عباس أرحيلة
أولا: إقبال وراتباطه بعبقرية
العربيّة ومعجمها
1 - كلمة عن أحمد الشرقاوي إقبال
أحمد الشرقاوي
إٌقبال، رحمه الله تعالى ( 1927 – 2000م)،
واحد من الرعيل الأول الذي نهل من التعليم الأصيل وانفتح على التعليم
العصري في مطلع استقلال المغرب، وتحمل مسؤولية التربية والتوجيه في النهضة
المغربية الحديثة في مراكش، أحد المراكز الثقافية على امتداد تاريخ المغرب. وعايش الشرقاوي الانشغالات
الثقافية والفكرية لتلك النهضة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. فقد آثار من خلال دروسه في مدرسة المعلمين - وكانت تستقطب آنذاك طلبة جنوب
المغرب عامة - ومن خلال
محاضراته ومجالسه الخاصة والعامة، ومن خلال أعماله في التراث دراسةً وتحقيقاً، وفي
الأدب جمعاً وتوثيقا ودراسة؛ ما كان يشغل
باحثاً من مدينة مراكش، عاصر التحولات الثقافية للمغرب الحديث.
2 - ارتباطه بعالم الكتب وبعبقرية العربيّة
أحمد الشرقاوي إقبال، رحمه الله تعالى، أخذ معارفه من
الكتب ومن مذاكرات العلماء. وقال إن له صبراً على القراءة تستغرقه فيها الساعات دون كلل أو ملل، وسرعته
في القراءة فوق المعتاد، وأخبر أنه قرأ، إلى حين وفاته، رحمه الله تعالى، زهاء
العشرين ألف كتاب.
وارتبطت حياة
الشرقاوي العقلية بلغة القرآن، كما ارتبطت بالمعجم ارتباطاً وثيقا، وبمضي الأيام
أصبح للفظة وقع خاص في وجدانه، يجد لذة خاصة في فهم أبعادها وشواهدها، وورودها في
صنوف استعمالاتها في فنون القول في تراث آداب العرب، وما كانت تحمله من دلالات
وأبعاد.
وبدأت عنايته بالعربية، يتغنى في منتداه بنماذج الشعر
العربي، وبأخبار أدباء العربية وعلمائها، ويقف عند جماليات العبارات؛ راصداً لها
من خلال صيغها التعبيرية. وكان من غاياته أن يُشيع حب العربية في النفوس، وأن يُذكر بعبقريتها في
مجالات المعاني الإنسانية، وأن يُثبت قدرتها على المواجهة؛ بالبحث في قضاياها،
والتنبيه إلى كنوزها، والتأمل في روائعها في الأداء.
3 - اهتماماته بمواد المعجم العربيّ
ومعايشة الشرقاوي لمواد المعجم العربي أوحت إليه بعدة
تآليف، منها: قاموس
أُفعولة ( أهداه
للأستاذ عبد الحق فاضل في يوم تكريمه بكلية الآداب بمدينة مراكش ) – قاموس
مَفْعَلة السَّبَبية قاموس الفَعول ( دواءَ وطعاماَ ومُرتَفَقاً ) قاموس الفُعال في الأدواء ( جمع فيه أسماء الأمراض التي جاءت
على وزن فُعال ( تركه جاهزاً
) – قاموس
الفِعالة في الصناعة والأعمال – معجم ما استعجم في أسماء العلوم والفنون والمذاهب – الفصحى من أفواه البلغاء ( مشروع معجم بلاغي ).
وكتابه الذي لم
ير النور: (درجات العقل ودركاته في المعجم العربي) يضم مئات المفردات في مستويات
الذكاء صعودا ونزولا مثل الألمعية، والعبقرية، واللوذعية، والزكانة، والذكاء،
البديهة. فهو كتاب في
ترتيب معاني الألفاظ والتدقيق في الذي أنجزه أحد العارفين بأسرار
المعجم العربي في مواده اللغوية ومعانيها الدقيقة؛ هو مما تتميز به اللغة العربية
عن بقية اللغات الأخرى.
ولي كلمة حول هذا الكتاب - تقع في مكان آخر من هذه
المدونة – أسعى من خلالها إلى تقريب طبيعة هذا الكتاب.
ثانيا: من أسباب عنايته باللغة
العربية
(1)
تأثير سوس
العالمة في توجيهه إلى العناية بالعربية:
أ - أخذ الأستاذ
أحمد إقبال، رحمه الله تعالى، تعليمه الأول عن الشيخ حمّاد السوسيّ بكُتَّاب درب
ضباشي، فكان أول مَن غرس في نفسه حب العربية. ويذكر، رحمه الله، أن ولَعَه بالعربية جاء بتأثير هذا
العالم السوسي المتمكن من العربية؛ فقد حبَّبها إليه بشرحه لغريب القرآن والسيرة
النبوية، ولبعض الاستشهادات التي كان يُمليها على الطلبة.
ب - وجاءت علاقته بمحمد المختار
السوسي، بجلوسه في حلقته العلمية بمنتدى الرميلة سنة 1946م، وتواصل اللقاء بينهما لمدة خمس سنوات. وتميز اللقاء الأول باستفسار الشيخ
لطلبته عن معنى الخِرْقِئ، بعد أن أمر أحد طلبته بغسل بُرنُسه قائلا:"اغسله غسلا
وارْحَضْهُ رَحْضاً يصير به كالغِرْقِئ. وعجز مَن كان في المجلس أن يشرح معنى الغِرْقِئ ، فوجد
الشيخ ضالته عند أحمد الشرقاوي إقبال، وهو يومئذ أصغر من كان بالمجلس، حين أجاب: " الغِرْقِئ : القِشرة اللينة الملتصقة ببياض
البيضة، والواقعة تحت القيض الذي هو القشرة اليابسة على ظاهر البيضة". واستشهد على
ذلك بما ورد في (كتاب الكامل) للمبرد (285 هـ). كما ورد ذلك
في رسالته إلى محمد المختار السوسي، رحمه الله تعالى، سنة 1950 (1) .
(2) العربية
أمام تحديات العصور الحديثة
أ - فبعد ما تلاشت العربية وتشيَّأت وأضحت أمشاجا من اللهجات
على امتداد العالم العربي، منذ مطالع القرن الرابع للهجرة، وسيادة الأمية؛ جاءت
ظاهرة التغريب تجتاح العالم الإسلامي العربي لبتر صلة هذا العالم بهُوِيَّته.
ب - وكان من جملة التحدِّيات التي واجهتها العربية أنها وقفت
وجهاً لوجه مع انفجار المعارف الجديدة، معارف لا قِبلَ لها بمفاهيمها ومصطلحاتها
وخلفياتها المعرفية. ومع انفجار المعارف في الغرب أحسَّ أهل العربية بالتخاذل، ورمى بعضهم اللغة
العربية بالعقم والعجز أن تستجيب لما جدَّ في عالم المعرفة الحديثة.
(3)
دفاع عن العربية:
أ - وجد الشرقاويّ العربيّة لحظة استقلال المغرب قد
توارت عن أعين أهلها أمام لغة المستعمِر، وأن
الاستعمار سعى إلى طمسها وإشاعة اللغة الفرنسيّة. ودفاعاً عن لغة القرآن بدأت عناية الشرقاوي باللغة، ورفض أن تُنعت لغة القرآن بالضعف والعجز.
ومشروعه كان في عمقه مواجهة لهذه التحدِّيات.
ب - إيمانه الراسخ بأن الحفاظ على
اللغة العربيّة هو من الدين بالضرورة؛ فالجهل بالعربية جهل بالدين، والعناية
بالعربية صيانة للعقيدة الإسلاميّة.
هامش:
(1) مراسلة بين الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال والشيخ المختار السوسي، تقديم وتعليق: أحمد متفكر - حوليات كلية اللغة العربية، العدد الثامن 1417هـ / 1996م، ص113 – 124، وفي لسان العرب الغِرْقـىءُ: القشرة الـمُلْتَزقة ببـياض البـيض. وغرْقأَتِ البـيضة: خرجت وعلـيها قشرةٌ رقـيقة، [ غرقأ ].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق