السبت، 29 أغسطس 2015

شيء من الذكرى و بعض من أمل




           في رحاب كلية اللغة العربية بمراكش
      شيء من الذكرى و بعض من أمل

                                                                                                                                                   بقلم : عبد الرحمان المتقي  ( عضو المجلس العلمي بوارزازات)

          خلت وقد يممت هذا الركن الركين من قلعة القرويين الصامدة أني سأقف على ربع مية، و سيعتريني ما اعترى غيلان إذ درست الرسوم وغاب الأهل، على الرغم مما بين الحالتين من فوارق: فقد غاب الساكن في هذه الحالة و بقي السكن، و حله أهلون جدد ممن نكن لهم ما نكن لشموس وأقمار أفلت. ولم لا  وقد قبسنا من كل بقبس، وتزودنا بزاد عشنا به ردحا، و خير الزاد التقوى  على كل حال. 
                                              
 
         خلت ذلك و المناسبة شرط: فقد دعاني أحد الأساتذة لحضور مناقشته لرسالته في رحاب هذه المؤسسة. و حملني على ذلك الوفاء لرجل لم أر منه إلا الخير مدرسا و رجلا، كما حملني على ذلك التطلع إلى ربع عرفته أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. و كان لابد من رمي العصفورين بحجر، وكان لابد  من الحج إلى تلك البقاع، كان لابد من قطع الأربعمائة كيلومتر بجبالها  وهادها و مخاطرها. لا يهم، فالصيد يعمي  عين الصياد, وبعض العناء مستحب لتذوق طعم الراحة بعد بلوغ الأرب.                                                                        عرفت كلية اللغة العربية في ذلك الزمان، وقد كانت تحتل زاوية منزوية من حي الرميلة، منطوية على نفسها, مغلقة دون محيطها، محتضنة لطلابها القلة عصرئذ، ونسغ الحياة يسري في عروق كليات الآداب على طول الخريطة و عرضها.  وافترض قوم أن افتتاح كلية الآداب بمراكش سيكون رصاصة الرحمة لتلك القلعة المحافظة. وشاء الله أن يكون الأمر على خلاف ما افترضوا: فانتقلت إلى مقرها الجديد بشارع علال الفاسي، وإن حافظت على طابعها القديم، وبدأت تتنفس الهواء الجديد حين تطلعت إليها عين الوزارة الوصية، و عينت بها بعض خريجي تكوين المكونين، و لتتوالى التعيينات الجديدة تطعيما لهيئة التدريس أو تعويضا.  
           أتجاوز بوابتها لأجدني وجها لوجه مع عميدها,و أفاجأ بكونه يذكرني بالاسم تلميذا من طلابه بالمركز التربوي الجهوي. ياالله! كم هي حية هذه الذاكرة! و لا عجب، فقد وعت من أخبار مراكش وأعلامها وأوليائها وصلحائها كنزا ينضاف إلى معرفة بدروب الأدب المغربي و شعابه، و برجاله و أقطابه. أتوجه إلى المدرج حيث ستجري المناقشة و على لساني أبيات لأبي العباس الجراوي، و في ذهني أخبار لابن حبوس الفاسي و ذكريات لأبي الربيع سليمان الموحدي. أضحك في صمت و أنا أذكر تعصب الأستاذ حسن جلاب لشعرية هؤلاء و هو يقارنها بشعرية أندادهم من نجوم المشرق.                                  
       
أعلم أن سيكون ضمن لجنة المناقشة الدكتور عباس أرحيلة من كلية الآداب بمراكش. وقد سمعت أن الناس يحجون إليه متى كان في لجنة ليغرفوا من علمه  يستمتعوا بطريقته في إبداء ملاحظاته. وكذلك كان.                                                   ترأس لجنة المناقشة الدكتور حسن جلاب عميد الكلية  وأستاذ كرسي الأدب المغربي بها. ولم لا يفعل والموضوع ميدان سباقه حول المعارضات النثرية في الغرب الإسلامي. أما الإشراف، فكان لشيخ وقور عرك الدنيا والناس، واستطاع أن يتبوأ السنام محققا بارعا كما سمعتهم يقولون عنه. هادئا كان الرجل و هو يقدم طالبه لأعضاء اللجنة، ومستمعا صامتا كان طيلة الجلسة كما ينبغي لمجالس العلم والعلماء. والمدرج يغص برواده، وقد غشيته الرحمة كما تكون محارب الذكر و الفكر.
       هي ذي كلية اللغة العربية اليوم إذن:
(1     
مؤسسة جامعية قائمة ككل المؤسسات، عاملة ناصبة, تخطو خطاها ثابتة، محتضنة طلابها الكثر هذه المرة، قوية بأطرها الشابة، تفتح الصدر لباحثيها، و تمنح شواهدها العليا باستحقاق كبير               .
(2     
قبلة لطلاب العلم من كل صوب. فهي وحيدة نوعها في كل التراب المغربي، و تقبل الطلاب مهما كان  اتماؤهم الجغرافي أوالتخصصي.                                                      
(3     
أثار انتباهي الحضور القوي لأساتذة من الضفة الأخرى، أعضاء في لجان المناقشة أو حراس جودة. و قد عرفت منهم الأفاضل: عباس ارحيلة، عبد القادر حمدي، محمد أمنزوي، مولاي المصطفى أبو حازم. و قد يكون حاضرا غيرهم ممن لا أعرف. هي ذي كلية اللغة العربية منفتحة دون تهيب ولا وجل على محيطها، فاسحة المجال لزوارها و مدعميها من كلية الآداب المجاورة.و قد     سمعت أحدهم من على منبر المناقشة يدعو لها و لرجالها و أساتذتها وطلابها بالمزيد من التألق والعطاء والإفادة.
(4      
سجلت حضور أطر المؤسسة قيادة و قاعدة: فالسيد العميد كان رئيس لجنة للمناقشة، و نائبه كان عضوا فيها.   و كانا حاضرين بثقل في الجلسات اللاحقة بدءا و انتهاء دون ملل و لا كلل. و في ذلك دعم للجان العلمية له ووزنه من الاعتبار. أما هيئة التدريس فالمناسبة لاتضاع من أجل تغذية راجعة تكشف وزن ما تحقق. و قد عرفت منهم  عبد الرحمن كظيمي، عبد الحي عباس، آيت مبارك الحسين، ومحمد قادم. و لعله كان منهم ضمن الحضور من لا أعرف.                                          .
         و بعد، فهنا يولد الأمل، هنا حيث يوجد الرجال، هنا توقد الجذوة. فالجدية طابع ملحوظ، و الانضباط صارخ،و اللياقة سائدة، و الحرية معيشةـ فقد كانت شعارات جماعة صغيرة من الطلبة تغازل الأذن بين الحين و الآخر طيلة المناقشة لإسماع رأيها آذان المسؤولين المنشغلين عنها بتتبع مراحل الميلاد.
        
أشق الطريق إلى خارج المؤسسة، و أمامي تتراءى صورة الشيخ الرحالي الفاروق رحمه الله في شيبه و وقاره، يخطو الخطى وئيدة ذات زمان، رابتا هذا الكتف أو ذاك، و حواليه نجوم أفلت. و ها إن أخرى تجاوزت أوجاع المخاض، و خاضت في عمل وازن نحو الغد، نحو الأمل. أخطو و في الأذن رجع لما قاله الدكتور عبد القادر حمدي من كلية الآداب و هو يرأس بكفاءة و حنكة لجنة مناقشة لموضوع: عنوان النفاسة لابن زاكور الفاسي: زاد الله هذه المؤسسة و رجالها تألقا، و زاد طلابها توفيقا.

                                       و حرر بزاكورة بتاريخ:12/12/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق