الأحد، 18 أكتوبر 2015

ابن الخشاب والكتب


عباس أرحيلة  
تمهيد:
أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب الحنبليّ البغدادي ( 492 - 567هـ): العالم اللغويّ النحويّ المحدِّث. من مشاهير مدينة بغداد في النحو، صار عند أهل زمانه في درجة أبي علي الفارسي فيه. لم يتزوّج قط ولا تسرَّى.
 والمثير في ترجمته عند ياقوت خاصة في (معجم الأدباء)؛ ما كانت عليه علاقته  بالكتب؛ كيف كان يجمعها، ويختارها، ويقتنيها، ويُؤلِّفها، ويُهملها...

1 –  كيفية جمعه للكتب
جمع كتباً كثيرة جدا. وكان يقتني الأصول الحسان منها. وقيل إنه لم يمت أحد من أهل العلم، وأصحاب الحديث، إلا وكان يشتري كتبه كلها، فحصلت كتب المشايخ عنده، وحصّل منها ما لا يدخل تحت الحصر.
وكان عنده صُفّة – سقيفة - عظيمةٌ ملأى جِزازاً ( جذاذات)ودفاترَ.
 وقيل في الآن نفسه، إنه كان لا يقتني من الكتب إلا أردأها صورة، وأرخصها ثمنا.
2 –  تعلقه بآلة العلم
ونتيجة تعلقه بكتب العلم؛ كان لا يخلو كمه قط من كتب العلم وأنواع العلوم. وكان بينما هو يمشي في الطريق يخطُر له قراءة شيء، فيجلسُ كيف اتفق، ويُخرج الدفاتر، فيطلع عليها.
 قال تلميذه الحافظ أبو محمد بن الأخضر: دخلت عليه يوما وهو مريض، وعلى صدره كتاب ينظر فيه، قلتُ، ما هذا؟ قال: ذكر ابن جني مسألة في النحو، واجتهد أن يستشهد عليها ببيت من الشعر فلم يحضره، وإني لأعرف على هذه المسألة سبعين بيتا من الشعر، كل بيت من قصيدة يصلح أن يُستشهد به عليها.
3 - شراؤه للكتب واستعارتها والضن بها
كان إذا حضر سوق الكتب وأراد شراء كتاب غافل الناس وقطع منه ورقة، وقال: إنه مقطوع ليأخذه بثمن بخس.
وقطُّ ما استعار من أحد كتاباً وردّه عليه. وكان إذا طلبه صاحبه منه يقول له: هو في هذه الجزاز، ومن يقدر على تخليصه منه؟ فييأس صاحبه ويسكت؛ أي أن الكتاب دخل بين الكتب فلا يقدر على إخراجه.
أمّا  إذا أرد أحد أن يستعير منه كتبه فإنه كان يضن بها.
4 – وباع داره من أجل الكتب
ذَكَر عنه ابن النجار (أبو عبد الله محمد بن محمود) أنه اشترى يوما كتبا بخمس مائة دينار، ولم يكن عنده شيء، فاستمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره، فبلغت خمس مائة دينار، فنقده صاحبها، وباعه بخمس مئة دينار، ووفى ثمن الكتب، وبيعت له الدار.
5 - كتُبه تعشِّش عليها الطيور
كيف هي عنايته بكتبه هذه؛ التي قيل إنه كان يقتني الأصول منها، وكان يضن بها؟ في صدر البيت الذي كان يسكنه، ألواح من خشب، مرصوص عليها كتب له، أقامت عدة سنين ما أُزيل عنها غبار... وقيل إن الطيور عششت فوق الكتب وفي أثنائها.
6 – وكيف هي مؤلفاته الخاصّة؟
قيل إن خطه كان في نهاية الحسن. وكان إذا كتب كتابا بخطه يُشترى بالمئين، وتتنافس عليه بواعث المستفيدين.
وكان ضيق العطّن ضجوراً، ما صنف تصنيفا فكمّله؛ من ذلك أنه شرح (اللمع) لابن جني فلم يتمّه.
وأغلب كتبه كانت في الردود على العلماء: هادية الهادية في الردِّ علي ابن بابشاد في شرح الجمل، كتاب الردّ على أبي زكريا التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق، كتاب ما غلط فيه أبو القاسم ابن الحريري في المقامات...
 ومن نوادره أنه لمّا صنف الكمال عبد الرحمن بن الأنباريّ كتاب (الميزان) في النحو، وعرض على ابن الخشاب، قال: احملوا هذا الميزان إلى المحتسب، ففيه عيب.
ولما مرض أشهد عليه بوقف كتبه فتفرقت وبيع أكثرها ولم يبق إلا عشرها، فتُركت في رباط المامونية وقْفاً.
تنظر ترجمته في:
-       انباه الرواة على أنباه النحاة: القفطي ( عليّ بن يوسف 664هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم – ط1 [ دار الفكر العربي، القاهرة، 1986م].
-       معجم الأدباء: ياقوت الحموي (626هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس – ط1 [ دار الغرب الإسلامي، بيروت،1993م] :4/1494 – 1507.
-       وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خَلكان ( أحمد بن محمد 681هـ)، تحقيق: د. إحسان عباس – ط1 [ دار صادر، بيروت، 1970م]: 3/102 – 103.
-       وتمّ استيعاب ترجمته في (ذيل طبقات الحنابلة) لابن رجب (عبد الرحمن بن أجمد 795هـ)، تحقيق: د. عبد الرحمن بن سليمان العثيمين – ط1[ مكتبة العبيكان، الرياض، 2005م]:2/242 – 262.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق