الأحد، 20 سبتمبر 2015

نماذج من معاجم المعاني في التراث العربيّ


عباس أرحيلة
تمهيد:
بنزول القرآن باللسان العربي، لم تعد العربية أداةً للثقافة؛ بل أصبحت هي الثقافة؛ فظلت خالدة بخلود النّص القرآنيّ، وظل فهم النص القرآني لا يتمُّ إلا على هدى من أسرار العربية وطرائقها في الأداء.

فانصرفت جهود المسلمين إلى فقه العربية وضبط ألفاظها وتحديد معانيها، حتى يكون الاحتِكام إلى منطقها في محاولة معرفة مراد الله. وقد بيّن علماء الإسلام خطورة الجهل بمذاهب العرب في القول على تحريف المدلول في فهم النص القرآنيّ، ومقاربة معانيه، حتى قال الإمام الشافعي (204 هـ):"لا يعلمُ من إيضاح حمل علم الكتاب أحدٌ جَهِلَ لسان العرب"(1).
وهكذا وُضعتْ المعاجم العربية لتدوين متون اللغة وتحديد أبنيتها واشتقاقاتها واستعمالاتها؛ إشاعةً للغة القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين، وحفظاً للحضارة العربية، وترسيخاً لهُويتها. وداخِل تلك المعاجم انفجرت العلاقة بين اللغة والثقافة، وتشكلت مادة الثقافة العربيّة بأصولها ومضامينها وقِيَمِها الحضارية.
وقد تعدّدت أنواع المعاجم في اللغة العربية، واختلفت باختلاف مادتها، والهدف منها. وتوسَّعَ النشاطُ المعجميّ ليشمل معرفة متنوعة.
وهذه نماذج تراثية من معاجم المعاني في اللغة العربية:
النموذج الأول: معجم الألوان
هذا معجم صغير يتناول الألفاظ الدالة على الألوان في اللغة العربية؛ عُنِيَ فيه صاحبُه بجمع مسميات الألوان وتصنيفها؛ استناداً إلى استعمالاتها في الشواهد، وقام بترتيبها ترتيباً مُحكَماً.
أ – صاحب المعجم:
الحسين بن علي، أبو عبد الله، النَّمَريُّ، عاش بالبصرة، ولازَمَ ابن العميد بالريّ مدة، وتوفي سنة 385 هـ. ويتضح من عناوين كتبه، التي لم تصل إلينا، أنه عُنيَ بمعاجم المعاني المتعلقة بالخيل والذهب والفضة والِحليّ. فمن مؤلفاته: أسماء الفضة والذهب. وذكر له النديم في (الفهرست) كتاب اللمع (= الملمَّع) في الألوان، وكتاب الحلي، وكتاب معاني الحماسة(2).
ب – المعجم وموضوعه:
هو معجم في الألوان، عنوانه (المُلَمَّع)، حققته وجيهة أحمد السطل ( مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، مطبعة زيد بن ثابت 1396هـ/1976م). والأصل في التلميع تعدد الألوان، فالذي يُلوِّن الثوب قد يُلونه ألواناً شتى. والتلميع في الخيل أن يكون في الجسد بُقَعٌ تخالف سائر لونه، فيقال فرسٌ مُلَمَّعٌ؛ أي فيه بُقَعٌ تُخالف سائرَ لونه (3).
والمؤلف قصد بعنوان (الملمع) تحديد أنواع الألوان في الأسماء والصفات لدى الرجال والنساء، وفي الظواهر الطبيعية عامة.
وكتاب الملمَّع ينمّ عن اطلاع واسع على مصادر التراث اللغويّ عند العرب، جمع فيه صاحبه "بين ذوق الأديب في اختيار الشواهد، ودِقةِ اللغوي في تبويب أفكاره، وتنسيقها وتقصيها"(4).
ج – مع المعجم:
حَصَرَ المؤلف الألوان في خمسة أنواع: البياض والسواد والحمرة والصفرة والخضرة. وعقد لكل نوع قسماً يتكون من مجموعة أبواب. ففي القسم الأول تناول البياض، وبيّن صفات اللون الأبيض استناداً إلى شواهد من الشعر العربي:
يقال:" أبيض يَقَقٌ، وأبيض لَهَقٌ، وأبيض لَياحٌ، أبيض وابِصٌ، أبيض خالص وناصعٌ، أبيض صٌرَحٌ، ألبيض حرٌّ، أبيض هِجان، أبيض أبلج، أبيض أزهر، أبيض مغرب، أبيض أمْقَهُ"(5).
وعقد بابا لصفات الرجل الأبيض؛ فهو أحوَرِيٌّ، والغرانق: الشاب الأبيض، والأبلج: الأبيضُ الواسعُ الوجه(6).
وأسماء النساء البِيض: الرُّعْبوبة، والخرعوبة، والرقراقة(7). والعرب تدعو الأبيض أحمر. وسُميتْ عائشة أم المؤمنين  الحُميْراء لبياضها"(8).
وفي الحديث: بُعثتُ إلى الأسود والأحمر أي العرب والعجم؛ لأن الغالب على ألوان العجم الحمرة والبياض، وعلى ألوان العرب الأدْمَة والسواد.
سئل جريرٌ عن الأخطل فقال هو أوصفُنا للخمر والحُمْر، يريد النساء البيض(9).
وبعد أن تحدث المؤلف عن البياض في الرجال والنساء، ذكر صفات البياض في الخيول والجمال والأغنام والظباء والحيات والسُّحُب والجبال، والأحجار والنباتات والعسل والعنب والخمور والورود.
فالفرس مُغرَب، والجمل حَضارِ ( مبني على الكسر)، الجبل أعبل. والحصى: مرْو. والعسل: ضَرَب. والعِنب: مُلاحيّ(10).
وفي حديث المؤلف عن السواد سار على المنهج السابق فتناول:
-                                صفات السواد ( حالك، حانك، غيْهب، فاحم، غُدافي، مُدلِهِم...(11).
-                                أسماء الرجال والنساء السود ( الأدعج، الحَوْن، الدحامس، الحَلْكم...(12).
-                                صفات السواد في الكتيبة، في الفرس، الجمل، الضأن، القَطا، العُقاب، الحية، السحاب، الحبل، الحصى...(13).
وفي باب السُّمْرة تعرض في البداية لصفات اللون الأحمر، ولمسميات هذه الصفة في الفرس، والناقة، والنعجة، والجبل والأرض، والخمرة. ويلاحظ أن المادة الواردة في شأن الصفرة والخُضرة قليلة؛ إذ لا يتعدى الحديث عنهما معا ست صفحات.
       النموذج الثاني: معجم المصطلحات الفلسفية: رسالة الكندي
من أوائل معاجم المصطلحات الفلسفية في التراث العربيّ، نجد معجميْن: أولهما لجابر بن حيان (200 هـ) برسالته (الحدود)، وثانيهما رسالة الكندي الفيلسوف (252 هـ) برسالته (في الحدود والرسوم (14). والرسالتان أعيد نشرُهما معا ضمن تاب كتاب: (المصطلح الفلسفيّ عند العرب) للدكتور عبد الأمير الأعسم  ( منشورات الفكر العربي – بغداد 1984).
واعتبر د. عبد الأمير الأعسم رسالة جابر بن حيان أول معجم مُبَسَّط للألفاظ الفلسفية في تاريخ التراث العربيّ الفلسفيّ على الإطلاق. وقد بلغت المصطلحات في الرسالة 45 مصطلحا [ نشر هذه الرسالة أول مرة بول كراوس ضمن مختارات من رسائل جابر بن حيان، القاهرة 1935: ص97 – 114].
ثم جاءت محاولة الكندي الذي وضع بدوره معجما للألفاظ الفلسفية، وذكر محمد عبد الهادي أبو ريدة (الذي حقق رسالة الكندي أول مرة ضمن : (رسائل الكندي الفلسفية)، القاهرة 1950)، أن (في رسالة الحدود والرسوم) أول كتاب للتعريفات الفلسفية عند العرب، وأول قاموس للمصطلحات (...) وصل إلينا (14).
       ورسالة الكندي (في الرسوم والحدود) تُمثل انبثاق المصطلحات العربيّة في معترك الترجمة إلى اللسان العربي. وقد رافق هذا الانبثاق تأسيسُ المعارف الإسلاميّة العربيّة في مرحلة التدوين. وبدأت الدقة الكافية تتضح لتلك التعريفات الفلسفية، وبرزت معالم المعجم الفلسفيّ في اللغة العربيّة. واتسعت دائرة المصطلحات في رسالة الكندي؛ إذ حدّد 109 مصطلحات فلسفية منها 95 مصطلحا لم يُعرِّفْها جابر بن حيان؛ وذلك لأن مرحلة الكندي عاصرت ازدهار بيت الحكمة، وظهرت خلالها إنجازات هامة في الترجمة، وإن حام الشك كثيراً لدى الدارسين حول معرفة الكندي باللغة اليونانيّة.
       جاء في رسالة الكندي عن اشتقاق اسم الفلسفة: "وهو حب الحكمة(...) مركَّبٌ من فِلا، وهي مُحب، ومن سوفا، وهي الحكمة"(15).
 والحقيقة المقررة أن اسم فلسفة مركب من فيلوس وحكمة؛ إذ فيلوس هو المحب، وفيلو: حب. ثم إن الكندي قال: سوفا بدل سوفيا. وكان هذا أول تحديد لاشتقاق مصطلح فلسفة. وقد عرّب الكندي بعض الألفاظ الفلسفية، مثل: الفنطاسيا، وقاطيغورياس...
        ومن نماذج تلك التعريفات الفلسفية، نجد:
- " العقل هو جوهرٌ بسيطٌ، مدركٌ للأشياء بحقائقها"[ص190].
- " الصورة هي الشيء الذي به الشيء هو هو"[ ص191].
- "التوهم هو الفنطاسيا، وهذه قوة نفسانية ومدركة للصور الحسية مع غيبة طينتها. ويقال: الفنطاسيا وهي التخييل، حصول صور الأشياء المحسوسة مع غيبة طينتها"[ ص192].
هذه إشارة مقتضبة إلى معجم المصطلحات الفلسفية في مرحلة التأسيس، وبداية تداولها في الثقافة العربيّة. وهذه المصطلحات وإن تم ترتيبها دون مراعاة تصور محدّد في التصنيف، فإن رسالة الكندي تقدم في جوهرها معجما للمصطلحات ظل من أصول لغة الفلاسفة المسلمين.
فرسالة الكندي (في حدود الأشياء ورسومها)؛ تُعتبر من أوائل المحاولات المعجمية لتحديد دلالات المصطلحات الفلسفيّة في حقول معرفية متعددة: المنطق، الرياضيات، الطبيعة، ما بعد الطبيعة، النفس، الأخلاق... لقد واجهت مرحلة التدوين والترجمة إشكالات التعابير العلمية الدقيقة، وفي رسالة الكندي نجد ذلك لاستعداد للتفاعل بين ألفاظ العربية، والمعاني العلميّة والفلسفيّة الدقيقة(16).
       وواضح أن الكندي لم يكن أول من وضع تلك المصطلحات؛ إذ يبدو عليها آثار التداول والاستعمال والرسوخ في الدرس الفلسفي في زمانه. ومع غياب نصوص المترجمين الأوائل لا يستطيع الباحث الجازم بشيء.
        النموذج الثالث: المُشَجَّر والمُسلسَل ( تداخل الكلام بالمعاني المختلفة)
كان أول من انتبه إلى هذا النوع من التأليف في العصر الحديث مصطفى صادق الرافعي في كتابه: (تاريخ آداب العرب) (ط1911م)، حين تحدث عن (أنواع النمو في اللغة)؛ أي طرق الوضع التي سلكها اللغويون في إثراء العربية في كل أطوارها( عن طريق الإبدال والقلب، والنحت والترادف، والإشراك، والتضاد، والمداخلة بالتعريب، والتوليد)؛ فقد وجد الرافعي أن اللغويين استخرجوا "من الاشتراك في اللغة ومداخلة الكلام للمعاني المختلفة نوعا سموه المُشَجَّر، وبعضهم يُسميه المُسلسل(...)؛ وذلك أن يجيئوا بالكلمة المشتركة فيعتبرونها شجرة يُفرعون من معانيها المختلفة فروعا، ويسترسلون في تفسير الكلام على الوجه المشترك حتى تبلغ الشجرة مائة كلمة أو أكثر، وكلها متسلسلة من كلمة واحدة"(17).
       هذا، ونبّه إلى هذا النوع من المعاجم في العربية الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال؛ الذي تفرد بوضع معجم للمعاجم في الدراسات العربية الحديثة، استوعب فيه الحركة المعجمية، وعرَّفَ بالمخطوط منها والمطبوع، ورتبها ترتيبا لم يُسبق إليه. وجاء أُعجوبة تقف دونها مؤسسات البحث. وبمناسبة تكريم علامة المغرب الأستاذ محمد المنوني، قدم الأستاذ إقبال عرضاً بعنوان: ( طرائق في المعجم العربي)؛ تناول فيه معاجم المُداخِل والمُشَجَّر والمسلسل، وطريقة هذا النوع من المعجم؛ أن يُفتتِح المؤلف بابه بكلمة "ثم يُفسِّر معناها بكلمة ثانية، ثم يفسر معنى الثانية بثالثة، ثم يفسر برابعة، وهلم جرا، إلى أن يُغلِق الباب بكلمة تكون خاتمة له، ثم يستأنف الأمر في الباب الذي يليه"(18).
       فالقارئ لهذا النزع من المعاجم يتتبع سلسلة متداخلة من الألفاظ يجمع بينها معنى مشترك، يتنقل داخل المعجم العربي بدون سأم وهو يجني المعاني الدقيقة قابضا على الخيط الرابط بينها وهذا المنحى في التأليف المعجمي يقوي التفقُّه في العربية بإدراك خصائص العربيّة، وخصوبة ألفاظها ودقة معانيها. وهذا النوع من المعاجم يُسمى المُداخِل أو المُتداخِل أو المسلسل، وبقي من نماذجه:
       1 – (كتاب المُداخِل):
لأبي عمر محمد بن عبد الواحد، المُطرٍّز البغدادي، الملقب بغلام ثعلب، وهو من أئمة اللغة وحفاظ الحديث، توفي سنة 345 هـ، حقق كتاب المُداخِل الأستاذ محمد عبد الجواد، وصدر بالقاهرة سنة 1958.
       وهذا مقتطف منه: "...الشراب: الخمر، والخمر: الخير...والخير: الخيل، والخيل: الظن، والظن: القسم...
       2 – (شجر الدُّرّ في تداخل الكلام بالمعاني المختلفة): لأبي الطيب عبد الواحد بن علي الحلبي اللغوي (حققه أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، مطبعة النهضة، 1956).
وأبو الطيب هو الصاحب (مراتب النحويين)، ويُعد من المبرِّزين في علم العربية. توفي سنة 351 هـ.
       وعن سبب تسمية كتابه (شجر الدر) يقول في مقدمته: "سميناه شجر الدر؛ لأنا ترجمنا كل باب منه شجرة، وجعلنا لها فروعاً، فكل شجرة مائة كلمة، أصلها كلمة واحدة. وإنما سمينا الباب شجرة؛ لاشتجار بعض كلماته ببعض، أي تداخله، وكل شيء تداخل بعضه في بعض فقد تشاجر... ويقال: تشاجر القوم بالرماح واشتجروا بها، إذا تطاعنوا بها، لما في ذلك من المداخلة (19).
مثلا:
"والعين: الذهب، والذهب: زوال العقل، يقال: ذهب الرجل ذهبا؛ إذا تحيّر وزال عقله، والعقل: الشدّ... والشدّ: الإحكام، والإحكام: الكَفّ والمنع. والكف: قدم لطائر، والقدم: الثبوت، والثبوت: جمع ثبت من الرجال وهو الشجاع، والشجاع: الحيّة، والحية شجاع القبيلة (20).
        وشجَّر المؤلف كتابه ست شجرات جعل لها أصولا وفروعا مختلفة. مثلا هذه الشجرة الرابعة عن العين أي عين الوجه وفروعها الثمانية وهي:
1 – العين: عين الشمس، والشمس: شِماس الخيل، والخيل: الوهم...
2 – العين: النقد، والنقد ضربك أذن الرجل وأنفه بأصبعك، والأذن: الرجل القابل لما يسمع...
3 – العين: موضع انفجار الماء، والانفجار: انشقاق عمود الصبح...
4 - العين: عين الميزان ( أي ميل لسانه)، والميزان برج في السماء...
5 – العين: مطر لا يقلع أياما، ومطر: حي من أحياء العرب...
6 – العين رئيس القوم، والرئيس: المصاب في رأسه بعصا أو غيرها...
7 – العين: نفس الشيء، والنفس: ملء الكف من دباغ...
8 – العين: الذهب، والذهب زوال العقل، والعقل: الشدّ...(21).
       ولاحظ المحقق أنه لم يذكر فرعا للعين بمعنى الجاسوس.
وواضح هذا النوع من المعاجم يقوم على الاشتراك اللفظي حين تدل الكلمة الواحدة على عدة معان على سبيل الحقيقة حينا وعلى سبيل المجاز أحيانا، وبتعدد معاني اللفظة الواحدة يتمكن المبدع من إثراء عبارته ومعانيه، والقارئ من القدرة على التأويل.
       وصاحب شجرة الدر، لإغناء معجمه، اعتمد الاشتراك اللفظي وتسلسل المعاني وذلك بتفسير كل لفظة بأخرى، مع مزج الحقيقة بالمجاز، واستخدام الاشتقاق في الشرح والتفسير.
       3 – (المسلسل في غريب لغة العرب)
لأبي طاهر محمد بن يوسف التميمي المازني السرقسطي الأندلسي المتوفى سنة 538 هـ، وقد لاحظ التميمي في مقدمة كتابه أن العناية بعلم اللسان العربي تعود إلى كونه" لسان العلوم الشرعية والهادي إلى المعاني الأصلية والفرعية، بها يُتوصل إلى حقيقة معانيها، ويتسنم درج مبانيها، وعنها يُصدر التأويل وتتوجه الأقاويل، وأنه لا يوصل إلى معرفة كتاب الله تعالى، ومعرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلا بحفظ لغات العرب وأنحائها" (22).
       وقد ألفه حين لم يُعجبه (مداخل) المطرز المتوفى سنة 345 هـ، قال:" فاستنزرتُه لقَدْره، ولم أحظَ بهلاله فيه ولا بدْرِه، فرأيْتُ أنه رأىٌ لم يُسْتَوْفَ تمامُه، وغَرَضٌ لمْ تُقَرْطِسْهُ سهامُه، ولعله إنما ارتجله ارتجالاً، وجرتْ ركائبُه فيه عِجالاً، ولا أَقامَ وَزْنَه، ولا استقصى دُرَرَه؛ فَحَرَّكَني ذلك إلى صلة ما ابتدأ، وتمكين ما رسَمَ فيه وأنشَأ" (23).
       ويبدو أن التميمي وجد (مُداخِل) المطرزي دون المستوى، وكأنه تعجل به فلم يستوفه حقه، ولم يبلغ به هدفه. وحدد طريقته بقوله:" واقتضبت في ذلك خمسين بابا، افتتحت كل باب منها بشعر عربي ثم تمت الباب بمثل ذلك، وأوردت ما أمن من الشواهد على ألفاظه هنالك".
وهذا مثال من الباب السابع عشر:" الليل الشديد الظلمة: بهيم، والبهيم من الحيوان الذي ليس به شِيَّة، والشية: اللمعة من بياض أو سواد، والسواد: الجماعة: الملأ، والملأ: الخلق...(24).
وختاما،
فإن كل تطور تنشده الأمة ينطلق من اللغة؛ إذ هي أداة إنتاج الثقافة، وفي المعجم تتأصّل اللغة، وتتشكل ثقافة الأمة، وتتوحد وجدانيا وقوميا. وللمعجم العربي ذلك البعد الحضاريّ للثقافة العربيّة الإسلاميّة وذلك البعد الدينيّ الذي جعل المعرفة بالنص القرآنيّ لا تتأتى بغير حفظ لغات العرب، من هنا ظلت المعاجم العربيّة بأنواعها المختلفة خزانات لمعارف متعددة تتشكل منها هوية أمة بزخمها الحضاري، وما يزال كثير من محتويات تلك الخزانات مهملة.
(1)                                        الرسالة: الإمام الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، ص50.
(2)                                        الفهرست: النديم، ص119.
(3)                                        المعجم الوسيط [ مادة: لمع].
(4)                                        مقدمة التحقيق، ص (أ).
(5)                                        الملمع، ص9 – 26.
(6)                                        نفسه،27 – 28.
(7)                                        ص،31 – 32.
(8)                                        نفسه، ص34.
(9)                                        نفسه، ص34 – 35.
(10)                                  نفسه، ص26 – 59.
(11)                                  نفسه، ص60 – 66.
(12)                                  نفسه، ص66 – 71.
(13)                                  نفسه، ص71 – 84.
(14)                                  رسائل الكندي الفلسفية، حققها وقد لها وعلق عليها: محمد عبد الهادي أبو ريدة – ط1[ القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1950 – 1953]:1/164.
(15)                                  المصطلح الفلسفي عند العرب: د. عبد الأمير الأعسم – ط1 [ بغداد، منشورات الفكر العربي، 1984]، ص197.
(16)                                  ينظر: الكندي، مكانته عند مؤرخي الفلسفة العربية: أنطوان سيف – ط1 [ بيروت، دار الجبل، 1985]، ص71 – 109 – فيلسوفان رائدان: الكندي والفارابي: جعفر آل ياسين – ط1 [ بيروت، دار الأندلس، 1980]، ص208.
(17)                                  تاريخ آداب العربية: مصطفى صادق الرافعي، ضبطه وصححه وحقق أصوله: محمد سعيد العريان – ط23 [ القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، 1953] :1/194.
(18)                                  في النهضة والتركم  (دراسات مهداة للأستاذ محمد المنوني – ط1 [ الدار البيضاء، دار توبقال، 1986]، ص334.
(19)                                  شجر الدر، ص 61 – 62 – ط2، 1968 ].
(20)                                  نفسه، ص190 – 191.
(21)                                  نفسه، ص36 - 38
(22)                                  المسلسل في غريب لغة العرب: أبو طاهر التميمي، قدم له وحققه وعلق عليه: محمد عبد الجواد – ط1 [ القاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1957]، ص32.
(23)                                  نفسه، ص34 – 35.
(24)                                  نفسه، ص147.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق