو تأديب النفس، وثانيها: الإقامة، وهي تهذيب القلوب، وثالثها:
الاستقامة، وهي تقريب الأسرار» (26).
وازدادت صعوبة الاستقامة نتيجة تسارع وتيرة
تعولم القيم، وتحولها من مرجعية الوحي إلى عقل حداثي تبريري يقوم على نسبية القيم؛
يستمد حلوله من الواقع، ويُسيِّس أخلاق المستضعفين في الأرض تبعاً لمصالحه. وأخطر
ما يواجهه الإسلام اليوم عولمة الأخلاق.
ثامنا:الإيمان
هو قيمة الوجود على الأرض:
إذا كان أصل القيمة أن
تُقيم هذا مكان هذا، وتجعله ثمنا له؛ فقيمة الإسلام تتمثل في قِيَمه، وتستمد
وجودها منه. وقيمة
الإسلام هي ما يُؤديه الإنسان ثمناً لوجوده. وأمة
الإسلام تستمد أخلاقها من قيمها، وكل مساس بقيمها هو مساس بعقيدتها ووجودها. فالقيم في
الإسلام هي الطاعات التي يُقدمها المسلمون ثمنا لسعادتهم في الدنيا والآخرة.
وإذا كان دين الإسلام هو
قِوام الحياة، بل هو القَيِّمُ عليها، بل هو القِيَمُ نفسُها؛ وإذا كان القرآن هو
الهادي إلى التي هي أقوم ، فهل هناك قيمة خارج ما يدعو إليه؟ وهل هناك قِيَم خارج
أمره بالاستقامة؟
حين صدع أمر الخالق بالقول: ) فاستقم كما أمرت ( [هود:112]؛ اتضحت ضرورة التخلُّق بأخلاق ما
يدعو إليه الوحي، وتبيَّن أن القيم هي ما ينبغي أن يكون عليه سلوك العباد تَبَعاً
لأمر رب العباد. فالقِيَم التزام بأمر وطاعة لصاحب الأمر، ولا تستقيم حركة
الوجود الإنساني على الأرض بدونهما. فالقِيَمُ في الإسلام تقوم مقام الدين.
ومما تجدر ملاحظته أن
الديانات السماوية قامت على الحنيفية، والحنف
– كما قال الراغب - « هو الميل عن الضلال إلى الاستقامة ،
والجنَف ميل عن الاستقامة إلى الضلال... وتحنف فلان أي تحرى طريق الاستقامة »(27).
خاتمة:
لفظ القيمة ارتبط بلفظ الاستقامة وبلفظ
الإيمان في تراث الإسلام ، وبمعانيه تحقق البعد العملي السلوكي لشخصية الإنسان
المسلم. وبذلك ارتبط مفهوم القيمة
في حضارة الإسلام بالدين. وكان الأمر فيه بالاستقامة على منهج الله، والالتزام
بشريعته، والتخلق بهدي نبيَِه صلوات الله وسلامه عليه؛ الذي ما بُعث إلا ليُتمم
مكارم الأخلاق. فالدين والأخلاق وجهان لعملة واحدة. وقواعد السلوك تستمد وجودها من
الدين. وإذا كان الدين هو المعاملة، وكان الدين هو الأخلاق؛ فما الأخلاق إلا المبادئ التقويمية للسلوك، وما السلوك
إلا أن" ينصرط" الإنسان في الصراط المستقيم، وما الصراط المستقيم إلا
الدين القيم؛ إلا الإسلام. فكل خلق في الإسلام
هو منهج عمل. يقول د. طه عبد الرحمن: « والصواب أن الدين والأخلاق شيء واحد، فلا
دين يغير أخلاق ولا أخلاق بغير دين» (28).
القيم الإسلامية تشمل الدين
الإسلامي كله، هي الدين ذاته، فليست هناك أبواب خاصة بالقيم، بل هي تشمل حركة
الحال والمآل. فتأثيل القيم الإسلامية نابع من الدين. وقيمة واحدة في الوجود هي قيمة الدين، وما الدين إلاَّ مكارم الأخلاق. وما
انفصلت مكارم الأخلاق يوما عن الدين إلا كانت ضرباً من العبث.
والملاحظ أن لفظ الاستقامة
حضر في ترثنا الثقافي أكثر مما حضر لفظ القِيَم! ولا تعني لفظة
القِيَمُ في لسان العرب غير الاستقامة ! وما الاستقامة
إلا الدين!
وجاءت العصور الحديثة
فأشبعت سؤال القيم بحثا، فما ازدادت الإنسانية إلا تأزما في حركة حياتها. أما عالم
الإسلام فما زادته العصور الحديثة إلا اختناقا لقِيَمه، ومُحاصرةً لعقيدته،
وتشويها لسلوكه.
وشهدت
العصور الحديثة أشكالا من الحروب لنسف القيم الإسلامية، وتشويه أخلاق أهلها بإشاعة
الإباحية والفواحش ما ظهر منها وما بطن. وتعرضت القيم الإسلامية لأكبر كيد خفي في التاريخ، أريد به إطفاء نور الله في الأرض.
وفي الختام، هذا قول الله
تعالى لمن تذكر أو نسي غايةَ خَلقه، والهدف وجوده :
) فأين تذهبون إن هو إلا
ذِكرٌ للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين( [ التكوير:26 – 29].
هوامش:
(1)
من الآيات في ذلك: )قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين( [الأنعام:90]- ) يا قوم لا أسألكم عليه
أجراً( [ هود:51] - ) اتبعوا مَن لا يسألكم
أجرا( [ يس:21]- ) أم تسٍألهم أجرا فهم من
مغرم مُثقلون( [ الطور:40]...ويلاحظ أن قول الله تعالى:) وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين (، ورد خمس مرات في سورة
الشعراء [ الآيات:109 – 127 – 145 – 164 – 180 ].وفي مقابل الإيمان نجد: - "
خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم " – [ التوبة22] - " إنا لا
نُضيع أجرَ مَن أحسن عملا" [الكهف30] -
" وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم" [آل عمران 179] – " إنا
لا نُضيع أجر المصلحين" [الأعراف170] – " إن الله لا يُضيع أجر
المحسنين" [التوبة 120]...
(2)
تعددية القيم: ما مداها؟ وما حدودها؟ " د. طه عبد الرحمن، مطبوعات كلية
الآداب – جامعة القاضي عياض- سلسلة الدروس الافتتاحية، أكتوبر 2001، ص11 - يلاحظ
أن الأصل الإغريقي لكلمة الأكسيولوجيا (
علم القيم أو فلسفة القيم أو نظرية القيم
) يدل على ما هو معنى ثمين أو جدير بالثقة - فالفلسفةُ تعنى بالوجود
(الأنطولوجيا) وبالقيم (الأكسيولوجيا) وبالمعرفة (الأبستمولوجيا) وهذه كلُّها
متراكبةٌ ومتصلة، فالبحث في الوجود يتأسَّس على بحثٍ في المعرفة، يقوم بدوره على
تصور للقيم ... وهكذا ، بيد أن ما يعنينا الآن بالتحديد، هو: نظرية المعرفة.
(3) معتمدي في مادة [ قوم ] على المعاجم الآتية: مقاييس اللغة - أساس البلاغة - لسان العرب – القاموس المحيط –– المصباح المنير – تاج العروس.
(3) معتمدي في مادة [ قوم ] على المعاجم الآتية: مقاييس اللغة - أساس البلاغة - لسان العرب – القاموس المحيط –– المصباح المنير – تاج العروس.
(4) الجامع لأحكام القرآن:القرطبي( محمد بن أحمد
671هـ) – ط1[ بيروت، دار الكتب العلمية، 1988]: نفسه:20/77
(5)
المفردات في غريب القرآن:الراغب الأصفهاني( الحسين بن محمد 502هـ)، تحقيق: محمد
سيد كيلاني- د.ط [ القاهرة، مطبعة البابي الحلبي، 1961]، ص 418
(6)
سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي في الحداثة الغربية – ط1 [الدار البيضاء،
المركز الثقافي العربي، 2000]، ص 54 - ويرى د. طه عبد الرحمن أن ضرورة الخُلُق
للإنسان كضرورة خَلقه،سواء بسواء، فلا إنسانية بغير أخلاقية، ص54 – 55 ) – وخلق
الإنسان في أحسن تقويم وأُوتيَ جمال القَوام لأداء العبادة:
) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( [ الداريات:56].
(7)
المفردات في غريب القرآن، ص417 (8)نفسه:417
(90)
مجاز القرآن: أبو عبيدة ( معمر بن المثنى210هـ)، تحقيق: د. محمد فؤاد سزكين – ط1[
القاهرة، مكتبة الخانجي،1954]: 1/177-
الجامع لأحكام القرآن:القرطبي:6/210
(10)
البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي (محمد بن يوسف 745هـ)، تحقيق: عادل أحمد عبد
الموجود وجماعة – ط1[ بيروت، دار الكتب العلمية، 1993] :3/178( وفيه أوجه القرآن،
ومعاني القيام بين إثبات الألف وحذفها) – ينظر: المفردات في غريب القرآن: الراغب، ص417
(11) الكشاف:3/168 - )وأقوم
للشهادة (
[ البقرة:282] أي أصح وأحفظ .
(12)
الكشاف:6/230
(13) المفردات في غريب القرآن:
الراغب، ص417
(14) الجامع لأحكام القرآن:
القرطبي:6/159).
(15) قوله تعالى: «ولم يجعل له عِوَجاً قيماً لينذر بأسا شديدا من
لدنه» [ الكهف: 2]، أي معتدلا لا اختلاف فيه.
(16)
الكشاف:5/368 (17) نفسه:5/381
–382 (18) نفسه:3/286
(19)
الجامع لأحكام القرآن :القرطبي:20/98
(20) المفردات في غريب القرآن
:الراغب، ص418
(21) الجامع لأحكام القرآن:
القرطبي:7/99
(22) الكشاف:1/121
(23) روى مسلم عن الصحابي الجليل سُفيان بن عبد الله
الثَّّقفي، قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً
بعدَك، قال: (قُل آمنتُ بالله، ثم استقم). أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: باب
جامع أوصاف الإسلام، من كتاب الإيمان. وأخرجه النسائي، الترمذي، وقال: حسن صحيح.
(24) كتاب التعريفات: الجرجاني ( علي بن محمد 816هـ)،
تحقيق: إبراهيم الأبياري – ط2[ بيروت، دار الكتاب العربي، 1992]، ص37
(25)
إحياء علوم الدين: أبو حامد الغزالي ( محمد بن محمد 505 هـ) – ط2 [ بيروت، دار
الكتب العلمية، 1992]: 3/69
(26)
نفسه، ص37
(27)
المفردات في غريب القرآن، ص 133
(28) سؤال الأخلاق، مساهمة في
النقد الأخلاقي للحداثة الغربية: د. طه عبد الرحمن – ط1[ بيروت، المركز الثقافي
العربي،2000]، ص52
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق