الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

العلم بالعربيّة منطلقٌ للعقيدة في الإسلام



عباس أرحيلة
تمهيد:
وُضعت اللغات لدى شعوب الأرض لإقدارها على التّفاهم والتّواصل، وحَمَلَتْ اللغات رسالات رب العالمين إلى بني آدم على الأرض، وتمكَّن هؤلاء بواسطتها من تنظيم حركة وجودهم وتطوير مواهبهم، ولم يبقَ من اللغات التي تحمل كلامَ الله إلا اللغة العربيَّة.

واللغة العربيَّة حملتْ آخر تلك الرِّسالات، وأُريد لها أن تكون لسان الوحي الخاتم، وأن تستوعب دليل نبوَّة الإسلام، وأن تستصفيَ مضامين الرِّسالات السابقة، وتُهَيْمن عليها، وتنطوي على المنهج الذي ارتضاه الله لخلقه إلى يوم الدين. وهكذا جاء الوحي في الدِّين الخاتم في شكل نصّ لغويّ تميّز بمنهج في أدائه البياني تصِحُّ به الحياةُ على الأرض إلى نهاية الحياة البشريّة على الأرض.
أولا: منهج ينظِّم حركة الحياة
القرآن وحيٌ إلهيٌّ، منهجٌ يُنظِّم حركة الحياة منذ انبثاق الإسلام في جزيرة العرب إلى نهاية هذا العالم، منه ومن الحديث النبويّ الشريف تُستلْهَمُ أُسُسُ النظر في الألوهيّة والكون والأوضاع البشريّة على الأرض.
منهجٌ يُوجّه النزوع البشريّ على الأرض، ويتجاوب مع حاجيات الإنسان الماديّة والمعنويّة، وله قدرة على التجدُّد والصمود أمام التحوُّلات، مع تميزه بالانفتاح على كل مجالات المعرفة ممّا لا يتعارض مع مقاصده؛ ممّا ينفع الناس، وتستقيم به حركة الحياة.
ثانيا: خطاب محروسٌ بمعجزة بيانيَّة
والمنهج القرآنيّ خطاب لغويٌّ محروسٌ بمعجزة بيانيَّة. منهجٌ يقوم على دعامتيْن: لغة وفكر؛ ذلك أنَّ حضارة الإسلام تقوم على دين معجزتُه في طريقة تبليغه؛ إذ الأداء البيانيّ للقرآن الكريم هو ما يُستدلّ به على المعجزة؛ بحيث يقوم دليلا على نبوة محمَّد صلّى الله عليه وسلم، وحاملا لفحوى مقاصد الرسالة. ولا يُمكن إدراك هذه المقاصد إلا بفهم خطاب الرسالة؛ أي في ضوء أسرار العربيّة وطرائقها في الأداء البيانيّ.
ثالثا: خطاب يتجدَّد في الزمن
كيف يتجدّد نصٌّ لغويٌّ في حياة البشر، وهو على صورته الأولى لا يتغيّر منه حرف، كيف يُواكب التطورات وخطرات العقل البشريّ، ويتعايش مع الأهواء والأيديولجيات؟ كيف واجه ويُواجه محاولات إطفاء نوره في الأرض بأساليب شياطين الإنس والجن، منذ بداية نزوله إلى اليوم؟
لا شكَّ أنَّ لهذا النصِّ صيانةً من رب العزَّة، وأنَّ له من الخصائص الذاتية ما يضمن له الخلود والتجدّد؛ خصائصُ تُذكِّرُ دَوْماً بمصدره، وتجعله منبعاً ثرّاً لا ينضب؛ « متْلُوّاً لا يُمَلُّ على طول التلاوة – كما يقول ابن قتيبة ، ومسموعاً لا تَمَجُّهُ الآذان، وغضّاً لا يَخْلَقُ على كثرة الرَّدِّ، وعجيباً لا تَنقضي عجائبُه، ومفيداً لا تنقطعُ فوائدُه »[1].

رابعا: ضرورة الفقه بأداة الخطاب
ومن منطلق خلود النص وتجدُّده؛ تقرّر لدى علماء الإسلام أن فهم الرسالة؛ عقيدةً وشريعةً؛ يحتاج إلى فقهٍ بأداة الخطاب يُمكِّنُ المُخاطَب من إدراك حقائق التنزيل والوقوف على أسراره ودلائل إعجازه.
ولما كان الإعجاز يبقى في القرآن ببقاء النصّ؛ ضمِنت العربيةُ لنفسها الخلود، وأضحت محطَّ اهتمام المسلمين يعملون على جمعها وتدوينها وتنقيتها من الشوائب والدفاع عنها؛ فأصبحتْ علماً قائماً بذاته له أُسسه وضوابطُه. فلم يعد العلمُ بالعربيّة أداةً للثقافة بل أصبح جوهراً للثقافة.





[1]  تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة (276 هـ)، تحقيق: السيِّد أحمد صقر، ص3.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق