الجمعة، 28 أغسطس 2015

الدكتور عباس أرحيلة – خطوات في مجال التحقيق: المجهود والمنهج


            


د. المختار النواري – تارودانت -
         تمهيد:
عُرف الأستاذ الدكتور عباس أرحيلة، من بين ما عُرف به، خلال مدة تدريسه في الجامعة، وخلال إشرافه على البحوث، وخلال اللقاءات التي كان يحضرها، والندوات التي كان يشارك فيها، والانتاجات التي كان يدبجها، والأعمال التي كان ينشرها؛ بأنه رجل البحث المدقق، الذي لا يتغافل عن صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ووقف عندها، ودقق حولها وعلق ما وسعه المجال، ونثر القول ما أسعفه المقال.
        ولقد كان يثيرنا ونحن طلاب نشدو الإهداء والتنوير بين يديه، بقوة ملاحظاته، ودقة تعليقاته، وإلمامه بخبايا التراث العربي القديم، مشرقه ومغربه، وإحاطاته بقضاياه العريضة والجزئية، عربية وغربية، إذ له إلمام جيد بالثقافة الفرنسية وخاصة لدى أعلامها الكبار منذ عصر التنوير وحتى الفترة المعاصرة.
        انعكاسا لقوة الملاحظة هاته، ودقة التعليقات تلك، فقد أبان عن عشق قوي لكتب التراث، ورجالاته، وما بُذل من جهود في إخراجه، ولأعلام المحققين وطرقهم وإنتاجاتهم. وعلى يديه عرفنا الكثير منهم، ومن خلال أحاديثه زرع فينا رغبة حثيثة إلى التعرف عليهم، وعلى أعمالهم. وإن نسيت فلن أنسى الحرقة التي حدثني بها يوما ما عن أستاذه – أستاذ الأجيال- الدكتور أمجد الطرابلسي – تغمده الله بواسع رجمته- وعمله في إخراج كتاب الصاهل والشاحج لأبي العلاء المعري، والجهد المتميز الذي بذله في سبيل ذلك، ومبادرة عائشة عبد الرحمن إلى تحقيق الكتاب وطبعه، مما أوهى عزيمة د. أمجد في إخراجه، فترك الكتاب مُسَودا لديه، حتى إذا رحل الدكتور أمجد عن المغرب إلى فرنسا مكلوما، وبعدها رحل عن الدنيا مأسوفا عليه، خلف تلميذه ومعزه ومقدره يتحرق من الأسى والندم، ويأسف على الرجل الذي ضاع، والجهد الذي ما رأى النور، وحُرم أبناء هذه الأمة من الانتفاع به.
 أولا- صور حضور التراث في علم وعمل الدكتور عباس أرحيلة:
        وإذا تتبعنا فكر هذا الرجل الذي – ندين له اليوم ببعض فضله علينا، ونرسم ملامح من مجهوداته في سبيل نشر الثقافة العربية والإسلامية، لا يسعنا إلا أن نذكر ما أنجزه  في هذا المجال، إما إخراجا أو إشرافا، أو اهتماما ما.
        أ- الاهتمام بالتراث:
فمن صور اهتمامه بالتراث ميله إلى تدريس مادة النقد القديم غالبا، طيلة سنوات عمله في الجامعة، في السلكين العادي والعالي، باستماتة لا يزحزحه عنها متغير ولا ثابت.
ومن صور هذا الاهتمام إيثاره التكوين على يد شيخ كبير من شيوخ التحقيق، كتبت عليه أنفته أن يُبقي نفسه خارج دائرة الضوء، يعمل في صمت، ويحقق في صمت، إلا عن المقربين، حتى رحل في صمت، لم تكسره سوى صيحة " ذكرى علم مر من هنا ".
        ومن صور اهتمامه بالتراث مصادقته للمتمكنين منه، المهتمين به، الغيورين عليه، الخبراء فيه، والتنويه بهم في كل جلسة يجلسها، وتثار فيها قضية من قضاياه، أو في كل لقاء يُنشر فيه هم من همومه، أو شجن من أشجانه، وأخص بالذكر د. مولاي مصطفى أبو حازم، ود. عبد السلام الخرشي، هذا الأخير الذي لا أعرفه ولا يعرفني معرفة مواجهة، ولكنني أعرفه معرفة علم من خلال كثرة أحاديث أستاذي عنه.
ومن صور اهتمامه بالتراث تتبعه لقضاياه الكبرى، خاصة ما حُقق وشاع بين الأيدي، ونشراته المختلفة، وما استجد من طبعاته، فما تسأل الرجل عن مصدر من الأمهات، إلا ووجدت عنده تاريخا متسلسلا لنشره ومراحله، والقائمين عليه، وأماكنه، بل ولربما وجدت لديه نسخته التي يستفيد منها، ويرسم عليها ملاحظات تعن لها أثناء مراجعتها، وإذا أعوزته المطبوعة ووجد سبيلا إلى مصورة اكتفى بها، ومع ندرتها لا يبخل على سائل، وأذكر وأنا طالب في السنة الثالثة من الإجازة أنه أعارني صورته لفحولة الأصمعي ومعجم الشعراء للمرزباني.
وما اهتمامه بالتراث المحقق، ومواكبته بالمطالعة والكتابة حوله، والتنقيب فيه موضحا بعض قضاياه، مستجليا خباياه، مسائلا ظواهره، مستنطقا غرائبه، مستقرئا عجائبه، إلا صورة من صور هذا الاهتمام. ولهذا تجل واضح في إنجازاته العلمية، التي رسمت مسيرتها الرصينة، بعيدا عن كل أدلجة أو سفسطة أو محاباة أو انبطاح. تشهد له بذلك الأطروحة القيمة حول الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيين إلى حدود القرن الهجري الثامن، التي كانت وستظل متميزة بين مثيلاتها، متفوقة على قرناتها؛ وقد تقدمتها وبالامتياز نفسه الأطروحة الأولى: البحوث الإعجازية وانعكاساتها في الدراسات البلاغية والنقدية حتى نهاية القرن الهجري الرابع.
وتلتها أعمال متميزة ترجح ميول الأستاذ الجليل نحو التراث وانشغاله به، انشغال مريد جعل بيته زاويته، وتلاوته حضرته، وعلمه ورده، مستصغرا ما ينشغل به غيره، مستكبرا الانصراف عن العلم، وهو ما أثبته شعارا عاليا في سماء موقعه: (العلم بلا عمل لا يكون ، والعمل بلا علم جنون).
ومن هذه الأعمال:
-       مسألة التأثير الآرسطي لدى مؤرخي النقد والبلاغة العربيين.
-   مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع. وقد تعاطى مع قرابة أربعمائة عمل في هذا الانجاز، كلها تعتبر أساطين عملاقة في صرح التراث العربي الإسلامي.
-       الكتاب وصناعة التأليف عند الجاحظ.
-       تجربة رائدة في البلاغة العربية: قراءة في كتاب البديع لابن المعتز – 296هـ.
-       أبو حامد الغزالي ومنهجه في التأليف.
وهناك أعمال ـ غير هذه ـ يحفل بها ملفه العلمي، نميز فيها كالتالي:
1-   ما له صلة بقضايا التحقيق:
- رفع تهمة السطو عن تحقيق رسالة في القراءات
- ضبط النص
- النسخة  الأم في مجال التحقيق
- من ألف فقد استهدف
- القاضي عياض ونظراته في منهج التحقيق
- المستشرقون وكتاب الأغاني (جانب التوثيق).
- عنوان الكتاب وتسميته
- الحمدلة في ديباجة مقدمة الكتاب في الثقافة الإسلامية
- البعدية ( قولنا أما بعد)
2-  اهتمام بأعمال خاصة:
- مع كتاب لم ير النور: درجات العقل ودركاته في المعجم العربي لأحمد الشرقاوي إقبال، رحمه الله.
- كتاب الخطابة لأرسطو في الثقافة العربية
- كتاب الشعر لأرسطو: طبيعته وخصائصه
- معجم المعاني
- كتاب الأغاني لأبي الفرج وعناية محمد بن عبد الله العلوي به
- حقيقة كتاب الأغاني في ذاته وعصره
- الخطابي ورسالته: "بيان إعجاز القرآن"
- قراءة في كتاب: "معجم المعاجم" لأحمد الشرقاوي إقبال
- كتاب مجاز القرآن لآبي عبيدة، محاولة رائدة في مرحلة التأسيس
- الشارح الأكبر وكتاب الشعر لأرسطو
3-   ما تناول ظاهرة أو شخصية:
- الدكتور محمد ابن شريفة وفن التراجم
- منهج عبد الله كنون في تفسيره
- خطبة مقدمة ابن خلدون وهاجس الإبداع
- أرسطو الأمس وأرسطو اليوم
- ابن البناء المراكشي والبحث عن كليات البلاغة.
- مسألة التأثير الأرسطي في البلاغة المغربية من خلال كتاب التنبيهات لابن عميرة
- وقفة مع عبد الله بن المعتز (247- 296 هـ)
- الطبري المفسر ومسألة إعجاز القرآن
- الجاحظ وإحكام الأصول قبل الفروع
- الناشئ الأكبر شاعرا وناقدا
- الجاحظ روح سارية في العصور
4-   ما اهتم فيه بقضايا خلافية:
- الخلاف بين ابن حجر العسقلاني ت852هـ والبدر العيني ت855هـ حول خطبة صحيح البخاري.
- بين الكندي وأرسطو و(كتاب الشعر)
5-   انشغاله بظواهر إشكالية كبرى:
- الدراسات الاستشراقية وفن التراجم
- علاقة الإعجاز القرآني بقضية الشك في الشعر الجاهلي
- عن منهج المستشرقين في دراسة السيرة النبوية
- تحديات واجهت الأدب العربي
- مساءلة أوهام القراءات المعاصرة
- كلمة حول إشكال تدريس الأدب القديم
ب -  مناقشة رسائل في مجالات تحقيق التراث:
هذا عن الاهتمام، أما ما يخص الإشراف على البحوث الجامعية، ماجستير ودكتوراه، فإننا نقف على أعمال التحقيق الصرفة، التي شارك فيها الأستاذ الفاضل، فنورد:
- بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، للحافظ الناقد ابن القطان، تحقيق ودراسة.
- كتاب خلع النعلين واقتباس النور من موضع القدمين، دراسة وتحقيق.
- تقديم أبي بكر المعروف ب (خزانة الأدب وغاية الأرب) لابن حجة الحموي ت837هـ، دراسة وتحقيق.
- شعر محمد بن عبد الكبير الكتاني، جمع وتحقيق ودراسة.
- النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية لأبي محمد عبد الله الغزواني المتوفى 935هـ.
- عنوان النفاسة في شرح الحماسة لأبي عبد الله محمد بن زاكور الفاسي المتوفى 1020هـ - باب الحماسة - تحقيق وتقديم.
- كتاب إيضاح الأسرار المصونة في الجواهر المكنونة في صدف الفرائض المسنونة لأبي العباس أحمد بن سليمان الرسموكي، دراسة وتحقيق.
    كما نقف على أعمال تلامس جزئية من جزئيات التحقيق، ونورد فيها:
مقدمات تحقيق النصوص الأدبية بالمغرب، مثال د. محمد بن شريفة.
 جـ - إسهامه في تحقيق التراث
وقد أغنى الأستاذ الجليل الخزانة التراثية بثلاثة أعمال متميزة من تحقيقه، حاول إعادة تحقيقها، بعدما سبقه غيره إلى ذلك وهي:
- رسالة التعريف بأدب التأليف للسيوطي
- رسالة التفضيل  بين بلاغتي العرب والعجم. لأبي أحمد العسكري
- الرسالة العذراء: إبراهيم بن المدبرت279 هـ، وقد سبق الدكتور زكي مبارك إلى تحقيقها ونشرها سنة 1931.
وربما تساءل متسائل ما الغاية من إعادة تحقيق عمل محقق. وهنا أقول إن العمل البكر هو مجال خصب للعطاء والاجتهاد، في حين أن العمل المسبوق إليه أضيق، ويحقق فيه المحقق المتأخر الفضائل التالية:
1.    ضرورة الإتيان بالإضافة، وإلا كان العمل منتسخا أو مشوها.
2.  استدراك أشياء لم ينتبه إليها المحقق السابق, إما في النص المحقق، أو الظفر بنسخ جديدة، أو مصادر حديثة الظهور، أو إفادات حول المؤلف صاحب الكتاب.
3.    اكتشاف هنات وثغرات تقتضي إعادة التحقيق.
4. الغيرة على التراث, والحرص على أن يظهر في صورته الأقرب إلى الكمال على الأقل.
 ثانيا - رسالة التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم:
سنتخذ هذه الرسالة نموذجاً لإظهار هذا الجانب العلمي عند الأستاذ عباس أرحيلة ـ حفظه الله وأمد في عمره.
1- تقديم الرسالة:
رسالة في التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم. صنعة أبي أحمد الحسين بن عبد الله ابن سعيد العسكري (293 382هـ ) أعاد نشرها محققة وقدم لها الأستاذ الدكتور عباس أرحيلة قسم اللغة العربية – جامعة القاضي عياض –  المغربية - منشورات حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية. الرسالة 251. الحولية 27 بتاريخ 1427هـ/ سبتمبر 2006م.
كان هذا هو متضمن غلاف هذا العمل الجليل، وقد قصدت إلى تقديمه كما هو، لما يحتمله من قراءات، وبعث أبعاد، وتحريك أفهام، تكشف جوانب من العمل، ومن صاحبه ومحققه، والجهة المشرفة على نشره.
ويقع هذا العمل في128 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على خمسة عناصر:
1.    الملخص (ص11) في صفحة واحدة.
2.    المقدمة (ص13) في ثلاث صفحات.
3.    تقديم الرسالة (ص17- 72 ) في اثنتين وعشرين صفحة.
4.    المتن المحقق (ص 73- 106) في ثلاث وثلاثين صفحة.
5.    الفهارس (ص 9 - 10 – ص107- 127 ) في اثنتين وعشرين صفحة.
وهذا الضبط للصفحات بالأرقام يقتضي إدارك حقيقة المجهود الدراسي الذي بذله الأستاذ المحقق أثتاء تعاطيه مع العمل، ذلك أن المنجز حول العمل بلغ ثلاثة أضعافه، ناهيك عن المتن المحقق، الذي زود بهوامش (165 هامش)، تكاد تبلغ ضعفي المتن الأصلي.
2- منهجه في التحقيق
يتوفر هذا العمل الصادر عن محقق كبير، وجهيد قدير، يدرك جسارة المهمة الذي هو بصددها، وينظر إلى التحقيق – وإعمال القلم بشكل عام - نظرة مسؤولية وعظيمة، ومهمة جسيمة، يشفق الجبل على نفسه من حملها، وحملها الإنسان إنه كان أثيما.
ولذلك فهو يفكر ويقدر قبل أن يخطو أية خطوة، أو يرسم أي حرف، وأية حركة، إعظاما لما هو مقبل عليه، وإكراما للعلم الذي كرمه الله به، واحتراما للقارئ الذي سيتربع يوما بين دفتي عمله، إما أن يشكو أو يشكر، وإما أن يجفو أو ينظر، وإما أن يخبو أو يخبر.
ومراعاة لهذه الحقائق وفر لعمله الشروط العلمية التي لا يتم إلا بها، ولا يستوي إلا عليها، وهي العناصر التي قدمتها سابقا على أنها خمسة، فأستثني واحدا (الملخص)، لأنه شرط من شروط النشر في الحولية، وإلا فالأقسام أربعة، ولا يعرف أهمية هذه الأقسام، ويقدرها حق قدرها، ويدرك  دورها في تتميم هذا العمل وإكماله، وإنضاجه واستوائه، إلا من تعاطى مع الكتب المحققة، وجعل بغيته التنقيب في العمل وجزئياته، وقراءته قراءة الفاحص الممحص، لا قراءة العابر المستمتع، الذي يحلو له البيت، وتحلق به اللفتة، وتطرفه الطرفة. أما من عانى التحقيق فقد خبر الأمر كله، وعرف سره وجهره. ولذلك فأهمية العناصر الأربعة: المقدمة والتقديم والمتن المحقق والفهارس، مدركة بالكلية، ولكننا سنزيدها بسطا بالوقوف على غاياتها الجزئية.
أ ‌- العنصر الأول: المقدمة
استطاع الدكتور عباس أرحيلة – عالمنا الجليل وأستاذنا القدير- أن يخلص إلى أهم غايات عمله وموجهاته، وأبرز مكونات تحقيقه ومحكماته، فاستعرض في ثلاث صفحات ما يفترض أن يقدم به لأي عمل محقق، تطبعه الرصانة والجدية، وتصونه الثقة العلمية، ووضوح الرؤية، وتُجسد البغية، إذ اشتمل على:
-       التحميد.
-       التأريخ لعلاقة المحقق بالعمل الذي هو عازم على تحقيقه.
-       حصر نسخه الخطية وطبعاته، وما رافقها من تحوير وتشويه.
-       مشروع التحقيق في صورته الأولى.
-       العقبات التي ووجه بها.
-       تدليل الصعوبات وإخراج العمل في صورته الحالية، مع تقديم الشكر بالاسم الصحيح لكل من ساعد فيه.
-       الاعتذار عن بساطة العمل الذي لم يسع الأمل.
-       الدعاء.
وأقول بأن المحقق الذي لا يدرك كنه التأليف في اللغة التي يشتغل بها، ولا يعرف بدقة ضوابط الأجزاء الكبرى للتأليف، مقدمة وأبواب ومباحث وخاتمة، ويستنير بها في ما ينجزه ويحاوله، فهو ليس أهلا للمهمة التي يطوق نفسه بها، فكم من طوق انقلب غلا ثقيلا، وكم من طوق استحال وساما جميلا.
ب‌ - العنصر الثاني: تقديم الرسالة
يشغل هذا العنصر نصف العمل تقريبا، ذلك أنه استوى على خمس وخمسين صفحة، توزعت على تمهيد، ومبحثين.
أما التمهيد فيحاول الإجابة عن سبب العناية بهذه الرسالة، ويحدد ذلك في خمسة دواعي مقنعة، هي:
1-    ضبط النص: اعتمادا على المخطوط  الأصلي للرسالة ومقارنته بالنشرات السابقة.
2-    ضبط اسم صاحب النص: وضع حد للالتباس في اسم مؤلف الرسالة، وتحديده: أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري.
3-    منح الرسالة استقلاليتها: بإخراجها من المجاميع، ووضعها في نشرة مستقلة لتصبح مصدرا قائم الذات.
4-    إغناء الرسالة بالتوضيحات والتنبيهات، بالشروح والتعليقات.
5-    إبراز قيمة الرسالة من خلال كشفها عن حقيقة التأثير الأجنبي في البلاغة العربية.
وفي ختام التمهيد تمت الإشارة إلى تصميم التقديم الذي اشتمل على مبحثين:
       المبحث الأول: بين أبي أحمد وأبي هلال
بعد طرح مسألة الخلط بين شخصي أبي أحمد وأبي هلال العسكريين حاول المحقق التعرض لشخصية أبي أحمد بالتعريف بترجمته وإثبات التداخل بينه وبين أبي هلال لدى القدامى (ياقوت 626هـ) والمحدثين (الزركلي1976م)، فحاول إثبات أوجه التشابه بينهما وحصرها في خمسة أوجه (قرابة الدم- وحدة الدار- علاقة الأستاذية والتلمذة - الاهتمامات المشتركة) وبعدها التفت إلى أوجه الاختلاف فحدها في أربعة (مسيرتهما العلمية أثناء الطلب (تنقل/ استقرار)- الأخذ عن الشيوخ والتلقين (تعدد/ وحدة) –الانشغالات العلمية (محدث/ مفسر) – الشهرة والمكانة العلمية وجودة التأليف)، وبعد استعراض مؤلفات كل منهما المطبوعة وغير المطبوعة في إطار المزيد من التعريف بهما يتحول المحقق إلى تصحيح نسبة الرسالة إلى أبي أحمد، وهي الغاية الأساسية من هذا المبحث، فلاحظ بأن الرسالة لم ترد منسوبة عند القدماء، وإنما اقتصر ذلك على المحدثين، فاختلفوا بين من ينسبها لأبي هلال (سبع نسبات) وبين من ينسبها لأبي أحمد (ثماني نسبات)، ثم عرض المحقق بعدها للدواعي التي تجعله يرجع نسبتها لأبي أحمد، وأجملها في:
-       روايته عن شيوخ هم أساتذته أمثال: الصولي وابن العلا الكلابزي وجحظة.
-       اهتمامه بالإيجاز والتوقيعات مما اهتم به في كتابه" المصون".
-       حبه للأمثال والحكم، على ما اشتُهر عنه.
-       ميل الرجل إلى الاعتدال والإنصاف الذي هو أساس كل موازنة عادلة، وهو في الرسالة يوازن.
-       الاستشهاد بأشعار الشعراء الجاهليين الأثيريين لديه في الرسالة كما في غيرها من مصنفاته.
        المبحث الثاني: الرسالة: موضوعها وقضاياها
حدد موضوع الرسالة في بلاغة الإيجاز، وتمظهراتها في البلاغة العربية (الحكم ـ التوقيعات ـ الأمثال)، ومفاضلتها ببلاغة العجم (الفرس واليونان).
وحدد المحقق قضايا الرسالة في جملة هي قضية الإيجاز؛ والتوقيعات والأمثال؛ وقضايا بين أبي أحمد وأبي هلال، ترصد مجالات حضور أبي أحمد في ثقافة أبي هلال: مشيخة وموضوع تأليف ومصطلحات بلاغية. فقيمة الرسالة من خلال تمثيلها لثلاثة أمور: تفاعل التراث العربي مع تراث غيره من الشعوب المتاخمة، وملامسة نشأة النثر الفني، وعرض قضية الإيجاز البلاغية.
وخلُص الباحث إلى أن بلاغة أبي أحمد كانت هي الحلقة المفقودة في مسيرة البلاغة بين ابن المعتز وأبي هلال، ثم حاول الإجابة على بعض الأسئلة:
لماذا التفضيل بين البلاغتين العربية والعجمية؟ فكان الجواب لوضع حد للمد الشعوبي، وتحقيق التعايش بين الثقافات.
هل تقيم الشعوب الأخرى خطاباتها على الإيجاز؟ يقر أبو أحمد بذلك، ولكنه يجعل الأفضلية للعرب.
كيف انتقلت هذه الآثار الأجنبية إلى اللغة العربية؟ إن حجم الترجمة من الفارسية إلى العربية تدل عليه آثاره، وزمنه (ق4 هـ)، ومحاولة الفرس احتواء المجتمع العربي، ومع ذلك ظل الاعتراف للعرب بالإيجاز من خلال إعادة صياغة الأفكار الفارسية واليونانية في سياق عربي.
 ثالثا: منهجية التحقيق
حينما نتحدث عن منهجية التحقيق فإننا نتحدث عن أسلوب علمي له قواعده وتقاليده، ومرتكزاته، وعاداته التي اختطها السلف من المحققين أثابهم الله على عملهم، ورفع عنده درجاتهم بما خدموا به اللغة العربية وأهلها. ولكن هذه الجهود لم تغلق الباب أمام اجتهادات الخلف، بل زرعت فيه الروح التحسين لكل ما هو مفيد، والإعلاء لكل ما هو مُجيد. وعليه فإن من يتصدى للتحقيق، وفي كل عمل بعينه. معرض للتفوق مثلما هو معرض للإخفاق، قد يحسن وقد يسئ، وقد يفسد. لا في إدراك القواعد ولكن في تطبيقها والالتزام بها، أمام عشرات الصفحات ومئاتها، وعدد الساعات ولياليها. والسعيد من جُنب الهفوات القاتلة، أما المزالق البسيطة فمتوقعة متجاوزة مغفورة.
وللمحقق فرصتان لإبراز منهجيته وقواعدها:
1-  فرصة تقديم المنهجية في ما يقدمه بين يدي عمله، ليتحدث عن مجهوده وكيف أطره وعن عبئه وكيف غالبه. وهو تقليد جرى عليه المحققون. عرب ومستشرقون، فلا تكاد تفتح عملا محققا، إلا وصادفتك عناصر المنهجية تتقدمه، وتمهد السبيل لقارئه.
2-    فرصة التحقيق وتطبيق المنهجية، وهذه خطوة أهم من الأولى، واخطر منها لسببين:
-   السبب الأول لأنها تظهر النظري في صورة عملية، وتفصح عن مدى تمكن المحقق من مجاراة منهجيته، والصبر عليها، بما يحولها لديه إلى قاعدة وتقليد، أصبح جزءا من عمله، بحيث لا يكاد بتعثر فيه، وهذه درجة عالية من التمكن المنهجي التي لا تتحقق إلا للمتشرب المتمرس.
-   السبب الثاني لقدرتها على اختبار صدق المحقق، ووفائه لتصوراته، وتحوله من الادعاء إلى الالتزام، وهذا قيد أخلاقي خطير، يربط العلم بالعمل، ويشترط الأخلاق في العالم، ولا يصدق بوجود محقق خارج الالتزام الأخلاقي، تقديرا لخطورة الأمانة الملقاة على عاتقه، وإيمانا بأهمية الرسالة التي نيطت بضميره، فهو حامي التراث وحارسه، وقائد ركب النهوض به وسائسه، والمدافع عنه أمام الدفن والإطباق، ومخططات التهريب والاختراق، وعمليات المتاجرة والإفساد، والنقل وسوء الإعداد، والنشر المحرِّف، والتشويه المتلِف.
ووعيا من الأستاذ الجليل الدكتور عباس أرحيلة بهده المسؤولية العظمى، والرسالة الأسمى، فقد وفى للفرصتين حقهما، وعمل ما في وسعه لخدمة تراثه، وتنصيع صفحاته، وخدمة قرائه، والمباهاة به أمام أعدائه، الذين لا يذخرون جهدا لطمس معالمه، وتضييع مغانمه، وإلحاق ذويه بركب الجهل والجهالة، ورميهم في مهاوي العقم والضلالة؛ وسنعرض للصورتين معا عند أستاذي الجليل.
أ‌-     تقديم المنهجية:
التزم الدكتور عباس أرحيلة بتقديم منهجية في التحقيق، وفاء لتقاليد أسنها له أساتذته الكبار، الذي لطالما أشهدنا على ما يوليه لهم من جزيل التقدير والاحترام، راسما لنا بذلك معالم الأستاذية الحقة، التي تلقفها عنهم، فخرجت فيه خيرا وبركة، وصمم على أن يبذرها فينا، لعلها تصادف التربة الصالحة، فنشهد له بما شهد به طيلة حياته. وما موقفنا اليوم إلا تدبيح لتلك الشهادة بحروف عريضة من البشر والوفاء، والجهد والمثابرة، والعلم ترسمها هذه الوجوه الحاضرة معنا اليوم بكل عز وفخار، وتبعثها أخرى من بعيد المسافات على أجنحة الامتنان لأن الظرف لم يسعفها بالحضور.
أقول: إن معالم منهجية في التحقيق حملها التقديم في النقطة السابعة من المبحث الثاني، الصفحات 53 - 55 ويمكن إجمالها في الآتي:
1-   التعريف بالنسخ المعتمدة  في التحقيق:
وهي نوعان:
-   النسخة الأصلية أو النسخة الأم، مادام المخطوط لا يتوفر إلا على نسخة واحدة، وقد وُصف المخطوط وذكر مصدره، وكيفية الحصول عليه.
-   النسخ الأخرى: وهي طبعات ثلاث، متفاوتة في الزمن، قدمها المحقق، وعرف بها، وبظروف طباعتها، وأعطى لكل منها رمزا حرفيا (ب- ش- ر)، وعدها استثنائية.
-      المقارنة بين المخطوط والنشرات الخطية، وتحقق من عنوانها ومن نسبتها إلى مؤلفها ( أبي أحمد العسكري).
2- الإخراج: عمد المحقق إلى جملة من العمليات سعيا وراء إخراج النص في صورة جيدة، تتيح لقارئها شيئا من الراحة النفسية، تكون دافعا لمواصلة التعاطي معها، ومن خلال تلك العمليات
-       شكل النص.
-   وضع عناوين فرعية لأجزاء النص، من لدن المحقق للمساعدة على القراءة وكتابتها بين معقوفين: [ ] داخل النص، لبيان نهاية الصفحة ورقمها في الأصل المخطوط.
-       رصد الاختلافات بين النسخ: المخطوطة والمنشورة، ضمن هوامش.
3-   التصحيح:
ثم ذلك من خلال جملة من الخطوات، هي:
-       وضع الشروح والتعليقات والحواشي، للأخذ بيد القارئ، وتسهيل عملية القراءة والاستيعاب.
-       تخريج الأبيات الشعرية وتصحيحها من الدواوين.
-       تصحيح النصوص النثرية وتوثيقها من مصادر أخرى.
-       التعريف بالأعلام.
4-   الفهرسة:
وضع المحقق جملة من الفهارس (ستة فهارس) للحديث والأمثال والمصطلحات والشعر والأعلام والمصادر والمراجع.
تلك كانت أهم عناصر المنهجية التي قدمها المحقق الجليل، والتي عزم على تنفيذها في مواجهة المتن المحقق. فهل كان له ذلك؟ الجواب تقدمه النقطة الموالية.
 ب ـ تطبيق المنهجية:
لاشك في أن تطبيق المنهجية هو المعيار الأصح للحكم على الجانب المنهجي عند محقق معين، ذلك أن ما يعتزم القيام به أثناء التبشير بمنهجيته لا يجد صداه الحقيقي ألا من خلال التنفيذ. وكثيرا ما يخل التنفيذ بالوعد المنهجي المسطر في التقديم، سلبا أو إيجابا. ولعمري إن عددا لا يستهان به من المحققين المجدين يظلمون أنفسهم، حينما يحول تواضعهم العلمي دون حديثهم المفصل حول تفاصيل منهجيتهم، فيكونون من القوم الذين يعملون أكثر مما يتحدثون، وهذه صفة قمينة  بالمحقق الحق، ولا يكفيهم ظلم أنفسهم حتى  يظلمهم الدارسون حينما يتوقفون عند ما رسم من ملامح منهجية في مقدمة التحقيق، ولا يحتكمون إلى الممارسة والتطبيق.
وبتتبع المتن المحقق استطعت أن اثبت شيئا من هذا، ووقفت على عناصر وعمليات لم ينوه بها في مقدمة التحقيق، وإذا كنا نعتقد بأن تفصيل المحقق في مثل هذا يستثقل، فإن سكوت الدارس عنه يسترذل.
ومن هذه الملامح:
1-   إخراج النص:
تلعب عملية إخراج النص دورا مهما في تكريس الجمالية البصرية للنص، التي تبقى عاملا مهما في تحبيبه إلى عين المتلقي، وتمتيعه بالراحة البصرية والنفسية أثناء قراءته. كما تكشف من المحقق درجة عنايته بالنص، وإحساسه الداخلي بأجزائه وفقراته وجمله وعباراته وكلماته، وما أخده كل منها من وقته، ونوع الإحساس الذي ربطه به خلال لحظات التحقيق كيفما كان هذا الإحساس، معاناة وقلق وشك واستمتاع وإعجاب وإحساس بالظفر أو الخيبة. وقد يكشف إخراج النص عن الذوق الجمالي لدى المحقق، ودرجته، فيكون بدلك قد ساهم في إشاعة التراث، وتحبيبه لأبناء أمته، أو على العكس من ذلك نفرهم منه وزاد من طمسه. فماذا فعل محققنا إخراج النص؟
لقد قام بجملة خطوات، منها:
-   وضع العمل في شقيْن: شق التقديم وشق المتن: عزل المتن المحقق عن التقديم للتحقيق بصفحة كتب عليها عنوان الرسالة وجُعل المتن بين قوسين.
-   تقسيم النص إلى أقسام معنونة: بما أن النص لم يتوفر على تقسيم إلى أجزاء وكان كتلة واحدة، فقد عمد المحقق إلى تقسيمه تقسيما فيه من الاجتهاد شيء، وفيه من الذوق شيء، وفيه من الأخذ بيد القارئ أشياء، ذلك أنه وضع تسعة عناوين مساعدة (صص: 75. 76. 78. 84. 89. 91. 93. 99. 102.)، لثلاث وثلاثين صفحة هي حجم المتن، ولإدراك قيمة المجهود في وضع هذه العناوين، وصياغتها واقتراحها، نستعرضها، بصورتها الأصلية: مفهوم البلاغة – البلاغة ليست مقصورة على أمة دون أمة - البلاغة في البداوة - فصول مختارة من غير اللسان العربي- تفرد العرب بكثرة الأمثال والأشعار- من توقيعات العجم - عودة إلى حد البلاغة ونماذج منها - فصول قصار من كلام العرب - نماذج من بلاغة الإيجاز.
وقد وضعت هذه العناوين بين معقوفين وبخط عريض، تمييزا لها عن النص الأصلي. وهي في حد ذاتها تحتاج إلى وقفة، وبالإمكان أن تكشف أشياء مفيدة في النص، والمحقق ينبه المهتمين بالعتبات، لا إلى العنوان الأصلي، بل وإلى العناوين الفرعية، لا التي يضعها المؤلف، وإنما التي يقترحها القارئ، أي ينتزع النص من المؤلف، ويحوله إلى ساحته الخاصة، يصنع لها هندستها حسب تصوره.
-   تقسيم النص إلى فقرات: قد لا يدرك أهمية الفقرة وتحديد حجمها إلا من تعامل مع المخطوط، وعانى من أن يكون النص ركاما وكتلة واحدة، فيبحث عن علامة تهديده، أو مسند يستند عليه، خلال رحلته مع قراءته، فلا يجده. ويسهل أن نجرب هذه المسألة بتحويل نص مطبوع على فقرة واحدة، وحينها سيدرك القارئ أهمية هذه الخاصية الإخراجية. فهل لم يكن في النص الأصلي فقرات؟ حدثنا المحقق وبأمانة وهو يصف المخطوط عن الدوائر التي كان يفصل بها الناسخ بين أجزاء النص, وقد وقفنا عليه من خلال الصور المرفقة بالمخطوط، ولكن المحقق آثر تقسيما آخر، واقترح فقرات، لم تعتبر بما حد في المخطوط، ولم يكن ذلك بالأمر الهين بسبب طبيعة النص الذي كان عبارة عن مقاطع صغيرة، قد لا تتعدى أحيانا السطر، أو نصفه وربما الجملة القصيرة. وكانت هذه النتف الصغيرة متعبة مرهقة للمحقق، نحس بذلك من خلال ترويضها وتأبيها أحيانا على مروضها، واستجابتها في أحايين كثيرة. ويعود ذلك في نظري إلى التنوع المفرط لهذه النصوص وجمعه بين النصوص التنظيرية النقدية والنصوص الإبداعية، بين الاسترسال والحوار، بين الشعر والمثل والحكمة والتوقيع والرسالة والفصل والمجاوبات، وبين تأطير كل ذلك بالإيجاز، الذي لم يكن نظرية يروج لها المؤلف وحسب، وإنما كان ممارسة فيما يدبجه، وفي النصوص التي يستشهد بها، ويقدمها بين يدي القارئ، مما طرح صعوبة متعبة أمام المحقق، جاهدها حتى أخرج المتن على ما هو عليه.
 -       الحفاظ على الصفحات الأصلية للمخطوط:
أشار المحقق إلى رقم صفحة المخطوط الأصلية بأرقام وضعت بين معقوفين [ص 1]، يقدم لها بحرف الصاد المشير للصفحات ماعدا الصفحة [ 18]، التي هي آخر صفحة من المخطوط (ص 106).
 2-   شكل النص:
يعد شكل النص يد مساعدة يقدمها المحقق، بعد حسن الإخراج لإرشاد القارئ وهديه، والحسم في الصورة النهائية للنص، يعدما يكون المحقق قد قلب النص على أوجهه، وعرض مختلف تأويلاته. ويشترط في النص المحقق الشكل، لأنه يجسد قراءة المحقق، ومجهوده فيها، ودرجة ضبطه، ومعرفته بقواعد اللغة، وأساليب العربية، الشائعة في مجال بعينه، وعصر معين، وعند مؤلف محدد. وإن كان الشكل مفترضا في كل ما تخرجه المطابع، علا أن تخليها عن هذا الشرط اختياريا، جعل البحث العلمي يضعه إلزاميا على عاتق المحقق.
وإجمالا يمكن رصد صورتين من الشكل في المتن المحقق:
-       صورة البيت الشعري الذي حرص المحقق على ضبطها بالشكل التام.
-   صورة النص النثري الذي نهج معه المحقق طريقة التخفيف في الشكل، وشكل ما لابد منه، وفي الوقت نفسه لا يترك هامشا لوقوع الخطأ، مما يكشف في المحقق عن معرفة دقيقة بمواقع الإشكال القرائي، التي خبرها ولا شك من خلال تجربته مع النصوص المحققة والنصوص القديمة، بسبب خبرته في النقد القديم، ومن خلال استماعه لقراءات طلبته خلال سنوات التدريس الطويلة التي قضاها في بعض الكليات المغربية ( الرباط، مراكش، القنيطرة)، وفي كلية اللغة العربية التابعة لجامعة أم القرى، بالمملكة العربية السعودية.
غير أن هذا التخفيف يغيب في ضبط أسماء الأعلام لتصويب النطق الخاطيء الشائع، وشخصيا فقد استفدت منه في هذا المجال استفادات صححت لي ما ظللت أعتقده النطق الصحيح، من مثل : إِرْدِشير، بعد ما كنت أنطقها بفتح الهمزة والدال.
3- علامات الترقيم:
أعطى المحقق عناية لعلامات الترقيم، فاستعمل العادي منها، كالفاضلة، والنقطة، والنقطتان التفسيريتان، والعارضة، والمزدوجتين، وعلامة الاستفهام، والنقطة الفاصلة، التي أريد أن أقول بأنها وحدها تبرهن على عناية المحقق بعلامات الترقيم، لأنه وضعها في محلها، وفي أماكن كثيرة، وكانت هذه العلامات تختفي من كتاباتنا الآتية، وتتخلى عنها المطابع، وكأنها ضاعت منها.
وغير هذا من علامات الترقيم، فقد وضع المعقوفان كما قلت في محلهما: للعناوين المساعدة التي اقترحها المحقق، ولأرقام الصفحات الأصلية من المخطوط، وكذا لضم بعض الزيادات التي لا توجد في المخطوط (ص 81- 82هـ 37).
وهناك القوسان أيضا، وقد استُعملا في عدة مواضع، ليدلا على الاختلاف بين النسخ، فيوضع الجزء من المتن بين قوسين، وإلى جانبه رقم الهامش، وفي الهامش يثبت فيه الاختلاف (مثال الهوامش: 63. 49. 32)؛ وحينا آخر ليدلا على السَّقط، كما حصل في مواضع عدة (الهوامش: 27. 51. 86. 92. 97. 109. 127. 134. 137. 139. 140. 142. 145. 151. 157. 160. 164).  
وكان من الممكن تخصيص إشارة لضبط هاتين العلاقتين، وتحديد مجال استعمالهما، وأن يكون لكل رمز استعمال واحد.
وعموما فقد احتاج متن محقق في ثلاثمائة وأربعة أسطر من الأستاذ المحقق استعمال جميع أنواع علامات الترقيم تقريبا، ما عدا علامة التعجب، بأربعمائة وثلاثة وتسعين استعمالا لمجموعها:


الفاصلة
النقطة فاصلة
النقطة
النقطتان
العارضة
العارضتان
علامة الاستفهام
المزدوجتان
المعقوفان
القوسان
العدد
236
15
160
137
01
06
04

07
27


4-    رصد الاختلافات:
عمد المحقق إلى المقابلة بين النسخ المتوافرة لديه، ورصد أوجه الاختلاف بينهما، وحاول أن يثبت ما ترجح لديه أنه الصحيح، أو أن النص لا يستقيم إلا به، على الرغم من أنه أحيانا أتى باستعمالات طريفة، قد تكون فيها إضافات مغنية.
وقد خص الاختلافات ب 63 هامشا، من 165 هامشا خصصت للمتن المحقق، وفي هذه الهوامش ما استقل برصد الاختلافات، وفيها ما جمع بينها وبين فوائد أخرى ( 18 هامشا).
5-    وصف الخط:
من حرفية المحقق الأمانة، وتقتضي الأمانة أن يعرض لكل ما يراه يستحق التسجيل، وتنبيه المطالع إليه، لأنه يظل عين القارئ التي يرى بها المخطوط، وأداته للاطلاع عليها، وقد أصر الأستاذ على تسجيل ما رآه غير موافق للمعتاد، حينما نبه في الهامش رقم 132 الصفحة 101 إلى صورة كتابة اسم أفلاطون على صورة أفلاطن.
6-    الزيادة:
يواجه المحقق أحيانا بفراغات في المتن المحقق، تشوش عليه قراءته له، وفهمه، ويحاول كقارئ أول للنص قبل إرسائه على صورته الأخيرة، ثم إخراجه، أن يضع نفسه مكان القارئ، فيهون عليه كل تلك العقبات، ويمنحه جوا مريحا هادئا للقراءة، يخلو من أي تشويش يعيق فهمه واستيعابه، فيقترح على القارئ ما يسد تلك الفراغات، ويؤشر عليها بأن يضعها بين معقوفين على الأغلب [...]، أو ما اختاره لها من رمز، على أن يحصل قبل ذلك على توافق القارئ.
وليست عملية الاقتراح هاته بالأمر اليسير، إذ تستوجب على المحقق قبل إنجازها، أن يمر بمراحل، منها:
-       تحديد موقع التشويش من النص.
-   البحث في المصادر والمراجع عن النص، أو عن شبيه له، أو قريب منه، صياغة ومعنى، أو أحدهما على الأقل؛ وحين التأكد من انعدامه يتم التحول إلى المرحلة التالية.
-       تقدير الخصاص تقديرا حسنا.
-       اقتراح ما يسد الفراغ.
-       التوفق في اختياره.
-       الرجوع إلى النص، وعلى فترات، للتأكد من أن المختار يحقق المطلوب.
-       انتظار حكم القراء بعد إخراج النص، فيما إذا كان المقترح يجد رضا القارئ، ويسد حاجته، ويزيل تشويشه.
وهي مراحل مر منها الدكتور عباس أرحيلة، في كل زيادة ـ وما أكثرها ـ اقترحها، أو فراغ حاول سده، أو تشويش تطلع إلى إزالته. [...]().
وقد كان هناك نوعان من الزيادات، استحدثها المحقق في النص:
-   زيادات تأطيرية: من خلال عنونة مقاطع من النص، تسهيلا لضبطه، ورسم محطات للانطلاق والتوقف، يستعين بها القارئ في رحلته مع نص، لم يجعل لنفسه محطات توقف، أولا بسبب طرق التأليف القديمة، وثانيا حؤولة صغر حجم هذا النص دون قدرته على استيعاب أي تقسيم؛ وقد رسم لنا المحقق تسع محطات للتوقف، اقترح لها العناوين التالية:
[مفهوم البلاغة] (75).
[البلاغة ليست مقصورة على أمة دون أمة](76).
الفصول الكتابية
[البلاغة في البداوة](78).
[فصول مختارة من غير اللسان العربي](84).
[تفرد العرب بكثرة الأمثال والأشعار](89).
[من توقيعات العجم](91).
[عودة إلى حد البلاغة ونماذج منها](93).
[فصول قصار من كلام العرب](99).
[نماذج من بلاغة الإيجاز](102).
فصول كتابية
ويتطلب هذا النوع من الزيادة مغامرة تحقيقية، تفوق خطورتها خطورة التدخل في المتن المحقق، بزيادة كلمة أو كلمتين، أو حتى جملة، نظرا لأن خطورته تكمن في توجيه القراءة الكلية للمتن، وإعطاء انطباع عنه، يحكم كل تعامل استشرافي يتقدم القراءة، أو كل تأمل استرجاعي يعقبها؛ والخطورة كل الخطورة في التقسيم الخاطئ، والعنونة الغير الصائبة، وما قد يتخلف عنها من توجيه للفهم، وتحكم في التصور، يؤدي إلى تكوين انطباعات وأحكام خاطئة تماما.
-   زيادات تصحيحية تكميلية لعبارات النص وجمله: ويمكن عموما التنبه إلى أنواع ومستويات من الزيادات، لحقت المتن الأصلي، بغية إخراجه في أحسن صورة، تطابق، أو على الأقل تقارب، النص الذي كتبه المؤلف، وبغية تحقيق أفضل مستوى قرائي لهذا النص؛ وتختلف هذه الزيادات ما بين: 
-       زيادة كلمة: سقطت من المتن الأصلي، فكانت إضافتها مما يوجبها السياق، من مثل:
  ـ " اِعلم أن النظر إذا أخلف [لك] أخلف منك"، الصفحة 102، وعلق الأستاذ في الهامش 138 : "زيادة يقتضيها السياق، ويبدو أنها ممحوة في الأصل".
-       زيادة جمل: ورد في خبر الحجاج مع ابن القِّرِّية وهند بنت المهلب، ضُرب مثلا على الإيجاز، ما يلي:
ـ " ... فأرسله الحجاج إلى هند بنت المهلب، وقال: [أبْلغها طلاقَها بكلمتيْن، لا ثالثَ لهما. فذهب إليها] وقال لها: كُنْتِ فبنْت"، (الصفحة 81-82)؛ وعلق المحقق في الهامش بعد المعقوفين: "لا أصل لما بين المعقوفين في المخطوط"، (الهامش 37).
-   زيادة شطر بيت: عمد المحقق إلى تتمة الأبيات الشعرية، بعرض شطريها، وعدم الاكتفاء بالشطر الواحد، الذي عرضته المخطوطة، ووضع الشطر المضاف بين معقوفين؛ وقد تم ذلك في بيتين، بإضافة الشطر الأول لكل منهما ( الصفحة 76 ـ 79)، وهذه وإن كانت طريقة دأب عليها المحققون فيما أخرجوه من نصوص،إلا أن الأمر كان يستحق الإشارة في الهامش، إما توضيحا، أو بإنزال الشطر المضاف كله إلى الهامش.
-   زيادة سقط: ويتبين السقط إما من خلال المقابلة بين النسخ المعتمدة في التحقيق (المخطوط ـ ب ـ ش ـ ر)، أو من خلال الرجوع إلى مصادر أخرى، تم الاعتماد عليها في تحقيق الخبر وتوثيقه. مما يجعلنا أمام ثلاثة أنواع من الزيادات، فيما يتعلق بالسقط:
- زيادات ساقطة من مجموع النسخ، بما في ذلك النسخة الأم، وتوثق من مصادر أخرى. مثال: ص 81-82 هـ 37.
-  زيادات ساقطة من مجموع النسخ، ولا توجد إلا في النسخة الأم المخطوطة، مثال: ص 79 هـ 22. ص 88 هـ 67. ص 94 هـ 97. ص 96 هـ 109.
- زيادات ساقطة من نسخة معينة: وأغلبها نشرة شيخو المرموز لها بحرف (ش)، مثال: هـ 6 ص 76 ـ هـ 27 ص 80 ـ هـ 40 ص 82 ـ هـ 51 ص 85 ـ هـ 68 ص 88 ـ هـ 78  ص 90 ـ هـ 86 ص 92 ـ هـ 100 ص 95 ـ هـ 103 ص 96 ـ هـ 132 ص 101 ـ هـ 134 ص 102 ـ هـ 137 ص 102 ـ هـ 139 ص 102 ـ هـ 140 ص 103 ـ هـ 142 ص 103 ـ هـ 145 ص 103 ـ هـ 157 ص 105 ـ هـ 160 ص 106 ـ هـ 164 ص 106.
وجميع السقط زيد في النسخة المحققة بين قوسين ـ ما عدا سقط واحد هـ 103 ـ وليس بين معقوفين.
بهذا تتضح أهمية الزيادات التي أضافها المحقق، وحجمها، وعليهما تقاس المغامرة التي خاضها، ولعلها في النهاية قد أكملت النص، وحققت الغاية من تجويد الإقراء. ولكن من دون الوقوف على هذا المجهود، وبهذه الصورة التقويمية، لا يمكن تقدير المغامرة التي خاضها المحقق التقدير الصحيح، الذي ينصفها أحق إنصاف.
 7-    الشرح:
كل نص محقق لا بد له من التعامل مع الجانب اللغوي للمتن المحقق، سواء من خلال النصوص التي يتضمنها: شعرية ونثرية، ودينية وغير دينية، أدبية وغيرها؛ وسواء من خلال لغة المؤلف نفسه، حسب قدمها، ودرجة الصعوبة فيها، وطرق التعبير وأساليبه لديه.
غير أن التعامل يختلف من محقق إلى آخر، بسبب خبرته ومهارته في التحقيق، وبسبب دربته القرائية، التي تستشعر حاجات القراء عموما، والمواد التي يستشكلونها، وتحديد متطلباتهم منها، وتطلعاتهم حيالها، وعلى ضوء هذا يكون الشرح هادفا، ومقدما تقديما علميا مشروطا، يستجيب لحاجات القراء، ولا يزيد عنها أو ينقص، وإذا خالف التقدير الصحيح أتت الشروح اللغوية دسمة، ومُثقلة للهوامش، وحاضرة في غير ما حاجة إليها، وغائبة وقت الحاجة الملحة، مما يحولها إلى معيقة للقراءة، لا ميسرة لها، وربما جنت على العمل كله، فعجلت بتطليق القارئ له، وسدت منافذ التواصل معه.
ولقد حضر جانب الشرح في هوامش المتن المحقق في ثلاثين هامشا من مائة وخمسة وستين (30/ 165)، وزاوجت بين لوني الشرح: اللغوي من خلال أربعة وعشرين هامشا، والمعنوي أو الإجمالي من خلال ستة هوامش. وخصص الهامش أحيانا للشرح الصرف في نصف الثلاثين، وشاركه غيره أحيانا أخرى في النصف المتبقي.     
ومن أمثلة الشرح اللغوي:
-   في النص المحقق: "كنتِ فبنتِ" (الصفحة 82 السطر 2)، وفي الهامش رقم 38: "من بانت المرأة من الرجل إذا انفصلت عنه بالطلاق".
ومن أمثلة الشرح المضموني:
-   ورد في النص المحقق: "لقد ضاع مسن عقلي" (الصفحة 87 السطر 9)، وفي الهامش رقم 38: "أي الذي يشحذ فكري بعلمه".
وقد اعتمدت هذه الشروح على معاجم رائدة، أشارت إليها في الهامش، ضمن الإحالة على مصادر المادة اللغوية، ومنها: لسان العرب ـ أساس البلاغة ـ المعجم الوسيط ـ ديوان المعاني ـ جمهرة الأمثال.
        وعلى هذا نسجل حضور المحقق الشارح المتفاعل مع المادة، التي هو بصدد شرحها، إما في صورتيها:
-       اللغوية المجزأة: بشرح مفردة، أو عدة مفردات.
-       المعنوية الإجمالية: بشرح المعنى الإجمالي لنص أو قولة أو جزء منهما، والوقوف على محصل العبارة ومؤداها.
وحينها لا يكون تدخل المحقق للشرح إلا حينما يكون هناك ما يستدعيه، أو تقتضيه الضرورة، وتغيب الشروح المجانية، أو تلك التي تستهين بقدرات القارئ، اللغوية والذهنية، فهما واستيعابا، ؛ كما تغيب الشروح غير المتفاعلة، التي ينوب فيها المعجم عن المحقق، فيقدم مواد لغوية كما هي في المعجم، ودون تدخل من المحقق، لا بالترتيب، ولا بالتكييف، ولا بالتوضيح، وربما كان الشرح المستمد بعيدا كل البعد عن سياق المراد شرحه.
8-    التعريف:
لكل كتاب تراثي خصوصيته، التي يجب مراعاتها في التحقيق، وإلا لتعاملنا مع جميع التحقيقات بصورة واحدة، ودرجة اهتمام موحدة، تظلم الكتاب حينما لا تنجح في إظهار منحاه الفكري، وخصوصيته المجالية؛ وتظلم معه القارئ الذي لا يُشبع نهمه في مجال الخصوصية؛ وتدل على سوء تقدير من طرف المحقق، الذي لم تِِؤهله حصافته، وحسن تقديره، إلى تلمس هذه الخصوصية. وخصوصية هذا لكتاب في كونه بلاغيا، في عنوانه، وفي مادته، وفي مجال اهتمامه، وفي مؤلفه، ولقد توفرت هذه الخصوصية عند المحقق الدكتور عباس أرحيلة في جوانب عدة، لا تخفى على القارئ المتخصص؛ وسنفرد بالذكر هنا جانب التعريف بالأعلام لإبراز هذه الخصوصية، إذ ورد في المتن المحقق ذكرا لخمسة وثمانين علما، تم التعريف بثلاثة وثلاثين منهم، ممن رجحت حصافة المحقق أن تمثل القارئ الجيد يوجب التعريف بهم؛ وأربعة وعشرون من هؤلاء الأعلام كلهم من أعلام البلاغة العربية والأجنبية؛ وأما باقي من عُرف بهم (تسعة أعلام)، فقد كانوا من الأعلام الذين اقتضى تقدير المحقق التعريف بهم، ويتوزعون ما بين :
-       مشاهير عصرهم من الأعيان (هند بنت النعمان (هـ 36 ص 81).
-       والعلماء (حماد بن إسحاق الجهضمي (هـ 90 ص 93)، والمفضل الضبي (هـ 94 ص 94).
-       والشعراء (أبو دؤاد الإيادي (هـ 141 ص 103).
-       والقواد (أحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي (هـ 76 ص 90)).
-       و الأجانب: حكاما (الإسكندر المقدوني (هـ 53 ص 85)، كسرى أنوشروان (هـ 62 ص 88).
-       وفلاسفة سقراط (هـ 47 ص 84)، أرسطوطاليس (هـ 57 ص 87)، أفلاطون (هـ 70 ص 89).
ولعل استفراد أعلام البلاغة بحصة الأسد من هذه الترجمات (24/ 33)، لها ما يوجبها في طبيعة النص البلاغي، التي كانت مستحضرة في جل هذه التعاريف بالأعلام، فحينما كان يعرف المحقق الدكتور عباس أرحيلة بعلم معين، فإنه يحرص على التركيز على موقفه من القضية الكبرى للمتن المحقق: الإيجاز، أو يركز في العلم المعرف به على ما يضئ النقطة التي أتى في سياقها، والمؤلف بصدد عرضها، إما بإبراز مكانته وصفاته الشخصية فيما يخصها، أو بالإحالة على أقواله، أو عرض من كتب حول هذا الجانب من شخصه. وقد يكون الأمر دالا حينما يتعلق بعلم أجنبي، فتعرض أعمال عربية قديمة تناولته، لإظهار كيفية تعامل العقل العربي معه، وكيفية النظر إليه.
وهنا يمكن أن نتساءل: هل للمحقق أن ينقل التعاريف كما هي في كتب التراجم؟ أو يختزلها دون ضابط ولا معيار؟ أم أن المحقق الحصيف يكون له وعي بنوع العلَم المعرف به، ويخضعه لمتطلبات المتن المحقق، ويراعي موقفه من قضيته الكبرى، ويورد كل ما يفيد في هذه الجوانب، سواء كان صفاتا شخصية، أو سلوكات، أو أعمالا، أو مواقف، أو أقوالا، وهو بكل هذا يرص منهجية محكمة يسير عليها في التعاريف التي يوردها، أو في جلها، ولا يتخلى عن احد عناصرها، إلا لإكراه خارجي، أهمه شح المعلومة أو انعدامها.
فهل كانت لمحققنا منهجية في التعريف بالأعلام؟
إن إخضاع التعاريف التي أوردها المؤلف للاستقراء يوقفنا على ملامح منهجية التعريف بالأعلام، وتتمثل ملامح هذه المنهجية في المكونات التالية:

جدول الأعلام المعرف بها وتصنيفها وعناصر التعريف بها
العلم المعرف به
هـ/ص
عناصر التعريف
الاسم
مجال الاشتغال
الأعمال
مكانته في مجاله
تكرار لسياق الخبر
حضور قضية الكتاب لديه
الأستاذية
التلمذة
الوفاة
المصادر












أعلام البلاغة























أبو بكر ابن دريد
10 / 77
×
×
×





×
×
أبو حاتم السجستاني
25 / 79
×
×
×



×

×
×
أبو عبد الرحمن العتبي
26 / 80
×
×






×
×
ابن القِرِّيَّة
35 / 81
×
×

×
×



×
×
جعفر البرمكي
41 / 82
×
×
×
×

×


×
×
عمرو بن مسعدة
43 / 83
×
×
×
×

×


×
×
الإسكندر المقدوني
53 / 85
×
×
×



×


×
أبو مسلم الخراساني
56 / 86
×
×
×
×




×
×
صالح بن عبد القدوس
77 / 90
×
×

×

×


×
×
إردشير بن بابك
80 / 91
×
×
×
×
×




×
قباذ بن كسرى
82 / 91
×
×







×
خلف البصري المعروف بالأحمر
87 / 93
×
×
×





×
 ×
أبو الهذيل العلاف
88 / 93
×
×
×

×



×
×
صُحار العبدي
91 / 93
×
×


×




×
أبو أحمد يحيى المعروف بابن المنجم
106 / 96
×
×



×

×
×
×
العباس بن الحسن الكاتب
146 / 104
×
×
×





×
×
سعيد بن حُميد
148 / 104
×
×
×


×


×
×
أبو بكر الصولي
149 / 104
×
×





×
×
×
ابن دينار البصري
150 / 104
×
×

×


×

×
×
ثعلب
152 / 105
×
×



×


×
×
الحسن بن وهب
155 / 105
×
×
×





×
×
جحظة
156 / 105
×
×
×





×
×
عبد الله بن طاهر بن الحسين
158 / 105
×
×
×




×
×

إبراهيم بن العباس بن صول
162 / 106
×
×


×



×
×

57 / 87









×
أعلام مشاهير























سقراط
47 / 84
×
×
×

×




×
أرسطوطاليس
57 / 87
×
×


×


×

×
أفلاطون
70 / 89
×
×
×




×

×
حماد بن إسحاق الجهضمي
90 / 93
×
×
×





×
×
المفضل الضبي
94 / 94
×
×
×





×
×
هند بنت النعمان
36 / 81
×
×







×
كسرى أنوشروان
62 / 82
×
×
×





×
×
أحمد بن سعيد بن مسلم بن قتيبة الباهلي
76 / 90
×

×


×



×
أبو دؤاد الإيادي
141 /103
×



×
×



×
  هند بنت المهلب   أحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة 


جدول الأعلام وعناصر التعريف بها بالنسب المئوية
      الأعلام




النسية المئوية
عناصر التعريف
الاسم
مجال الاشتغال
الأعمال
مكانته في مجاله
تكرار السياق
حضور قضية الكتاب لديه
الأستاذية
التلمذة
الوفاة
المصادر
100 %
90,91 %
63,64 %
36,36 %
21,21 %
18,18 %
9,09 %
12,12 %
75,76 %
100 %


ومن خلاله يتضح أن العناصر الثابتة في كل ترجمة هي: الاسم ـ مجال الاشتغال ـ الأعمال ـ الوفاة ـ مصادر الترجمة.
في حين تأتي المكانة في المجال في نظر العلماء، وحضور قضية الكتاب لديه، بنسبة قليلة.
أما تكرار سياق الخبر، والأستاذية، والتلمذة، فبنسبة أقل.
ولعل ما في هذه العناصر نقطتين:
-   حضور قضية الكتاب لديه، إذ أن البلاغة والإيجاز هما محور هذا الكتاب، ثم يحاول المحقق عرض التعريف بالشخص المترجم له في إطارهما، فهذا ـ حسب علمي ـ مما لم تطمح له همة، ولا سعى إليه تطلع، ولا هو بمتيسر للأغلب، حتى وإن رامه؛ أولا لما يحتاجه من موسوعية وإحاطة بحياة المعرف به، تُختصر بعدها في سطرين أو ثلاث؛ ثم لما يتطلبه الأمر من جهد حينما يصبح مطلبا منهجيا في كل تعريف يعرض له المحقق؛ ولما يُفترض في المؤلف أيضا من استحضار هذا الجانب فيمن يذكرهم ضمن تأليفه، ثالثا وأخيرا، لما يشترَط في المؤلِّف من انخراطه في هذا السياق، لأنه إذا لم يوفر هذا الشرط في كتابه، فلا يمكن للمحقق أن يلبي هذا المطلب المنهجي.
-   اعتماد التعريف بالعلم لتكرار سياق الخبر الذي تم إيراده في المتن، كما اشتهر في حياته، أو كما أوردته مصادر أخرى، وفي هذا استحضار للعلم ضمن سياق معين مشروط بالتأليف، مما يفرض في المحققين أن يكتبوا تعاريف مختلفة ومن جوانب اهتمام متباينة، يفرضها موضوع التأليف، وسياق الخبر، ويبطل بالتالي اقتناص جهود المحققين المجتهدين، أو يستنسخ تراجم من كتب لتراجم، أو يجعل المحقق يكرر مجهوده في أعماله السابقة، مما يعمد إليه بعض المحققين المتوانين ـ سامحهم التراث والتاريخ والله ـ ومما يفرض أيضا توثيقا للخبر، ومزيدا من التوسع فيه، ومعرفة بدرجة شيوعه وحضوره وتأثيره في ثقافتنا التراثية، وإبراز كيفية تعامل المؤلف معه.
-   ولا أريد لهذه النقطة أن تنتهي دون أن أعرج على سنوات الوفيات، والتي هي شرط ضروري في التعريف بالأعلام، لحصرهم في الزمان؛ وكل مشتغل بالتراث يعرف مقدار ما تطرحه هذه الجزئية من معضلات أمام الباحثين، وما تطرحه من حيرة في وجه القراء، قد تستنفذ مجهودات مضنية دون أن تحصد في الأخير شيئا غير الخيبة. والعارفون بسيدي عباس يدركون درجة الاهتمام التي يعطيها لهذه الجزئية، فهو جماعة سنوات وفيات، لا يكاد يذكر علما دون ذكر سنة وفاته، ترسخ ذلك في محفوظه، الذي نماه منذ سنوات من البحث المضني، والترويض المعنت. ولقد سمعت أحد الظراف مرة، وهو يحضر جلسة علمية يشارك فيها سيدي عباس، ولا يكاد يذكر علما إلا وذكر سنة وفاته، مما أثار دهشة الكثيرين ممن يعرفونه ولا يعرفونه، فعلق الظريف قائلا: " سي عباس هذا مثل المقبرة، أينما التفتَّ وجدت اسم علم وسنة وفاته!" ولقد كان محقا في ملاحظته التي ألبسها لباس الطرفة. وفيما أورده المحقق من سنوات الوفيات يغطي ثلاثة أرباع التراجم التي عرف بها، وقد استغربت للربع الذي فاته، مع أنه ليس من عادته، وقد زال استغرابي حينما وقفت على التسعة الذين لم يحدد سنوات وفياتهم، فوجدت أن ستة منهم أعلام أجانب، مغرقين في القدم، مما لا تكاد تـُضبط سنوات وفياتهم، وإن ذُكرت فبالتقريب، وهم: إردشير بن بابك(هـ 00 ص 00) ـ الإسكندر المقدوني (هـ 53 ص 85) ـ كسرى أنوشروان (هـ 62 ص 88) ـ سقراط (هـ 47 ص 84) ـ أرسطوطاليس (هـ 57 ص 87) ـ أفلاطون (هـ 70 ص 89).
والثلاثة الباقون عرب، وهم مما لا تعرف سنوات وفياتهم، ومع ذلك حاول المحقق تقريبها من خلال ربطهم، إما بسنوات وفيات أعلام مشاهير عُرفت سنوات وفياتهم (صُحار العبدي ربطه بمعاوية -60هـ)، أو ربطهم بهم دون ذكر سنة الوفاة (ربط هند بنت المهلب بالحجاج، وأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة بالواثق).
يتضح من خلال كل هذا أن للدكتور عباس أرحيلة منهجية في التعريف بالأعلام ـ كما قدمها ـ حرص على أهم عناصرها، بالنسبة لمعظم الأعلام الذين عرّف بهم، كما أن خصوصية النص المحقق، وحضور قضية الكتاب عند العلم المعرَّف به، وتكرار سياق الخبر الذي ورد في إطاره، جوانب معتبرة اعتبارا كبيرا لديه، في كل تعريف؛ ولم يشذ عنها إلا في حالة الضرورة التي لها ما يبررها.
وبذلك يخط مسارا واضحا في شروط التعريف بالأعلام في نص محقق، وربما كانت هذه خطوة أولى حول إرساء أسس منهجية تقديم العلم في ثقافتنا العربية الإسلامية بشكل عام.
مع أن اتباع منهجية دقيقة في التعرض للأعلام لا يسلكه إلا كبار المحققين، الذين خبروا النصوص وأنواعها وسياقاتها وقضاياها، وكانت لهم دراية واسعة بالتعاطي مع فن التراجم، والثقافة البيبليوغرافية في تآليفنا، وبحوثنا العلمية، وتحقيقاتنا التراثية. ومجرد التوفر على هذا الوعي يعتبر تقدما كبيرا في مشروع المحقق، أما البدء في تفعيله فتلك خطوة منهجية جد متقدمة، وأحراك التمكن منه، الذي لا يكون إلا بمقدور قلة قليلة.

9-       الهوامش:
في "رسالة التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم" التي اشتغل بها الدكتور عباس أرحيلة، يجد القارئ نفسه أمام قسمي الكتاب: تقديم الرسالة، والرسالة محققة؛ وقد أرفق الأستاذ القسمين معا بهوامش خاصة بكل منهما، جعل هوامش التقديم مجمعة في آخره بلغت سبعين هامشا مرقما، يتقدمها واحد منجم، أتت في سبع صفحات (صص  57ـ63)؛ وجعل هوامش المتن المحقق الذي حاز مائة وخمسة وستين هامشا بالأرقام، وإن كان تكديس مواد مختلفة في الهامش الواحد يجعلها أكثر من ذلك بكثير.
ولا يجب أن يُعتقد بان جمع المواد المختلفة في الهامش الواحد، تكديس واطراح، يسهل القيام به ، أو ينبئ عن غياب المنهجية، ولكنه عمل شاق مركب، ينجي الباحث منه تخصيص الهامش الواحد للمادة الواحدة، غير أنه حينما يقرر التجميع والتكثيف يقرر مضاعفة الجهد على نفسه، ويبحث عن المكان المناسب لوضع رقم الهامش، وعن طريقة للجمع، وعن شكل للتأليف بين المواد المختلفة مع اختلاف إحالاتها، ويكون بصدد نوع آخر من التأليف المصغر، الذي يضنيه بضيقه وانعدام فسحة التصرف، ويُلزمه بإيجاد شروط حسن التأليف، ومناسبات التوليف. وبطريقة الجمع هذه يمكن أن يلتفت الدارسون لمناهج التحقيق إلى تتبع صور الجمع عند المحقق الواحد، أو المحققين، وبيان أنواعه، وكيفية التصرف فيه، مما يمكن أن تتولد عنه بحوث طريفة، وتبنى على نتائجه ملامح منهجية مفيدة.
وقد بلغت هوامش المتن المحقق من التنوع حدا كبيرا، لا يمكن وصفه إلا من خلال تقريبها جميعها، وفي جدول تصنيفي، مفاده تقديم التنوع والكم:
 وبقراءة هذه العبارات المصنفة لمحتويات الهوامش يظهر المألوف في محتويات الهوامش التي دأب المحققون على السير على نهجها، منذ خطوات التحقيق الأولى في تراثنا، كما يظهر التجديد الذي ميز هوامش هذا التحقيق، وأبان عن انشغال عقل المحقق به. وقد لا يقتصر الأمر على هذا بل يتعداه إلى إظهار ارتباط نوع الهوامش بخصوصية النص المحقق، وقد يتجاوزه إلى فسح مجالات أخرى من الاهتمام، قد تتوسع مع تضافر الجهود، لتصبح أعمالا وتخصصات.
فمما اعتاد المحققون التطرق إليه في الهوامش التوثيقية، وسار سيدي عباس على نهجهم، ما يتعلق بضبط النص وتصحيحه، ، وإكماله، وبيان خطإ النشرات السابقة، والتدارك عليها، حتى يُخرج النص في صورته شبه التامة؛ وما يتعلق بتوثيق النصوص الشعرية خاصة، ثم ألأمثال؛ وما يتعلق بالشرح اللغوي والمضموني للكلمات والعبارات؛ وما يتعلق بالتعريف بالأعلام؛ وما يتعلق بوصف الخط. وهذه الجوانب، وإن كانت ممن حيث النوع متناولة عند المحققين عموما، إلا أن تناول الأستاذ عباس لم يخل من لمسة إضافية في كل نوع، مما تم تبيينه بتفصيل فيما عرضنا له قبل.
فمن الجديد في هوامش "رسالة التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم" توثيقها للنصوص النثرية، وبما في ذلك الأقوال البلاغية (51 توثيقا)، أظهرت خصوصية هذا المتن، الذي لم يهتم بالشعر إلا قليلا، وربما لإعطاء مجال المفاضلة منطقها، وإظهار التفوق في المشترك (النثر)، لا الخاص (الشعر). ومن الجديد أيضا توضيح السياق للخبر أو القول، لمساعدة القارئ على الإحاطة به إحاطة جامعة (أربعة هوامش).
ولعل ارتباط التوثيق بنوع النص المحقق يتجلى بوضوح في توثيق الأقوال البلاغية، وفي الشرح الاصطلاحي، الذي لا يورد المصطلح مجردا، وإنما يعرف به عند غير المؤلف من البلاغيين، الذين تقدموا على المؤلف، وقليلا ما يلتفت لمن أتى بعده، وكأنه بذلك يكتب تاريخا للمصطلح البلاغي قبل أبي أحمد العسكري -382هـ على وجه الخصوص. وربما تحول الاهتمام بالمصطلحات إلى الاهتمام بالعبارات، حيث ورد في عبارة وحيدة، بعدما أكثر المؤلف من التعريج على عبارة » قيد الأوابد«، ووقف المحقق عندها وقفات، في كل استعمال يورده المؤلف، وكانت على الصورة الآتية:
-       الإيراد الأول: النص المحقق: » فأما بلاغة الشعر، فعذوبة الأبفاظ وتقريب المعاني، واتساق النظم، ورشاقةُ المِعْرَضِ.
كـ...قول امْرئ القيْس في وصْف فرسِه، والتّشبيهِ "بقـَيْدِ الأوابدِ".«. ص 75.
       الهـــامش:  »الديوان: ص 19 ـ البيت من المعلقة، وهو:
وقدْ أغتدي والطَّير في وُكناتِها
بمُنْجرِد  قيدِ الأوابـدِ هَيْكَـلٍِ
فالوحوش النافرة التي لا تستأنس بالناس، تصبح كالمقيَّدة له إذا اقتفى أثرها، فيبدو من شدة سرعته كأنها في قبضته. – وعلق أبو هلال العسكري على "قيد الأوابد"، بقوله: "الحقيقة مانعُ الأوابد من الذهاب والإفلات، والاستعارة أبلغ، لأن القيد من أعلى مراتب المنع من التصرف؛ لأنك تشاهد ما في القيد من المنع، فلست تشك فيه" (كتاب الصناعتين: ص 277) «. هـ 4.
-   الإيراد الثاني: النص المحقق:  »وكذلك جَعْلُ امرئِ القيسِ إِحْضَارَ فَرَسِهِ، وسُرعةَ لَحاقهِ بالصَّيد، وأنَّ الأوابدَ لا تَطْمَعُ في التخلُّص منهُ«. ص 80.
       الهـــامش:  »يقول قدامة بن جعفر(337هـ)، معلقا على البيت: وذلك أن سرعة إحضار الفرس يتبعها أن تكون الأوابد، وهي الوحوش، كالمقيدة له، إذا نحا في طلبها (نقد الشعر، ص 157)، أي أن الفرس إذا قصد الأوابد صار من شدة عدوه كالقيد لها. «. هـ 31.
- الإيراد الثالث: النص المحقق: » فجمع هذا في قوله: قيد الأوابد«، ص 81.
 الهـــامش: » لشيوع هذه العبارة جعلها الميداني (518هـ) عنوانا لكتابه" قيد الأوابد من الفوائد "، وهو عرض لمواد الصحاح مع مقابلتها بتفسيرات مختلفة من تفسيرات اللغة للأزهري (تاريخ الأدب العربي: بروكلمان، ج2، ص 262). «. هـ 33.
وكأنه بعمله هذا، وتوثيقه الأخير يتنبه إلى شيء ما في عبارة "قيد الأوابد"، لا بد من قوله، فيقوله، فيخرج التعليق إلى فوائد تأليفية هامة، تستحق أن تكون بداية تأمل في تاريخ العبارة، خاصة وأن المحقق قد عرض للعبارة نفسها بالتقريب أكثر من مرة، وكلما عرضت عرض لها، وكأنه في كل مرة "لا يزال في نفسه شيء من حتى"، تضيق عنه الهوامش السابقة.
10-  التوثيق:
يُعتبر التوثيق لمكونات النص المحقق وسيلة لإخراجه في صورته العلمية، ودرجة من درجات تصويبه وتصحيحهن وسعيا لإخراجه ووضعه في أيدي القراء، بالصورة التي يرضى عنها الباحث والمحقق والعالم. وكل جهد يبذل في هذا السبيل يزيد النص وثوقية وبيانا وتوضيحا، وليس التوثيق بالعملية السهلة، إذ كثيرا ما يتعلق عمل المحقق بإتمامه للتوثيق، وكثيرا ما يُعلـَّق العمل برمته بعمليات توثيق لم يهتد إليها المحقق، ولم يُحصّل رجاءه منها، فيبقى حائرا يضرب أخماسا في أسداس، لا هو يعرف أين يكمن مبتغاه، فيهتدي إليه، ويحرر عمله؛ ولا هو راض على إخراجه ناقصا، دون إتمام توثيقه.
ويفرض التوثيق ـ وكما هو تعارف عليه في التحقيقات ـ تصنيفه إلى صنفين:
-       صنف أول: ويخص خارج النص المحقق، ويتمحور حول تقديم العمل المحقق، والتعريف به، وبصاحبه.
-       صنف ثان: ويخص داخل النص المحقق، ويتخلل المتن المحقق، ويتسرب في ثناياه.
ففيما يخص خارج النص المحقق، يتوزع انشغال المحققين عموما  حول جوانب ثلاثة، وهي:
-       توثيق حياة المؤلف: اسما، ونسبا، وولادة، ومراحل، وأساتذة، وشيوخا، وتلاميذ، وأعمالا، ووفاة.
-       توثيق العنوان.
-       توثيق نسبة العنوان، أو العمل، إلى صاحبه (المؤلف).
وغالبا ما تنشغل مقدمات التحقيق بهذه العناصر الثلاثة الأخيرة، ويرى جهابذة المحققين أنه لا بد من المرور عليها، حتى وإن اشتهر المؤلِف، وتوافق من ترجموا له  على مراحل حياته وأحداثها، واشتهر العمل بعنوانه، ونسبته إلى صاحبه، غير أن الوقوف على المسألة خطوة علمية أساسية في مجال التحقيق، لا يجب التراجع عنها، لما تضمنه من المزيد من الوثوقية.
وفيما يخص داخل المتن المحقق، ينصرف العمل إلى الانكباب على جزئياته وتفاصيله، والإغراق فيها، مما يضمن في الأخير اكتمال النص، وتوفر شروط الصحة العلمية له، بغية الارتقاء به إلى الصورة التي رضي مؤلفه بإخراجه عليها إلى الناس، أو أقرب صورة ممكنة، وتخليصه من الإساءات البشرية التي لحقته ـ بقصد أو بدونه ـ من تحريف وزيادة ونقصان ومحو، وتخليصه من الإساءات التاريخية، التي تكون وراء جهل القارئ المعاصر بالأجواء الثقافية لعصر المؤلف وما بعده، وانشغالاته، وطرق تعاطيه معها، والعوامل الخارجية المفسرة لها، والراوافد الفكرية للمؤلَّـف، ومواده، والمنسوبة إليهم، وما يظللها من إطار زماني ومكاني.
وفي هذا الصنف، يُستحضر التوثيق ـ غالبا ـ عند أعلام التحقيق، في:
-   توثيق المتن المحقق نفسه، بشكله، وتصحيحه من الأخطاء، الإملائية والإعرابية، وتصويب سياقاته، بالوقوف على التشوهات التي لحقته، بعدما خرج من يد مؤلِّفه، بالتحريف أو الزيادة، والنقصان أو الإسقاط.
-    توثيق النصوص الدينية (القرآن والسنة)، والشعرية والنثرية (الخطب ـ الرسائل ـ الأمثال ـ الحكم ـ الأقوال ـ المجاوبات ـ المقامات، وغيرها ...).
-       توثيق ألأحداث التاريخية.
-       توثيق الأعلام البشرية والجغرافية (المكانية).
ولا تُعتبر تراجم الأعلام من التوثيق، وإنما من التعريف ـ وكما سلف ـ اللهم ألا أذا تعلق الأمر بتصحيح اسم، أو نسب ، أو تصحيح نسبة أمر ما (قول ـ حدث ـ صفة) إلى علم معين، شاع الخطأ، أو اختص بالمؤلف، في نسبته إلى عَلَم ليس هو المنسوب إليه في الحقيقة.
وقد وقف الدكتور عباس أرحيلة على عناصر التوثيق هاته مجملا، وقد سبقت العناصر الخاصة بالمؤلف وعنوانه، ونسبته إليه، كما وقف على غيرها من أنواع التوثيق الأخرى ـ وكما سنبينه ـ إلا أن تميز المحقق في قواعد التوثيق لا ينبع فقط من تطبيقها التطبيق الدقيق، وإنما من براعته واجتهاده وحذقه، وتوفقه في إثبات الحقيقة، أو أقرب صورة إليها، ولم تكن براعة الأستاذ عباس في العناصر التي سبق التطرق إليها بخافية، فقد حالفه العلم والحظ والتوفيق؛ حالفه العلم بالتمكن من قواعد التحقيق، وحسن الإحاطة بالمادة، والاشتمال على مصادرها، والمعرفة الرصينة بروافد هامة في الثقافة العربية، والمفيدة في التعاطي مع رسالة أبي أحمد العسكري ت382هـ، وأخص بالذكر: معرفته البلاغية، مواد وتاريخا، ومدارس وتطورات، ومعرفته بحركة المنافرات العربية ـ الأعجمية، التي عرفتها الساحة الفكرية على طول امتدادها من القرن الهجري الأول وحتى الثامن، ومعرفته بالثقافة العربية القديمة، نصوصا إبداعية ونقدية، ومعرفته الواسعة بالأعلام؛ وحالفه الحظ والتوفيق بإصابته في خياراته، وتوفقه في اقتراحاته، وموافقته الصواب في الصورة التي قدم بها النص المحقق كاملا.
كل هذا أهله لكي يعطي للرسالة حقها من الإنصاف العلمي، ويضمن لها توثيقا عاليا، ومواصفات رفيعة المستوى.
أما فيما يخص براعته في الصنف الثاني من التوثيق: توثيق المتن المحقق، فقد تحصل بصورتيه:
أ‌- توثيق كلام المؤلف من غير الإحالات:
ما من منشغل بقراءة التراث، ومتتبع لأعمال المحققين، في تراثنا، إلا ويعرف ما تعرفه النصوص من تشويهات وتحريفات، عامدة وغير عامدة، تسئ إلى النص، وتختلف درجة الإساءة من البسيطة إلى المعقدة أحيانا، فينغلق على القراء، ويصبح التعامل مع الطلاسم أيسر من التعامل معه، مما يقيم عقبات كأداء أمام القراء المتمهرين، فكيف بالقراء العاديين؟ وقد كثرت هذه الإساءات في حق تراث الأمة العربية الإسلامية، إما بسبب الإساءات الزمنية: من عتاقة وقدم، ومحو وأرضة، وإغراق وإحراق؛ وإما بسبب الإساءات البشرية: من أبناء هذه الأمة، قاصدين وغير قاصدين، جاهلين أو ساهين؛ أو من غير أبناء هذه الأمة من الشعوبيين الحاقدين، والمتدينين المتعصبين، والمستشرقين العنصريين؛ وتتضاعف درجة الإساءة كلما اجتمع أكثر من مسبب لها.
وكما قدر الله لهذه الأمة أن تناصب العداء، من طرف عناصر وشعوب وأمم كثيرة، فقد هيّأ الله لها عزائم وغير وهمم قادرة على التصدي على ما يستهدفها من تهجمات، وكفيلة بردها، وإفشال كيدها، وفضح دسائسها، مما مكن في الأخير من إخراج الكثير من الأعمال، كما أراد لها مؤلفوها أن تكون، وبطرق علمية وتقنية ما كان ليسمح بها زمنها، ولو اطلع عليها مؤلفوها ومعاصروهم لحسدونا على ما أنعم الله به على عصر دون عصر.
 ومن هذه العزائم عزيمة الدكتور عباس أرحيلة، التي لم يوهنها قدم النص (القرن الهجري الرابع)، الذي تفصلنا عنه عشرة قرون ونصف؛ ولا الإساءات الزمنية والبشرية، التي ـ ولا شك ـ قد نال حظه منها؛ ولا مبادرات غيره إلى نشره، بالعزيمة والغيرة والهمة نفسها؛ ولكنه رأى مجالا للقول فقال، ورأى موضعا للإضافة فأضاف.
وتعهد رسالة "التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم" بتوثيقات لكلام المؤلف، توزعت على:
-   السقط: بإثبات ما سقط من أصل معين، سواء كان المخطوط أو المنشور: وعليه يمكن لتمييز بين ألوان ثلاث من السقط:
أ – 1- ما سقط من المخطوط: وهو نوعان حسب مصدر التصويب:
أ-1-1- ما رجحه السياق، ويبدو أنه حصل بسبب المحو من الأصل؛ وفيه سقط واحد (هـ138 ص102).
أ-1-1- ما صُوّب من مصادر تراثية: أي ما تم الرجوع إلى المصادر الأخرى للوقوف على اختلاله، والسعي إلى تصويبه على ضوء ما ورد فيها؛ وفيه سقط (هـ  ص ).
أ- 2- ما سقط من النشرات كلها: بإثبات ما سقط من النسخ المنشورة سابقا كلها، مما يبين صحة المخطوطة وكمالها، على الأقل مقارنة بالنشرات، وقد رصد المحقق أربعة ألوان منه (هـ14 ص78 ـ هـ22 ص79 ـ هـ52 ص85 ـ هـ67 ص88).
أ-3- ما سقط من نشرة واحدة: ويخص الأمر نشرة شيخو (ش)، مما يدل على ضعفها أمام النشرتين الأخريين، وربما أبان هذا عن مستوى التحقيق عند شيخو، وربما أفاد في التدقيق في منهجيته وأسلوبه في التحقيق. وتمكن الأستاذ عباس من رصد  وهي: (هـ6 ص ـ هـ27 ص ـ هـ46 ص ـ هـ51 ص ـ هـ68 ص ـ هـ78 ص ـ هـ86 ص ـ هـ92 ص ـ هـ103 ص ـ هـ127 ص ـ هـ132 ص ـ هـ134 ص ـ هـ137 ص ـ هـ139 ص ـ هـ140 ص ـ هـ142 ص ـ هـ151 ص ـ هـ157 ص ـ هـ160 ص ).
-   الاختلاف: بإثبات الاختلافات التي توزعت على اختلاف العبارة؛ بالصياغة أو الزيادة بكلمة أو كلمتين، أو النقص بحرف؛ أو بالرسم الإملائي (هـ30 ص80)؛ أو الشكل (هـ50  ص85 ـ هـ54  ص86 ـ هـ72  ص89). وعمت النشرات كلها، أو اشتركت بين نشرتين، أو خصت نشرتين. وهي على الشاكلة التالية:
-        


جدول مواقع الاختلاف حسب النشرات


رمز النشرة
مواقع الاختلاف


ب ـ ر ـ ش
هـ9 ص77 ـ هـ11 ص77 ـ هـ16 ص78 ـ هـ17 ص78 ـ هـ28 ص80 ـ هـ65 ص88 ـ هـ79 ص91 ـ هـ92 ص94 ـ هـ97 ص94 ـ هـ101 ص 95ـ هـ108 ص96 ـ هـ121 ص99 ـ هـ122 ص99 ـ هـ128 ص100 ـ هـ147 ص104 ـ هـ148 ص104 ـ هـ161 ص106.


ب ـ ش
هـ50 ص85 ـ هـ83 ص91 ـ هـ85 ص92 ـ هـ107 ص96 ـ هـ111 ص97 ـ هـ164 ص106.
ب ـ ر
هـ6 ص76 ـ هـ89 ص ـ هـ127 ص ـ هـ164 ص106 ـ هـ165 ص106.
ر ـ ش
هـ34 ص81 ـ هـ59 ص87 ـ هـ119 ص99.



ش
هـ30 ص80 ـ هـ32 ص80 ـ هـ49 ص84 ـ هـ55 ص86 ـ هـ63 ص88 ـ هـ72 ص89 ـ هـ75 ص ـ هـ84 ص91 ـ هـ98 ص94.
ر
هـ54 ص86 ـ هـ86 ص92 ـ هـ126 ص100.
ب
هـ158 ص105.

ب‌- توثيق الإحالات من المتن المحقق:
تم التعرض سابقا لأنواع التوثيق من هذا الصنف، وأُدرج فيه ما يتعلق بتوثيق النصوص، والأحداث، والأعلام، ولهذا الجانب حضور في عمل الدكتور عباس أرحيلة، الذي اقتصر على توثيق النصوص والأعلام البشرية، والمصطلحات البلاغية.
ب-1- توثيق النصوص: تعامل الدكتور عباس أرحيلة مع توثيق النصوص على أنواعها دينية، وشعرية ونثرية.
- أما النصوص الدينية: الحكمة ضالة المؤمن هـ ص 103
كما تم التطرق لنصوص يُعتقد أنها أحاديث نبوية، وتم التأكد منها، ونفي ذلك عنها.
- وأما النصوص الشعرية فقد كانت قليلة في المتن المحقق، إذ لم تتجاوز ثماني إحالات، ترتبط بنصوص شعرية: ستة أبيات (الهوامش: 3 ـ 5 ـ 19 ـ 21 ـ 32 ـ 34)، وشطر (هـ 20)، سبق إيراده ضمن البيت (هـ 3)، وعبارة »قيد الأوابد«، مستمدة من بيت شعري لامرئ القيس (هـ 4)، مما يجعلنا أمام ثلاثة ألوان من النصوص الشعرية: النص الكامل : مذكور لأول مرة، ومكررا، والعبارة الشعرية التي لا تتجاوز كلمتين. فما منهجية الدكتور عباس أرحيلة في توليف التوثيق لهذه النصوص؟
لتبين هذه المنهجية سيتم عرض النصوص الشعرية ـ المادة التوثيقية ـ مرفوقة بعناصر المنهجية، كما تم تجميعها، لتبين  حالة حضورها أو غيابها بوضوح، من خلال الجدول التالي:

هـ/ص
نوع النص
عناصر منهجية التوثيق
مصدر التوثيق
تحديد القصيدة
مطلعها
موضوعها
مناسبتها
صاحبها

موقع البيت فيها
لغة المطلع
لغة البيت
معناه
الصورة
تعليق العلماء عليه
وتقويمه
3/ 75
بيت
الديوان


×
×
مذكـور في النص




×

5/ 76
"
"
×
×
×

"
×


×


19/ 78
"
"
×
×


"






21/ 79
"
"
×
×
×

"

×
×


×
22/ 79
"
"
×
×


"



×


34/ 81
"
"
×
×
×
×
"


×

















20/ 78
شطر
"سبقت الإشارة إليه". هكذا كان تعليق المحقق في الهامش، ويتعلق الأمر بـ3/ 75
×














4/ 75
عبارة
"
×



"
×


×

×
  
وعليه يتبين أن التوثيق كان علميا، إذ استمد من المصدر الأصلي "الديوان"، مما يضمن تصحيحه وضبطه بأنواع الضبط العلمية الممكنة؛ وركز على جوانب أساسية في كل نص يوثقه (تحديد القصيدة، والمطلع، والموضوع، وصاحب النص، والشرح)، وألحقها بمكملات إن توفرت (مناسبة القصيدة، وموقع البيت فيها، وتعليق العلماء عليه وتقويمه). وقد اجتهد في توثيق الشطر بما لم يتركه فقيرا مع عبارة "سبقت الإشارة إليه"، بل أردفها بتعليق العلماء على البيت وتقويمه، ليُظهر مكانة ذلك البيت في التلقي الشعري عند مثقفينا القدامى. وبمناسبة ذكر عبارة  "سبقت الإشارة إليه"، أدعو محققينا إلى أن يزودوها بمكان الاستعمال السابق، بالصفحة ، على الأقل، وإن كان الفارق هنا عند محققنا لا يتجاوز ثلاث صفحات، مما يسهل تذكر مكان إيرادها، إلا أن الأمر سيكون عسيرا إذا تضخم عدد الصفحات؛ وبالمثل نكرر الدعوة حيال عبارة "ستأتي الإشارة إليه"، أو "سيُذكر لاحقا"، أو سيتم التعريف به"، أو "سترد ترجمته". كما اجتهد الأستاذ المحقق في توثيق العبارة بتحديد مصدر التوثيق، وتحديد القصيدة، وصاحبها، وموقع البيت فيها، وشرح معناه، وتعليق العلماء على البيت وتقويمه.
- وأما النصوص النثرية فغالبا ما لا يُلتفت إليها في التحقيقات، اللهم إلا النصوص الدينية: القرآن والحديث، أو الأمثال، والأخبار. وقد خلت النصوص المحققة من أي نص قرآني، واقتصرت على حديث واحد، سبق تناول منهجية توثيقه.
والجهد الحقيقي الذي يشهد للمحقق بالجهد والبراعة عمله على النصوص النثرية، التي غالبا ما يتجنبها المحققون، لقلة الاشتغال عليها، وصعوبة توفر مرجعيات حولها، اللهم إلا إذا كان للباحث مرجعياته الخاصة، وثقافته الشخصية الواسعة. ولقد كان المحقق مرغما على هذا النوع من التوثيق بدوافع منهجية، آمن بها، ووفى لها، وإن أقامت أممه مجموعة من العقبات، إلا أنها لم تكن معجزة له عن السير على خطى عزمه، حتى تكلل بالتوفيق. وبعمله هذا أضاء النصوص الواردة في المتن المحقق، وزاد من توضيح سياقاتها، ودرجة انتشارها، ودائرة إشعاعها، ورسم لها موجبات التلقي، ومقاييس التقبل، حتى غدا توثيق النص النثري، بالفوائد التي يحملها، مغريا إغراء، يهون ما قد يلاقيه الباحث من صعوبات بسبب ذلك. وتنوعت هذه النصوص النثرية ما بين أقوال بلاغية تصب في قضية الرسالة الكبرى: بلاغة الإيجاز، أو تتساوق معها في نقط متقاطعة كثيرة؛ وما بين حكم وأمثال وأقوال ومواقف؛ حاول المحقق إيجاد رصد أولي لإرسائها في الثقافة العربية الإسلامية، سواء كانت هذه النصوص عربية أو أعجمية: فارسية ويونانية ورومية.
ولم يكن التعامل معها محدودا، بل موسعا سعة تعامل المتن المحقق معها، واعتماده عليها، واستشهاده بها. ذلك أنه قطع صلته بالشعر نهائيا منذ صفحاته الأولى (صص 75-81)، وأخلى باقي صفحاته للنثر (صص 82-106). ويمكن التمييز في هذه النصوص الموثقة، التي بلغ مجموعها ستة وخمسين (56) نصا بين:
- توثيق الأقوال البلاغية: وهي التي يمكن عدها خلفية نظرية لأبي أحمد العسكري -382هـ، عنها كان يصدر لبناء تصوره البلاغي حول بلاغة الإيجاز، وعليها يقيم أس مفاضلته. ومن تلك الأقوال (هـ7 ص76 ـ هـ8 ص76 ـ هـ12 ص77 ـ هـ18 ص78 ـ هـ28 ص80 ـ هـ29 ص80 ـ هـ41 ص82 ـ هـ46 ص84 ـ هـ74 ص89 ـ هـ91 ص93 ـ هـ96 ص94 ـ هـ99 ص95 ـ هـ100 ص95 ـ هـ101 ص95 ـ هـ102 ص96 ).
- الأقوال عموما المنسوبة للأعلام بسبب جودة نسجها وقوة معناها، مما يمكن تقديمه على أنه نماذج للبلاغة الموجزة. (هـ35 ص81 ـ هـ104 ص96 ـ هـ107 ص96 ـ هـ110 ص97 ـ هـ111 ص97 ـ هـ112 ص97 ـ هـ117 ص98 ـ هـ118 ص99 ـ هـ121 ص99 ـ هـ122 ص99 ـ هـ135 ص101 ـ هـ140 ص103 ـ هـ143 ص103 ـ هـ144 ص103 ـ هـ147 ص104 ـ هـ159 ص105 ـ هـ163 ص106 ).
- الأمثال التي كانت تناسب في معظم الأحوال أن تُقدم نماذج للإيجاز وبلاغته: (هـ24 ص79 ـ هـ68 ص88 ـ هـ113 ص97 ـ هـ114 ص98 ـ هـ116 ص98 ـ هـ123 ص100 ـ هـ124 ص100 ـ).
- الحكم الفلسفية: وكانت في مجملها أقوال فلسفية أعجمية، قدمها المؤلف على أنها نماذج للإيجاز الأعجمي: (هـ48 ص84 ـ هـ61 ص87 ـ هـ113 ص97 ـ هـ131 ص101 ـ هـ153 ص105 ـ هـ154 ص105 ).
- التوقيعات: وهي نصوص مثالية للإيجاز العربي والأعجمي على حد سواء. (هـ62 ص ـ هـ64 ص ـ هـ66 ص ـ هـ67 ص ـ هـ80 ص ).
- نصوص وعبارات رسائلية: تم تقديم نماذج للوجازة الرسائلية، من خلال أربعة نصوص، إما رسائل كاملة وجيزة، واحدة لعمرو بن مسعدة ت217هـ، والأخرى للوليد بن عبد الملك؛ أو من خلال جمل مستمدة من رسائل لعبد الله بن المعتز ت296هـ، أو للحسن بن سهل ت236هـ، اختارها المؤلف نماذج للإيجاز: (هـ44 ص83 ـ هـ45 ص83 ـ هـ133 ص102 ـ هـ137 ص102).
ب-2- توثيق الأعلام:
يقتصر الأمر هنا على الأعلام البشريين، دون الجغرافيين، ونعني ـ كما سبق توضيحه ـ تصحيح الأسماء وتحقيقها وضبطها، وليس التعريف بها، ومن بين الواحد والخمسين علما الذين تم ذكرهم في المتن المحقق، وعُرف بعدد لا يستهان به منهم، وصل إلى ثلاثة وثلاثين، تم التدقيق والتصحيح لأسماء ثمانية أعلام (الهوامش: 35 ـ 36 ـ 45 ـ 80 ـ 105 ـ 106 ـ 141 ـ 152).
هـ/ ص
العلم في المتن المحقق
العلم في الهامش بعد التصحيح



35/ 81
هند بنت المهلب
هند بنت أسماء
36/ 81
هند بنت المهلب
هند بنت النعمان
45/ 83
الوليد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد
89/ 93
الحسن بن حضر (بالحاء)
الحسن بن خضر (بالخاء المعجمة)
105/ 96
إبراهيم بن حُمَيْد الكَلاَّري
إبراهيم بن حُمَيْد الكلاباذي أو الكلابازي
106/ 96
ابن أبي أحمد
أبو أحمد يحيى بن علي المعروف بابن المنجم
141/ 103
أبو داود الإيادي
أبو دؤاد الإيادي
152/ 105
أحمد بن يحيى
لعله أبو العباس المعروف بثعلب -291هـ
وقد يكون أبو عبد الله ابن الوزير بن سليمان بن
مهاجر -250هـ

وما توثيق أسماء الأعلام إلا مهمة أخرى من مهمات المحقق، التي يتوجب عليه القيام بها، والتي تتطلب ما شاء الله من الإحاطة والدقة والتركيز، والملاحظة والتمعن، والتعود على التنقيب، والتمهر به، وامتلاك آلياته، وتتطلب كذلك الكثير من الحصافة والتمييز، وحسن التقدير، وتشترط أن يحالفها التوفيق والإصابة والحظ، ولا ينجح كل هذا إلا بالجرأة والمغامرة والقدرة على الحسم، دون خشية من تتبع المنتقدين، ولا وجل من إحصاء السقطات من المعيبين، إيمانا بأن الإنسان ما خُلق إلا ليقول، ومن قال كلمته مشى، بعدما قام بشرط وجوده، فلا يهمه من يقول، ولا ما يقال بعده. وهذه من أخلاق الرجل التي خبرتها من خلال ملازمة فاقت الثلاثين سنة.
 ب-3- توثيق المصطلحات:
اقتنع المحقق بأن "رسالة التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم" عمل في التفكير البلاغي، بل هو لبنة مهمة من لبناته، وحلقة أساسية من حلقاته، يبقى الجهل بها، وعدم الإطلاع عليها، مؤثرا تأثيرا جوهريا في إكمال صورة الفكر البلاغي العربي، وخاصة خلال مرحلته التأسيسية الأولى، في القرنيين الهجريين الثالث والرابع. ولهذا السبب قام المحقق باستحضار هذه القيمة البلاغية للرسالة في خطوات التقديم، وخلال مراحل التحقيق، وجعلها إحدى موجهات منهجيته فيه الأساسية. وكانت لذلك تجليات عملية، تمثلت في العناوين التجزيئية التي اقترحها المحقق للمتن؛ ومن خلال التعريف بالأعلام البلاغيين؛ والتوثيق للأقوال البلاغية، والتركيز على توجهاتها عند كل علم، من خلال رصد حضور قيمة الكتاب لديه.
وها هي تتكرس الآن من خلال اهتمام الكاتب بالمصطلحات البلاغية، الذي جلاه المحقق بالتطرق إلى جانبين:
-   الأول: الفهرس الذي ألحقه بآخر المتن، وخصصه للمصطلحات البلاغية، وجعله واحدا من الفهارس الستة، التي رأى أن إخراج العمل سيبقى ناقصا بدونه، فأرفقه به، وحشر فيه خمسين مصطلحا، مما روجت له الرسالة. وهو عمل مهم في التأسيس للفكر البلاغي، ورصد تطوره، من خلال أعلام وأعمال، ويسهل الكثير من الجهد على المشتغلين بالتاريخ للأفكار، وتتبعها؛ ولسيدي عباس انشغال قديم بهذا الأمر جلته بعض كتاباته، والرسائل التي أشرف عليها.
-   الثاني: التوثيق للمصطلحات: من خلال تقديمها، وحصر معانيها، في المعجم، وعند أهم من استعملوها، وكيفية استعمالهم لها، ونوع فهمهم لها، مما يكون ميسرا لفهم مسار الاستعمال، الذي وردت فيه، وخاصة إذا كان المروج للمصطلح مؤسسا له، ومتقدما زمنيا على أبي أحمد العسكري ت382هـ، مؤلف الرسالة.
وهذا جهد إضافي، ومشقة مثقلة، يلزم بها المحقق نفسه، رغبة منه في إخراج هذا النص علي الصورة التي يرضى عنها ضميره، وإحساسه بالمسؤولية، ويرتاح إليها قيامه بالواجب، حيال تراث الأمة وفكرها.
وقد وقف المحقق، وقفة تعريفية خاصة، نعدها من مؤسسات بلاغة الإيجاز، قضية الكتاب الأساسية، عند تسع مصطلحات. ولعل حصره لهذه اللائحة الصغيرة (تسعة من خمسين 9/ 50)، لم يكن إلا نابعا من حسن تقديره، وعمق وعيه، بأن العمل يجب أن يكون هادفا، متقصدا لغايات يحققها، فلا يحيد عنها، ولا يشوشها، ولا يبتذلها، بما يراكمه حولها، مما تحتاجه أو لا تحتاجه، فيصبح كحاطب ليل، يأتي بما يدفئه وبما يبرده، بما يحييه وبما يميته.
ولعل الوقوف على هذه الاصطلاحات يثبت صحة هذا الحكم التقويمي، فلقد كان الوقوف حول المصطلحات: البيان والإيجاز والاختصار ـ الذم المفلق ـ الرَّيِّض ـ قرع المراد ـ التوقيع ـ الخطل ـ المساواة ـ الإشارة ـ التذييل.
وكانت للرجل وقفات متفاوتة، تقتضيها أهمية المصطلح ودوره في القضية التي يعرض لها.
ولم يقتصر التوثيق الاصطلاحي على هذا الجانب، بل إن التوثيق للأقوال البلاغية كان كثيرا ما يجر إلى عرض فوائد بلاغية مهمة حول مصطلح معين أو قضية، لا تقل أهميتها عن التوثيق الاصطلاحي، وإن لم تعد منه.
وقد كنت صنفت نقطة رابعة للتوثيق، عنونتها بـ توثيق سياقات القول، غير أنني، وفي آخر لحظة، أردت إبرازها، فعزلتها مفردة في العنوان التالي:
11-  توضيح السياق:
إذا كان الفعل البشري، والتراكم الحدثي، الذي يدرج عادة ضمن "التاريخ"، تصنيفا ووعيا وعلما، ويوثق غالبا باستعراض مسارات الحدث وسياقاته، وغالبا ما يلجأ المحققون في التعرض للأحداث إلى توثيق مساراتها وسياقاتها التاريخيتين، إذ أن إيراد ذكر حدث معين، في متن معد للتحقيق، وبأي صيغة لغوية، كالقرمطي أو القرامطة مثلا، يجر إلى عرض تعريف بالحركة وزعيمها، ورجالها وتاريخها، وأفكارها وأعمالها، وأسبابها وآثارها، وصولا إلى خبوها. وهي طريقة شائعة في كتب التحقيق، ومطروقة بوفرة تغني عن المزيد من التقريب.
غير أن للفكر سياقاته ومساراته، التي توجب على المحقق عرضها، وتوضيحها، لكي يدرك القاريء النص الذي هو بصدده في سياقه المتكامل، ويكون فهمه وإحاطته به شاملة لروافد الفكرية التي تضخ فيه، وللحيثيات الجزئية التي تعتمل داخله، وللتوجهات الكبرى التي يطمح إليها، ويسعى لتوطيدها. ولا يمكن تكوين هذا التصور إلا بتشكيل وعي عميق لدى المحقق بالنص الذي يقدمه، وموضعته في سياقه الحضاري العام، والفكري الخاص، واستحضار مسار التأليف في المجال، قبل وأثناء وبعد، على اعتبار ترابط حلقات التأليف في مجال فكري محدد.
وقد لا يتوقف الأمر عند الإدراك بل يتجاوزه إلى العمل والإنجاز، ونقل لتصور من الحس الواعي إلى الضبط والحصر، والتقديم الكتابي. وهو أمر يجب أن يرافق العمل من بدايته إلى نهايته، وكلما اقتضى تقدير المحقق حاجة القارئ إلى تحديد سياق معين وتوضيحه؛ لجأ إلى ذلك، وشعّر القارئ بأهميته، حينما يقف عليه، فيدرك ما له من تلك الأهمية في تسليط المزيد من لتوضيح والانجلاء على قراءته، ويقدر قيمة الدفعة القوية التي عملت على توسيع نظرته، وتعميق فكرته، وإعطاء أبعاد أخرى لتصوره، ما كانت لتحدث لولا مساعدة المحقق هاته، في توضيح السياق، التي وإن جاءت في سطر أو سطرين، إلا أن أثرها عميق، وتأثيرها كبير، لا يمكن تقييمه تقييما ماديا محصورا.
وربما عمل المحقق على توضيح هذه السياقات عموما، بالنسبة لرسالة أبي أحمد العسكري ت382هـ، وقضيته البلاغية التي يعرضها، خلال التقديم لها، وعقد لذلك مناسبات عدة، ولكن ذلك لم يكن مغنيا عن السياقات الموثقة داخل المتن المحقق، فأورد أربعة سياقات، وهي:
-   أولها سياق التأليف: وقد افتتح به المتن المحقق، فكان أول توثيق، وكان مهما أهمية قصوى بالنسبة للقارئ المتخصص، وغير المتخصص أكثر، في توضيح سياق التأليف، بالحديث عمن أُلفت له الرسالة، وتحديد المخاطب في أولها: "كنتُ ذكرتُ لكَ ـ أسعدكَ الله ـ ..."، والمتوجه إليه بالدعاء، مما اقتضى إعطاء تصور عن طرق التأليف ومرجعياته في الرسائل لنقدية، كهاته التي يعرضها المحقق (هـ1 ص75).
-   ثانيها سياق الحديث: يدرك القارئ لرسالة أبي أحمد أنها عبارة عن محطات تأليفية، وككل تأليف عموما، يقتضي من الكاتب أن يقسم عمله إلى أجزاء ومراحل، ليس مضطرا للكشف عنها، فيبقيها مضمرة في العمل، وفي نفسه، ولكن انكباب القارئ على النص قد يكشفها له، ويكشفها للمشتغل على النص مدة طويلة أكثر. وقد وقف المحقق على محطة من تلك المحطات، وأعطى لها عنوانا مقترحا (ص81)، وكان متناسبا مع بداية النص: "وسأذكر في هذا الموضع صدرا من الفصول المختارة"، فعمد المحقق إلى توثيق سياق هذا الجزء، أولا بالتعريف بمكانة الإيجاز في اللسان العربي؛ وثانيا بتقديم التوقيعات نموذجا لها؛ وثالثا بالإحالة على ما جمعه أبو أحمد العسكري ت382هـ من نصوص، شعرية ونثرية، اعتبرها مجسدة للإيجاز في عمل آخر له (المصون في الأدب)؛ وأنهاها أخيرا بتوضيح سياق العبارة عند المؤلف من خلال شرح كلمة "صدرا" (هـ46ص81).
-   ثالثها سياق الخبر: تأتي بعض النصوص الإيجاز مقدم لها بسياق معين، يزيد فهمها توضيحا عند القارئ، وتتضح أهمية هذا السياق حينما نستحضر وجازة الرسالة نفسها، واشتغالها على الإيجاز، وتقديمها لنصوص وجيزة، مما يجعل لكل كلمة إضافية في السياق أهمية كبيرة في توضيح مساق النص، وكشف دلالته، وإضاءة معناه. وقد أورد المؤلف نصا قدمه بالصورة التالية:
» فَمِنْ ذلك ما يُحكى أن أنوشروانَ وَقَّعَ إلى وُلاة الخراجِ: الخراجُ عَمُودُ المُلْكِ، وما اسْتُنْزِرَ بِمِثْلِ الجَوْرِ، ولا اسْتُغْزِرَ بِمِثْلِ العَدْلِ« (ص88).
ووثقه المحقق في الهامش 64 بقوله: في الصناعتين: كتب إلى عامل له على الخراج، وقد رفع عليه تحامل على الرعية، وعلق أبو هلال بقوله: فهذا الكلام في غاية الجودة والوجازة (ص197).
ومهم هذا لتوضيح من جوانب:
أولا أن أبا هلال تلميذ أبي احمد، ولا بد أن بينهما مشترك معرفي واسع، منه هذا النص.
- ثانيا أن أبا أحمد يتحدث عن التوقيع، وأبا هلال يتحدث عن الكتابة (الرسالة).
ثالثا أن السياق واضح أكثر عند أبي هلال من خلال قوله: "وقد رفع عليه تحامل على الرعية"، ليجعل الداعي إلى المكاتبة هو تشكي الرعية منه، وبالتالي تُرجَّح المكاتبة وليس التوقيع، وليجعل الخطاب مخصوصا بعامل، وليس موجها إلى جميع ولاة الخراج، مع أن التوقيع أصلا لا يكون للعموم، بل لفرد معين.
-   رابعا أنه أضاف تعليق أبي هلال على قولة أنوشروان، ليجسد صورة مِن تلقي أهل القرن الهجري الرابع لهذا النص، وأمثاله.
-   رابعها سياق الفكرة: تأتي فكرة موجزة عند علم من الأعلام، ولكنها هي في الأصل قضية كبرى عند صاحبها، ولها وجاهتها إذا ارتهنت بشرطها الثقافي، ومناخها الفكري، ووُضعت في محلها من فكر صاحبها، مما قد يخفف درجة الصدام، ويحيلها إلى انتعاش وتعايش، هدفه تنويع الأفكار وإغناؤها.
وقد تحقق هذا حينما عرض المؤلف لموقف أفلاطون من الشعر، فقال:
 وكان أفلاطونُ يَغُضُّ مَنْ يقولُ الشِعْرَ، ويقول في ذمِّه:
   إنَّ الشاعرَ مُصَوِّرٌ للسَّمعِ، والمُزَوِّقُ مصورٌ للبَصَرِ (ص89).
- ووثق المحقق سياق هذه الفكرة المزعجة للقارئ العربي، الذي تأسس عقله منذ القدم على أن الشعر براعة عربية، وإبداع إنساني رفيع الدرجة لا يضاهيه إبداع آخر، قال: ومع موقف أفلاطون من الشعر نجد في محاورته فيدروس، يضع الفلاسفة في أول مرتبة، ويضع الشعراء في المرتبة السادسة مع الرسامين. ومن المعروف أنه هاجم الشعر والشعراء، ينظر: النقد الأدبي الحديث: د. محمد غنيمي هلال، ص 23-28 (هـ71 ص89).
فسهل الأمر حينما توضح للقارئ أنها وجهة نظر فيلسوف غير عربي، يجعل الفلاسفة، جنسه الفكري، في المرتبة الأولى، والشعراء مع الرسامين في المرتبة السادسة، ويحصر مجهودهم في التصوير. وبهذا التوثيق لسياق الفكرة، يمكن أن نقدر ثقل الهم والصدام الذي أزاحه التوثيق عن صدر وعقل القارئ.
إن التوثيق لسياقات القول: تأليفا وحديثا وخبرا وفكرة، له من الأهمية القصوى المنورة لبصر القاري، والآخذة بيده، مما يجعله لونا من ألوان التوثيق، الذي قصد إليه الدكتور عباس أرحيلة، وتميز به، وبرهن على أهميته، في إضاءة القراءة، وتوجيهها التوجيه الصحيح، وجعل عمله هذا دعوة صريحة إلى التزام المحققين به، وجعله خطوة أساسية من خطوات التحقيق، التي إن أحسن استعمالها، وحالفها لتوفيق: كان لها الأثر البالغ في إضاءة النص، وتقريبه من القارئ، وتسهيل إدراكه.
12-  التواضع:
من أراد الله له وجاهة في الدنيا والآخرة جمله بالتواضع، ولا يُزيّن علم العالم إلا بتواضعه، ولا يشينه إلا ترفعه وكبرياؤه، والمتكبر ممقوت عند الله ورسوله وأبناء أمته، مهما كان شأنه، ومهما بلغ علمه. محفزي إلى هذا الكلام ما أشهد به، ويشهد به غيري، وشهادتي متواضعة أمام حشد معارفه ومكانتهم وجلالتهم، على التواضع العجيب الذي أسكنه لخالق الكريم في شخص هذا الرجل: عقلا وروحا، علما وسلوكا، وهو ما يدفع إلى الاطمئنان إليه حينما يترجمه في أعماله، من خلال أقوال وعبارات يكتبها. ومبرر هذا الكلام ليس لحشو والإفراط في الثناء، إذ ليس من طبعي، ولكنه الاعتراف بالفضل، وإقرار الحق، والترفع عن الترهات والزخارف؛ ويزكي هذا ما لمسته في أسلوب الرجل من عمل يرس المجهودات الجبارة ولا يُجاهر، ويهيئ للمشاريع العظيمة ولا يُفاخر، وينجز الأعمال البارعة ولا يكابر. وقد آمنت بهذا وتحققته أيضا، ووجدت عليه أدلة في العمل التحقيقي، كانت تنفلت من الرجل، وهي تأتي منه سجية، ولا يدري أنه سيأتي يوما من يترصدها، ويكشفها، ولو درى ذلك لتجاوزها، ووجد سبيلا آخر إلى إيصال هذه الجزئيات إلى القارئ، دون أن "يفضح" تواضعه، ولن تعدمه وسائل التجنب، وهو بارع فيها مع البشر، فكيف مع الأفكار؟!
ومن ملامح التواضع في العمل المحقق:
أ‌-  أنه لم يجعل اكتشافه للمخطوطة، وحصوله عليها، وإخراجه لها، إنجازا عمليا "مهما"، تقوم له الإرادات دون أن تقعد، كما يفعل الكثيرون غيره.
ب‌- أنه لم يسفه عمل من أخرجوا الرسالة قبله.
ت‌- أنه لم يعتن بإبراز جهده في إخراج النص، وعمله في التحقيق، ولم يهول كثيرا أثناء عرض الصعوبات التي اعترضته، والعقبات "المضنية" التي عاقته، ويعلي من تصوير المجهود المبذول قياسا على ما تقدم، ويضخم من العقبات المذللة، مما تعج به الكثير من مقدمات التحقيق، بل وصف عمله في بساطة المتواضع.
ث‌- أنه لم يحش حواشيه بالكلام الزائد، والمعلومات المستفاضة، والتوسعات التي لا داعي لها، مما يُنبئ عن تعالم مرضي، يخبر بخبث مبطن عما لم يُسأل عنه.
ج‌- أنه جمع مواد كثيرة في الهامش الواحد، بلغت أحيانا ثلاث مواد، مما يُحوَّل إلى عدة هوامش عند غيره، ممن يقيسون الجودة بالتراكم الرقمي؛ فمن الهوامش التي حوت ثلاث مواد، نجد مثلا: ومن الهوامش التي حوت مادتين، نورد:
ح‌- أنه أتى بعبارات ضمن هوامش لمتن المحقق ـ وبصورة غير مقصودة ـ فيها من تواضع العلماء، واحتراز الخبراء، وفطانة النبهاء، ما نحن مدعوون إلى الوقوف عليه وتقديره، دون أن يكون هو ملزما بالإفصاح عنه.
فمن أمثلة تواضعه:
الإقرار بعدم العثور على اسم علم معين، وبعدم المعرفة به، يقول: "مُطَلِبُ العَرائي لم أعثر عليه" (هـ 54 ص 86).
الإقرار بعدم الوقوف على ترجمة علم معين بعد الوقوف عليه في مصدر آخر لأبي أحمد العسكري نفسه (المصون في الأدب)، وبعد تصحيح اسمه منه يقول: "ولم أعثر له على ترجمة" (هـ89 ص93). والشأن نفسه بالنسبة لإبراهيم بن حُميد الكلاباذي أو الكلابازي، وبعد تصحيح اسمه المحرف (الكلاري) من مصادر أخرى (التصحيف والتحريف)، يقول: "ولم أعثر له على ترجمة" (هـ105 ص96).
ومن أمثلة تحرزه:
عدم القطع بالجواب: يورد المحقق اسما لا يعرفه، ولا يعثر عليه، فيقول: "ولعله محرف" (هـ ص86). وبالمثل يورد اسما لايعرفه ( إبراهيم بن حُميد الكَلَّارِي)، ولكنه يعثر على تصويبه (الكلاباذي أو الكلابازي)، من مصادر أخرى (التصحيف والتحريف)، ومع كل هذا يحترز، ويقول: ولعله إبراهيم بن حُميد الكلاباذي أو الكلابازي (هـ105 ص96).
13-  من حق العلم علي:
انطلاقا من هذه النقط التي عددناها، كان مجهود الدكتور عباس أرحيلة في تحقيقه هذه الرسالة؛ ولكن ليسمح لي ـ وأنا أحد طلبته ـ أن أسجل بعض ملاحظات بسيطة عليه، أتمنى أن يحالفها التوفيق، ويوجبها إخلاص التلمذة، ولا تنتقص من المشيخة. وقول الحق، ولو في النفس، من الأخلاق الحميدة التي شجعني عليها أستاذي، كغيري من طلبته، ولا أجد مسوغا لكي لا أمارسها، متى استوجب الأمر، وها قد استوجب، لأقول:
  ولكن هل معنى هذا أن النص المحقق الذي نحن بصدد الوقوف عليه، خال من أي نقص؟
لا يقول بذلك إلا واهم، إذ الأمر رهين بمجهود بشري، وكيفما كان منتوج البشر، فهو لا يخلو من خلل وهفوات. وانطلاقا من هذا الإدراك لا يتوجب على الراصد للأعمال البشرية أن يجعل نصب أعينه مكامن الخلل والعيب، بل ينبري بالدرجة الأولى إلى جوانب التوفيق فيبرزها، ويثني عليها خيرا، ولينصف المجتهد مصيبا، قياسا على حكم من خلقه، ودرى خبيئة نفسه، ثم يختم بالوقوف على الخلل للتنبيه عليه، والدفع إلى تجنبه مستقبلا من لدن القائم بالعمل، أو غيره؛ ولينصف المجتهد المخطئ، بكون ذلك لا ينقص إحسانه. انطلاقا من هذا المنظور نرى في هذا العمل بعض الهفوات البسيطة، التي لا تعدم مسبباتها، ومن أبرزها: طبيعة النصوص القصيرة، والرسائل الصغيرة، وما تفرضه من صعوبات أثناء التحقيق، وهي ناجمة عن اختصارها وتكثيفها، وطبيعة النصوص التي تستشهد بها، وطريقة التدخل في سياقة الخبر، والتصرف فيه بالحذف والابتسار، والتخفف من سنده... وغيرها.
ومن جملة الملاحظات ما يتعلق بـ:
أ‌-     إخراج النص:
- هناك عنوانان [فصول كتابية ـ الفصول الكتابية]، كُتبا بخط مضغوط، وأتيا بعد العناوين المقترحة من لدن المحقق، ولم يوضعا بين معقوفين، فهل هما من اقتراح الأستاذ؟ ولا معنى لتوالي العنوانين؛ أم هل هما من مخلفات النشرات السابقة؟ وقد كان الأمر يستحق توضيحا في الهامش. 
إن إخرج الفقرات، وخاصة في الأجزاء الأخيرة من الرسالة، التي حوت نصوصا قصيرة كثيرة، تحتاج إلى مراجعة لضبط الرجوع إلى السطر، وبداية الفقرة (مثال: ص 97 السطر 5).
ترددت عبارة قال الشيخ ، وقد كان يجب التنويه إلى أن الرواية هنا عن أحد تلامذته، ولا يُستبعد أن يكون أبا هلال، وكان الإخراج يستوجب إفرادها عن النص، وكتابتها بخط مضغوط، لأنها ليست أصلية في النص، بل هي شكل من أشكال السند.
ب‌- علامات الترقيم:
استعمل الأستاذ القوس والمعقوف، وكان أحيانا يستعمل الواحد بذل الآخر، والضبط يوجب تخصيص كل واحد لاستعمال، يتم التواضع عليه مع القارئ، إما في مقدمة التحقيق، وإما في هامش يخصص لأول استعمال له.
وضع النقطة في آخر البيت الشعري، وهو مما يوجبه التصور النظري للبيت، باعتباره جملة منتهية، أو نصا متكاملا، وخاصة حينما يُجرَّد من سياقه. ولكن التعود على عدم كتابتها، الذي بني صورة جمالية لكتابة البيت في تلقي القارئ، يوجب التخلي عنها، ولم يُعمَّم الأمر في جميع الأبيات، بل حصل في الأبيات.
-      سقوط بعض علامات الترقيم:
·  القوس
·  المعقوف في الأشطر لتي تُلحق بمكملها، ليكتمل البيت (مثال).

ت‌- رصد الاختلافات: حين رصْد المحقق لبعض الاختلافات بين المخطوط والنشرات السابقة، تبين في بعض الحالات وجاهة الموجود في المنشور، وربما رجحه الأستاذ في الهامش، ولكنه اكتفى بذلك دون أن يُدخله في المتن المحقق. وهي حالات قليلة جدا لا تتجاوز الحالتين:
* الأولى
* الثانية
ث‌- الهوامش:
لم يكن رقم الهامش أحيانا يوضع في محله، فيأتي إما متقدما أو متأخرا عنه، ()، ولقد كان السبب الرئيسي في هذه الظاهرة لحرص المحقق عل تقليل أعداد الهوامش، وتكثيف محتوياتها، وجمع أكثر من مادة في الهامش الواحد، مما سبب هذا النوع من التشويش، وإذا كان التوسع مزيلا له، فأنعم به وأكرم.
-   تحتاج الهوامش أحيانا
ج‌-  الزيادات:
ح‌-  الأخطاء البسيطة في الشكل

خلاصة وتركيب:
كانت لنا وقفة مع " الدكتور عباس أرحيلة ـ خطوات في مجال التحقيق: المجهود والمنهج "، التي اقتصرت على تناول عمل من أعمال التحقيق لديه ـ رسالة في التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم ـ ويبقى التناوال محدودا وجزئيا، ما لم يتناول إنجازات الدكتور عباس أرحيلة في مجال التحقيق، وقد وضع بين يدي القراء وحتى الآن، عملين آخرين، ينضافان إلى هذا، وهما:   ؛ وما لم يُنظر في مشاريعه التي ما زال لم يُخرجها؛ وما لم يُنظر في مناقشاته وتعليقاته على أعماله الإشرافية، من خلال تحقيق الرسائل، في إطار دبلوم الدراسات العليا، أو الماجستير، أو الدكتوراه؛ وما لم يُنظر في كتاباته ومقالاته حول أعمال التحقيق، التي وقف عندها، مما يمكن استيعابه في مستقبل الأيام، ليوسع هذا البحث من أجل احتوائه.
ولكن ماذا كشفت لنا هذه الوقفة ـ على جزئيتها ومحدوديتها واقتصارها ـ من شخص المحقق الدكتور عباس أرحيلة؟
لقد قدم هذا العمل (الدكتور عباس أرحيلة – خطوات في مجال التحقيق: المنهج – والمجهود) مجهود المحقق الدكتور عباس في مجال  التحقيق، على أنه عمل ممنهج محكم، ينطوي على خبرات، وتمرس بمجال التحقيق، حصلتها قراءات كثيرة، وجولات واسعة، وتتبع لأعمال المحققين الكبار، من مستشرقين يستقرئ منهجهم، ويتابع أعمالهم، وتخبر ألوانهم، وتتبع بالإجلاء والكشف، وربما الفضح، ومن محققين عرب كبار، أمثال: من ظل ينوه بذكرهم، ويفتخر بالقراءة لهم، ويثني على أعمالهم ومجهوداتهم، ويتابع المطالعات والمراجعات حول أعمالهم. كما كشف هذا العمل عن شخصية المحقق، وطريقة عمله؛ وإخلاصه فيه وتفانيه؛ وضبطه وتيقنه مما يخطط له، ويقوم به؛ وتصوره للعمل على أنه إضافة وإغناء في سبيل التطوير والنهوض بالفكر، لا تكرار وتراكم، وملء للبطاقات الشخصية بالعناوين؛ وتصميمه وصبره على مغالبة عقبات البحث، وإرضاء ضميره العلمي؛ وصدقه وصراحته فيما يواجهه ويعانيه؛ واعترافه بالجميل والفضل لذويه، مما يجمل أن يتزين به العالم الحقيقي، لا المتنطع المدعي؛ والتطلع إلى الأفضل؛ وإيمانه برسالته، وخدمته للعلم، بجهده ووقته وراحته وروحه، بما نرجو من الله أن يكافئه عليه، وأن يثقل كفة حسناته بثوابه؛ حبه للعربية وأهلها ثقافة ولغة وعقيدة، وإيمانه الراسخ بأن نهوضها رهين بالمجهود الفردي، والإخلاص لهذه الروح، قبل أي اعتبار آخر؛ إيمانه العميق بعقيدته، ومنهجياتها، وأسليبها، وحرصه على ترسم خطواتها معتقدا وعملا، وشريعة وتطبيقا.
رابعا: شهادة في حق الرجل
ينتهي بي الكلام إلى ما انتهى إليه، وفي النفس بقية طماحة، وأنا مضطر لإيقافه حول هذه الورقة، وحول هذا الجانب في حياة هذا الرجل العظيم القدر، الأحق بالثناء والشكر، لأن البحث حوله يُفني الأقلام ولا يَفنى، ويُضني الباحث ولا يَضنى، وأطلق العنان لجانبي الإنساني، لأني لا أريد أن أنزل من أعلى هذه المصطبة وفي نفسي شيء ـ ولا أقول ما يقوله الناس عادة ـ من إنَّ، لأن سيدي عباس فوق عادة هذا الزمان وأهله، وأساتذته، ولكن أقول: وفي نفسي شيء من إنَّـا. هذا الرجل الذي إن وقفنا اليوم لنفني فيه بعضا مما بذره فينا، نحن طلبته وزملاءه وأحبته وأصدقاءه ومعارفه ـ فلا نزيد من حقيقته شيئا، لأنها جوهره، وإنما نصقل حقيقتنا؛ ولا نشرفه وإنما نتشرف بوفائنا؛ ولا نزيد علمه وإنما نستزيد منه علمنا؛ ولا نرفعه بقدر ما نرفع من قدرنا.
ولقد حباه الله بخصال، والسعيد من مخلوقاته من يتحلى بها فرادى، ولكنه سبحانه ساقها إليه مثنى وثلاثى ورباع: علم نافع، وعمل جامع؛ صدق باهر، ووفاء نادر؛ طيبوبة وبشر ودعابة، لطف ورقة وطلاقة؛ سعة نفس وفكر وصدر، وقوة شخص وموقف وصبر؛ نفسه نفس تعمرها الطمأنينة ويشيدها اليقين، وقلبه قلب ينبض محبة ويدفئه الحنين؛ وفكره فكر يوالي تدفقا ويملأ الصفحات، وسعيه سعي يخطو ترفقا ويراكم الحسنات.
    إن هذا الرجل الذي نعزه جميعا، قد جعله الله لنا اليوم آية من آيات خلق الله، ليتعظ المتعظ، وليعتبر المعتبر، ولينكأ أنف المتكبر، ويصفع خد المتصعر، ويقذي عين الحاسد، ويحرق نفس الحاسد، ويخسئ المداهن، ويخزي المصانع، حينما جعله دليلا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل. فما هذا الحضور الدفيء، والجلوس الهنيء، والوجوه التي تطفح بشرا، والعقول التي تقدح نورا، والصدور التي تنبض حبا، والنفوس التي تزداد قربا، إلا دليل على هذا الحديث وآيته سيدي عباس. فما يجمعنا به اليوم شيء، ولا سلطة ولا رابط غير رباط الله والعلم والحب، والطيبوبة التي زرعها فينا، والإيمان الذي رسخه في نفوسنا، والعلم الذي نماه في نفوسنا، والوفاء الذي غرسه في طبائعنا.   
    فبارك الله فيك سيدي، وأدامك لنا آية من آياته ، بهديك نهتدي، وبقدوتك نقتدي، وحفظك في علمك وذريتك، وصانك لطلبتك وزملائك وأحبتك، إنه السميع المجيب، المطلع الرقيب، يبديء ويعيد، فعال لما يريد، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
تصميم البحث:
تمهيد
أولا: صور حضور التراث في علم وعمل الدكتور عباس أرحيلة
أ ـ دواعي وملامح الاهتمام بالتراث:
 1 – ما له صلة بقضايا التحقيق – 2 – اهتمام بأعمال خاصة – 3 – ما تناول ظاهرة أو شخصية – 4 – ما اهتم فيه بقضايا خلافية – 5 – انشغاله بظواهر إشكالية كبرى
ب – مناقشة رسائل في مجالات تحقيق التراث
ج – إسهامه في تحقيق التراث
ثانيا: رسالة التفضيل بين بلاغتي العرب والعجم
1 – تقديم الرسالة
2 – منهجه في التحقيق: أ – العنصر الأول: المقدمة - ب – العنصر الثاني: تقديم الرسالة:  - بين أبي أحمد وأبي هلال - الرسالة: موضوعها وقضاياها.
ثالثا: منهج التحقيق
أ – تقديم المنهجية
1 – النسخ المعتمدة في التحقيق – 2 – الإخراج – 3 – التصحيح
ب – تطبيق المنهجية - 1 - إخراج النص – 2 – شكل النص – 3 – علامات الترقيم – 4 – رصد الاختلافات – 5 – وصف الخط – 6 – الزيادة – 7 – الشرح – 8 – التعريف – 9 – الهوامش – 10 – التوثيف: – توثيق المؤلف بغير إحالات  – توثيق الإحالات في المتن المحقق
11 – توثيق السياق - 12 - التواضع – 13 – من حق العلم عليّ
خلاصة وتركيب
رابعا: شهادة في حق الرجل


ملاحظة: ألقى د. المختار النواري هذه الكلمة مختصرة بمناسبة تكريمي بكلية الآداب بمراكش بتاريخ 6 – 7 مايو 2010م، في ندوة دولية في موضوع: قراءة التراث اللغوي والنقدي عند العرب: المنهج والآليات – كلية الآداب، كلية الآداب والعلوم الإنسانية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق