الخميس، 17 سبتمبر 2015

منهج عبد الله كنون في تفسيره: (تفسير سور المفصل من القران الكريم)


عباس أرحيلة

أولا: كلمة عن أحد رواد الإصلاح في المغرب

عبد الله كنون ( 1326- 1410هـ/ 1908- 1989م ) أحد بناة النهضة الحديثة من أجل التحرّر من الاستعمار العسكريّ والفكريّ على السواء. وأحد رواد النهضة المغربيّة الحديثة وطنيّةً وعلماً وأدباً. وهو عالم مغربيّ تمثل الحركة الإصلاحيّة في العصر الحديث في كل أبعادها، عايش الهجمة الاستعماريّة على المغرب، فكان من دعاة الإصلاح، الذين هبوا لتأصيل العقيدة ومحاربة الجهل، وإحياء التراث المغربي وإبراز جانب ( النبوغ ) فيه[1].

وبالرغم من أنّه لا يحمل مؤهِّلاً علميّاً، مما تعارف عليه الناس اليوم؛ فإنه أنشأ المعهد الإسلامي في طنجة وتولّى إدارته سنة 1953م، وامتدت شهرتها إلى المشرق، وأصبح عضواً في المجمع العلميّ العربيّ بدمشق سنة 1955م، وعضواً عاملا ممثلا للمغرب في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة سنة 1961م، وقيل إنَّ أول موضوع ألقاه بمجمع اللغة العربيّة بالقاهرة، كان بعنوان: «أثر المعرب في العلم واللغة». وظلت شخصية هذا العالم الجليل متنوِّعة العطاءات، متعدّدة المواقف.

وكان عبد الله كنون بحق أحد رواد النهضة المغربيّة الحديثة: جعل بيته مدرسة، وخزانته منبعاً لطلاب لعلم، وجه الأنظار إلى التحدِّي الحضاريّ، ورسم خطة المواجهة في التمسك بالعقيدة الإسلاميّة باعتبارها منهج حياة، ومناط عزة ومناعة. وهكذا جند نفسه لتصحيح المفاهيم، وترسيخ الشعور الدينيّ في النفوس والعقول. وفي إطار نزعته الإصلاحيّة وضع تفسيراً، شأن بعض المصلحين في العصر الحديث.

لم تكن حظوظ المغاربة واسعة في حركة التفسير التي شهدها القرن العشرون وذلك لعدة عوامل تسببت في  تأخر النهضة الفكريّة في هذا الجناح من الغرب الإسلاميّ. ولا نجد من التفاسير المطبوعة سوى تفسيرين: (تفسير سور المفصل من القران الكريم ) لعبد الله كنون، و(التيسير في أحاديـــث التفسير) لمحمد المكيّ الناصريّ (1324 – 1414هـ/1906 – 1994م). وكان إلى جانب تفسير عبد الله كنون هذا، تفسيره لسورة يس، وتحقيقه لكتاب «التيسير في صناع التفسير» لأبي بكر الإشبيلي.

فماذا عن منهج الأستاذ كنون في تفسيره لسور المفصل من القرآن الكريم، وما هي الوجهة الإصلاحيّة التي بثها فيه؟

ثانيا: جانب المنهج في تفسيره (مع المقدمة)

1- مقاصده من وضع هذا التفسير:

حدَّد الأستاذ عبد الله كنون في مقدمة تفسيره مقاصده، ومنهجه في الكشف عن مراد الله تعالى. وقد اعتبر تفسيره تجربةً بل تطبيقاً لفكرة طالما راودته، وهي وضع تفسير مختصر يدرك به الشخص العادي الخطاب الإلهي على سبيل الإجمال. ولهذه الغاية وضع تفسيراً سهل العبارة، قريباً من الأذهان، خالياً من الاصطلاحات العلميّة والأقوال المتعارضة.

وحدد مقاصده في ثلاثة أسس، هي:

أ -  تصحيح عقيدة التوحيد وتطهيرها من الشوائب.

ب -  تزكية النفوس بالأخلاق الفاضلة والقيم العليا.

ج -  إعداد المسلمين لقيادة الإنسانيّة إلى ما فيه صلاح معاشها ومعادها.

وهذه الأسس الثلاثة هي التي قامت عليها دعوة الإسلام، وهي أساس كل حركة إصلاحيّة. وكان هذا هو تصوره في وضع تفسير لخدمة عقيدة الإنسان في معترك العالم المعاصر.

أشار الأستاذ كنون إلى النزعة الإصلاحيّة في تفاسير بعض المعاصرين من قادة الإصلاح، وذكــــــر أنَّ نفسه تعلقت بتفسير محمد فريد وجدي ( 1878 – 1954م) إذ كان يعتبره أحد القادة في نصرة الإسلام بالعلــــــم، ولما اطلع عليه لم يجده موافقا لتصوره. ووجد أنَّ كلا من الشيخ محمد عبده في تفسيره لجزء عم، والشيخ عبد القادر المغربيّ (ت1956م) في تفسيره لجزء (تبارك)[2]، قد أطالا النفس في الشرح والبيان.

2 - ولماذا اختار كنون المفصَّل؟

والمراد بالمفصل ما قصر من السور، وتمتد هذه السور على الراجح من سورة الحجرات إلى سورة الناس، سمي بذلك لكثرة الفصل فيه بين السور بالبسملة، وقيل لقلة المنسوخ منه، ولهذا يسمى بالمحكَم أيضا، ومعظمه من المكي. وأقسام المفصل ثلاثة:(طوال) من الحجرات إلى عبس و(وسط) من عبس إلى الضحى و(قصار) من الضحى إلى الناس[ 7] [3].

3 - ولماذا هذه التجربة مع قصار السور ؟

يحدد الأستاذ كنون دواعي وضع هذا التفسير في النقاط الآتية :

أولا: لقصرها، فتناولها أيسر من تناول السور الكبار، وإذا لم ينجح المفسر في الكشف عنها وهي تمثل سبع القرآن، فكيف يتأتى له أن ينجح في الكل ؟

 ثانيا: تدور أغراضها حول الدعوة الإسلاميّة، فهي تهم عموم المسلمين، وتقديمها  أولى.

ثالثا: بها يبدأ تعليم القران للصغار والكبار على السواء، وأكثرها مما يردِّده المسلم في صلواته، فلا بد أن يعرف تفسيرها قبل غيرها.

 رابعا: خلو المكتبة العربيّة من تفسير قصار السور، ومن الغايات العلميّة للأستاذ عبد الله كنون أن يقدم أول تفسير مستقل لسور المفصل، تفسيراً ليس بالطويل الممل ولا بالمختصر المخل، يتفرد به ويستقل بمزيته. يقول عن تفسيره: «وانفراده بهذه المزية، يجعل لنا عذراً في تفرُّده واستقلاله» [8].

4 - جانب الإعجاز :

يرى الأستاذ عبد الله كنون أنَّ نزول القران مفرَّقاً بحسب الوقائع، معجزة تضاف إلى معجزاته العديدة، واعتبر ذلك دليلا «على الرفق بالمؤمنين والتوجه الحسن اللائق بتنظيم حياتهم وصلاح معاشهم ومعادهم على مقتضى الدين الحنيف، والوحي السماوي المتتابع»  [8].

وحين توضع  الآيات القرآنية في نسقها التوقيفيّ الأزليّ، «تكون أكثر مناسبةً وانسجاماً وانتظاماً وَوُروداً في موقعها الذي كانت عليه قبل النزول، فسبحان الحكيم الخبير » [8] .

والأبعاد الإعجازية في النص القرآني قدم فيها هذا التفسير إشارات جديرة بالتقدير .

5 - أسلوب الخطاب في هذه السور:

حدد مميزات أسلوب الخطاب القرآني في سور الفصل على الشكل الآتي:

- قيامه على الإقناع، فهو «يعتمد الحجة البيانيّة والدليل العقليّ مع إثارة العاطفة والوجدان؛ بحيث لا يسع المتأمل في الآيات القرآنيّة الكريمة إلا الاقتناع والتسليم فكراً ونظراً ورضاً واطمئناناً» [9].

- اعتماده التهديد والوعيد، فأسلوب هذه السور يتميز بـ«السخرية من عقول المشركين والاستهزاء بآلهتهم، والتهديد والوعيد لهم بسوء المآل وعذاب جهنم، فالقارئ لها يستشعر الرهبة ويتزلزل كيانه، ويخشى على مصيره، ولا يقرّ له قرار إلا يؤمن ويصدق، فيستريح ضميره وتحلّ السكينة في قلبه»     [9].

- قوة العبارة وخلود هذه القوة، فقد «بقيت هذه السور بقوة عبارتها وجدالها؛ حجة على الكافرين؛ وإنذارا للملحدين في كل زمان ومكان» [9].

6 - المصادر التي اعتمدها :

 رغبة منه في اعتماد ما تقرر لدى السلف، من الارتباط بظاهر الآيات، وعدم صرفها عن وجهها فإنه اعتمد في الغالب، كما صرح بذلك، على التفاسير الآتية «وقد رتبتها كما ذكرها»:

جامع البيان عن تأويل آي القرآن: الطبري (310 هـ ).

- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: ابن عطية (542هـ ).

- مفاتيح الغيب: الفخر الرازي (606هـ ).

الجامع لأحكام القرآن:القرطبي (671هـ ).

- التسهيل لعلوم التنزيل لأبي القاسم بن جزي(741هـ).

- تفسير ابن كثير: إسماعيل بن عمر( 774هـ).

- تفسير الجلالين: المحلي(864هـ) و السيوطي(911هـ).

- الجواهر الحسان في تفسير القرآن: الثعالبي (875  هـ ).

فقد اعتمد هذه التفاسير للاستجلاء المعنى، وتبين المراد حين يشكل الأمر. «ويجب تقديم الآية بما يوافق العقل والنقل» [9].

فهو يحدد الإعجاز في الآية، من حيث ارتباطها بالوقائع وانتظامها، وبعد تحديد أسلوبها، يقدم الآية بما يوافق العقل والنقل. وعندما تتعدد آراء المفسرين، ماذا يفعل الأستاذ كنون؟ يقول: «وقد كانت لنا بغض الترجيحات والتوضيحات التي اعتمدنا فيها النظر عند تشعب الرأي» [9-10].

من ذلك أنّه وجد جل المفسرين لقوله تعالى ﴿إنَّ الذين فَتَنُوا المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لم يَتوبُوا [البروج:10]، قد شرحوا «فتنوا» بمعنى أحرقوا، فإن  (فتن) ترد في اللغة بمعنى أحرق، ولكن الأولى حمل هذا اللفظ على معنى الامتحان والتعذيب، لأنه إنذار لكفار قريش الذين كانوا يؤذون المؤمنين، ولا سيما المستضعفين منهم ويفتنونهم عن دينهم  [347] .

ثانيا: جوانب منهجية في تفسيره

ومنهجه في التفسير يعتمد على الجوانب  الآتية :

-1- تقديم نظرة شمولية حول السورة، تراه يقول مثلا عن (سورة الحجرات): وقد اشتملت هذه السورة على آداب عليا، وتعاليم إنسانيّة سامية، وسميت بأهم حادث من الحوادث التي نزلت فيها [11] .

-2- الإشارة إلى أسباب نزول الحجرات،«نزلت في الصديق والفاروق، وكان وفد بني تميم قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد من الوفد. وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس، فأدبهما الله تعالى بهذا الأدب الرفيع، وهو أنه لا ينبغي لهما أن يسبقا الرسول إلى الحكم، ولا أن يشيرا عليه، وهو لم يستشرهما»     (12).

-3- العناية بالقراءة عند الضرورة، كما فع في بداية سورة الحجرات: «لا تقدموا، بضم التاء ، وقرئ بفتح التاء».

-4- تفسير القرآن بالقرآن، يقول: «والقرآن بعضه يفسر بعضا، وهو في إجماله وتفصيله قمة البيان ومعجزة اللغة العربية» [360].

ثالثا: من مميزات هذا التفسير

1- ربط القرآن بالواقع والتمثيل له:

كانت عين الأستاذ كنون لا تفارق معترك واقع المسلمين، وهو يفسِّر القرآن، فهو حين يجد الدين الإسلاميّ يؤكد على الأخوة بين المسلمين، في الآية الكريمة:﴿ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون[سورة الحجرات: 10]، يرى الفرقة تمزق المجتمع الإسلاميّ وتجعله أشلاء، وأنَّ معنى الأخوة الذي «كثيراً ما وردت فيه  النصوص الشرعيّة، ومع ذلك فهو مضيَّع بين المسلمين اليوم، خصوصاً بعد أن اجتذبتهم التيارات الأجنبيّة مع الأسف»[17]. 

وفي حديثه عن أصحاب الأخدود في ( سورة البروج)، الذين «عمدوا إلى من عندهم من المؤمنين بعد أن أعجزهم صرفهم عن دينهم، فجعلوا لهم حفيراً في الأرض، وأجّجوا فيه ناراً وقذفوهم فيها. مثل هذا الحادث قد تكرر في العصور. وما فظائع ديوان التفتيش في إسبانيا الذي كان يحرق المسلمين عن الردة ببعيدة عنا»[346].

2- ربط التفسير بواقع البحث العلميّ :

جاء في (سورة القمر) ذكر لسفينة نوح عليه السلام، قال تعالى:﴿ وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مذكر [الآيات :13- 16].

أورد الأستاذ كنون قول قتادة في تفسيره لـ (ولقد تركناها)، بأنَّ الله أبقى سفينة نوح على الجُودِيّ - وهو الجبل الذي أرست عليه-، فعلق بقوله :

هو مما يدل على سعة أفق التفكير عند علماء الإسلام، ويشد أزر هذا القول هذه البحوث التي قامت تبحث عن سفينة نوح ببلاد تركيا في هذه الأيام، ووقفت منها على بقايا،  وغالب المفسرين يحملون الآية على القصة، فالضمير (تركناها) يعود عليها أي أنه ترك قصة نوح موعظة وذكرى لمن جاء بعده [76].

3- حاجة المسلمين إلى القرآن في عالمهم المعاصر:

ظل الأستاذ كنون يؤكد على ضرورة الاحتكام إلى القرآن في ضبط سلوك المسلمين، والحاجة إليه في شؤون عالمهم العاصر. يقول: «ولو اتبع المسلمون القرآن كما يجب ،لكانوا أرقى الأمم أخلاقا وأعلاهم آدابا" [13]. ويرى أنَّ السياسة الإسلاميَّة تتميز عن غيرها بكونها "مبنية على الرفق والعطف والمودة، لا على العنف والتحكم والاستغلال»[16].

ويرى أنَّ مبدأ العدل، كما أقره القرآن «ما زالت حتى الأمم المتحدة لم تصل إليه، فهي تدع الشعوب تتناحر، والقوي يأكل الضعيف، ولا تتدخل تدخلا فعّالا ولو بالوسائل السلميّة، ولذلك لم تتمكن قط هي ولا جمعية الأمم قبلها، من إقرار السلم العالميّ الذي إنما أنشئت من أجله»[16].

ويرى الأستاذ كنون أنَّ ما آل إليه أمر المسلمين من ذلة وهوان يرجع إلى انحرافهم عن منهج الله، ومخالفتهم إياه، وعدم التزامهم بأوامره ونواهيه يقول: «وما حلَّ بالإسلام وأممه ما حلّ من المسخ في الهمم والعقول، وتسلط الجبابرة عليهم والاستهانة بأقدارهم، إلا من إهمالهم لشأن القرآن وعدم قيامهم بدعوته وتعطيلهم لأحكامه، فحق عليهم الوعيد الذي كان ينزل على الكفار، ولا يستنقذهم منه إلا مراجعة سيرتهم الأولى، والتمسك بكتابهم العزيز»[149].

وعند قول الله تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [سورة الممتحنة:1]. لاحظ الأستاذ كنون أنّ هذه السورة الكريمة قد صدرت بالنهي عن اتخاذ الكفار، وهم أعداء الله وأعداء المؤمنين أولياء، لأنه لا ولاية بين مسلم وكافر ..[151]. وحذرت آيات من موالاة الكفار ومن مودتهم، لما لذلك من أثر سيئ في دين المسلمين ودنياهم، لكي ينزعج من يفعل ذلك منهم. وربما أفاء الكفار إلى أمر الله فتنعقد بينهم وبين المسلمين مودة حقيقية لا مواربة فيها ولا خداع [157]؛ إذ المنهي عن موالاتهم من الكفار هم المحاربون لا غيرهم، لقوله تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين [الممتحنة:8]. وهذا ترغيب في العدل والمعاملة الحسنة مع الكفار، إن لم يعتدوا ويقاتلوا. ومع الأسف فإنَّ سلوك المسلمين اليوم يخالف هذا الأمر الإلهيّ القاطع، ولذلك قذف في قلوبهم الرعب فأضاعوا فلسطين، وخسروا قضايا أخرى وكانوا هم الظالمين بترك ما أمرهم الله به من عدم موالاة الكفار[159].

4 - مراد الكفار في كل زمان ومكان القضاء على الإسلام :

في تفسيره لقوله تعالى﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون [سورة الصف 8]، يرى الأستاذ كنون أنَّ الكفار يسعون في كل زمان ومكان إلى محو الإسلام من الوجود، كما فعل كفار قريش وكما فعل الصليبيُّون في حربهم للمسلمين مدة قرنيين... وكما تفعل الدول الغربيّة اليوم في إصفاقها (أي إطباقها) على المسلمين، ومقاومة كل حركة تقدمية تظهر في بلد ما من  بلاد الإسلام، خوفاً من قوته وانتشاره وظهور حقيقته لشعوبهم الذين لا يزال الرؤساء الروحيُّون يصرفونهم بالكذب عنه، والكتاب والباحثون يصورونه لهم في أقبح صورة ويخفون محاسنه عنهم [167].

وهكذا نجد الأستاذ كنون في تفسيره يتوجه إلى واقع المسلمين في العصر الحديث، كقوله  «والمسلمون اليوم غارقون في بحر المعاصي، ولذلك ضربهم الله بعصى الذل، فلا يرفعها عنهم حتى يفيؤوا إلى أمر ربهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد»[43]. ويجد المسلمين في  غفلة عن منهج الله فيقول:«وأكثر المسلمين اليوم على هذا الحال، فإنهم خالفوا أوامر الله، وابتدعوا في الدين ما ليس منه، فأعطوا بذلك فكرة سيئة عن الإسلام للأجانب كانت من أكبر العوامل في ازدرائهم له وانصرافهم عنه، ومن ثم قال كثير من المصلحين إنّ الإسلام محجوب بالمسلمين» [134].

وتراه يتسرب إلى مثل هذه المعاني من خلال الأساليب البلاغيّة في القرآن. من ذلك تعليقه على قول الله تعالى: ﴿إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس [النجم:21]، فقد وجد أنَّ أسلوب الالتفات من خطابهم إلى الغيبة إشعار بالإعراض عنهم، لأنهم لكفرهم واتباعهم الظن وإيثارهم لهوى النفس، لا يستحقون أن يخاطبوا [62].

وفي الأخير، إنَّ هذا التفسير أودعه الأستاذ كنون نزعته الإصلاحيّة، إذا دعا من خلاله  إلى التغيير المنشود انطلاقا من السنة والكتاب، وضمنه رؤيته الإسلاميَّة التي يراها كفيلة بضمان العزة للمسلمين. وتفسيره دعوة إلى استيعاب منهج الله،  وإدراك أهمية هذا المنهج في بناء الحضارات. ولا يتأتَّى هذا البناء إلا بإصلاح ذات الفرد ومحاربة نزوع الشر فيه، والإحساس بالمسؤولية لدى كل واحد. والتفسير يشتمل على توجيه أنظار المسلمين إلى ما يحيط من أخطار، وما يعترضهم من تحدِّيات.

وقد أدرك الأستاذ عبد الله كنون خطورة (فَرْنَسَة) التعليم على اللغة العربيّة، غير أنه ظل متفائلا بأنّ تمسّك الشعب المغربيّ بعربيّته قد يحول دون إحداث أزمة في مسار ذلك الشعب. وواجه محاولة القضاء على جامعة القرويّين سنة 1957؛ بحجّة إدماج التعليم الدينيّ بالتعليم العام.





[1]  أصدر كتابه  الشهير" النبوغ المغربيّ في الأدب العربيّ" سنة 1938م.
[2]  عبد القادر بن مصطفى المغربيّ (1868 – 11956م)، من طرابلس الشام، وهو من أصول تونسية، كان عضوا عاملا في مجمع اللغة العربيّة بدمشق، وأصبح من أهل مجمعيْ العراق ومصر، وتفسيره لجزء (تبارك) حذا فيه حذو الشيخ محمد عبده في تفسيره لجزء (عم) – مطبوع : أعلام الزركلي:4/47
[3]   ملاحظة: الأرقام الواردة بين معقوفين تشير إلى تفسير الأستاذ عبد كنون - ط1 [ الدار البيضاء ، دار الثقافة 1981م].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق