الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

مع كتاب (معجم المعاجم) لأحمد الشرقاوي إقبال (1927 – 2000م)


عباس أرحيلة
تمهيد:  
ممّا قيل في تكريم أحمد الشرقاوي إقبال، رحمه الله، سنة 1987:
قال مولاي إبراهيم الحاري رحمه الله تعالى:
إقبالٌ موسوعـةٌ تمشي على القدمِ           ودَيْـمةُ النُّبل تَسْقِي تُربَةَ القيَمِ
إقبالٌ نابغةُ الحمــراءِ ومُلهـمُها             وفذُّها الشـهمُ يُحيي دولةَ الشيَمِ
إقبالٌ في اللغة الفصحى منارُ هدىً       ما غـاب عن أُفْقه سرٌّ من الكَلِمِ

وقال الشاعر أحمد بلحاج آيت ورهام أمدّ الله في عمره:
 يا قامةَ الفصحى، وعينَ وجودها     مرحى، فجودُكِ عزةٌ ووِسامُ
أوقدتِ في جسد اليراعة رَقْصَةً     سحرتْ بياضَ الليل وهو غُلام
إلى أن قال:
شرفُ اللســـــان لم يَحْمِها                إلاَّهُ، فهو رسولُها المِقدامُ
يا صفوةَ الأسلاف.. يا فرَحَ السنا        ما أنتَ إلاَّ حجـة وإمــــــامُ
لو في بني الحمراء عِرَقُ شهامةٍ        لرأيتَ نُصبَك في السماء يُقامُ
وقال  الشاعر أحمد الدباغ أمد الله في عمره:
هذا النفيس الذي جئنا نُكَرِّمُه           فما له اليــومَ أمثالٌ وأشــبـــــــــــــــــــــــــــــاه
تجسَّدتْ فيه أعلامٌ لمعرفة             عاشت على الربع في عهد علمناه
وفي هذا اللقاء التكريمي، أقول كلمة مقتضبة عن كتابه « معجم المعاجم».
أولا: أحمد الشرقاوي وتعلّقه بالعربية
أحمد الشرقاوي إٌقبال نموذج لانفتاح التعليم الأصيل على التعليم العصري في مطلع استقلال المغرب، عايش الانشغالات الثقافيّة والفكريّة لتلك النهضة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وتحمل مسؤولية التربية والتوجيه في النهضة المغربية الحديثة.  
أحبَّ العربية وتعلق بها، وزاد شغفه بها على امتداد حياته؛ باعتبارها لسان الوحي؛ الحاملة لكلام رب العالمين، ولرسالته إلى الخلق أجمعين.
 وآمن بأن الحِفاظَ عليها هو من الدين بالضرورة، وأنَّ الجهل بالعربية جهلٌ بالدين، وفي العنايةِ بها صيانةٌ للعقيدة الإسلامية، وتذكير للمسلمين أن لهم الريادة والقيادة في الأرض. والريادة تقتضي أن تشيع العربية في ربوع الأرض، وأن تتمكن من نفوس أهلها؛ ولهذه الغاية صرَفَ جهودَهُ لخدمتها، حتى نال منها ونالتْ منه؛ فأضحى ذخيرة لغوية متنقلة.
 وكانت غاية الرجل رحمه الله أن يُثبت قدرة العربية على مواجهة العصور الحديثة؛ خاصةً وأن ظاهرة التغريب كانتْ تجتاح العالم العربي عامة، وأن العربية بدأت تتوارى أمام سيادة اللغة الفرنسية في المغرب خاصة.
عرفتُ هذا الرجل في الفترة الأخيرة من حياته، وإن كنت أسمع عنه كثيرا، وحين عرفته لم أعرف له شبيها في عزة النفس، وصفاء الطوية، وحب لغة الضاد، والمعرفة بدقائقها وأسرارها، والحفظ لشواردها وشواهدها.
ثانيا: وضعه لكتاب (معجم المعاجم)
من منطلق شغفه بالعربية، وتعلقه بها، وجد أحمد الشرقاوي، رحمه الله تعالى، نفسه يعيش في تخوم المعجم العربي، وحدائق عيون الشعر العربي، ونوادر شواهد العربية. أدرك، رحمه الله تعالى، أن المعجم العربي هو لسان حضارة الإسلام، وهو مفتاح لغة القرآن. وإذا كانت اللغة – كما يقول - « هي السجل الذي يحفظ كل ما هو أساسي في حضارة الأمم (...)؛ فإن المعجم العربي قد حفظ حضارة الإسلام بكل ما فيها من ماديات ومعنويات جملةً وتفصيلاً من غير فوت ولا نُقصان، واحتوى عليها احتواءً أوْفَى على الغاية»، كما جاء في مقدمته لـ(معجم المعاجم): [ ص، أ ].
وقد نوَّهَ في مقدمة كتابه بجهود السابقين في خدمة المعجم العربي دراسةً وتأريخاً، ووجد أن تلك الجهود أغفلت جانبا هاما يظل المعنيون بالتراث اللغوي العربي في أمس الحاجة إليه؛ لكبير منفعته وشدة رغبتهم فيه؛ فتصدَّى لهذه المهمة العلمية، وقال:« ومنذ ربع قرن مضى تعلَّقَ همِّي بالمعجم العربي؛ فانشغلتُ فيه إحصاءً ودراسةً؛ سوَّلتِ النفسُ معهما أن أُعَرِّفَ بالمعاجم العربية منسوبةً ومخطوطةً ومطبوعةً، فطاوعتُها في التسويل، فكانت هذه الدراسة» [ ص: ز].
وبعمله هذا أنجز، رحمه الله تعالى، مشروعا ضخما تعجز المؤسسات عن تحقيقه وإنجازه، وأفنى من أجله ثلاثين سنة من عمره. ولا شك أن المرء يتساءل، كيف تأتّى لهذا الرجل، وهو يعيش في مدينة مراكش، أن يُنجز هذا المشروع؛ الذي يحتاج بطبيعته إلى خزائن وخزائن؟ كيف يُلمّ بحصيلة ما أنجزته الثقافة العربيّة في مجالات المعجم العربيّ، وهو – كما يقول – « ذلك المعجم الثرُّ الغنيُّ بمادته الوفيرة، وأشكاله المتنوعة» [ ص: أ ]، كيف سيواجه ألفاً ونصفَ ألفٍ من المعاجم؟ كيف يُصنف هذا العدد وما يحتويه من أشكال وأنواع؟
ثالثا: مقاربة  هذا المجهود
مجهود أحمد الشرقاوي إقبال، رحمه الله تعالى، عبارة عن محاولة رائدة في بابها، فريدة في طبيعتها؛ استوعب فيها حصيلة المعاجم في التراث العربي، وقدّم عملا بيبليوغرافيا أحصى فيه ما صنَّفه أهل الإسلام من معاجم في تاريخهم العلميّ والثقافيّ. وجاء في العنوان الفرعي لكتابه (معجم المعاجم): «تعريف بنحو ألف ونصف ألف من المعاجم العربية التراثية».
وقد لاحظ المعجميون العرب وغيرهم أن التراث المعجميّ في الثقافة العربية تنوعتْ حقوله على نحو يعز على الحصر، وتعددت اتجاهاته ومدارسه.
من المعلوم أن جهود المعجميِّين انشغلت بترتيب مداخل المعاجم العربية؛ انطلاقا من تصنيفهم لها إلى معاجم ألفاظ ومعاجم معان؛ الأولى تُعنى ببنية الكلمة وموقعها، والثانية تُعنى بالمعنى فتجمع ألفظ موضوع معين في باب معين. فوقفتْ هذه الجهود عند شكل المعجم العربي طبقا لترتيب مداخلها؛ حسب أوائل أو أواخر المواد اللغوية، وحسب أبنيتها وتقاليبها. فماذا فعل الشرقاوي إقبال، رحمه الله؟
لقد سعى بإصرار إلى حصر النشاط المعجمي في التراث العربي، والكشف عن غناه وتنوعه كَمّاً وكيفاً.
واجهَ ألفاً ونصف ألف من المعاجم في موضوعات مختلفة، ومن عهود متباعدة  في تراث الإسلام، فنظر في محتوياتها، وأطال النظر والتأمل في أنواعها،  فحاول أن يرصُد محتوياتها، ويُحدِّد أنواعها؛ ليتمكن من تصنيفها.
رابعا: مسألة تصنيف المعاجم
قدم أحمد الشرقاوي إقبال تصنيفا نوعيا للمعاجم العربية؛ حيث قسَّمها إلى تسع مجموعات هي: مجموعة اللغات، مجموعة الموضوعات، مجموعة القلب والإبدال، مجموعة الاشتقاق، مجموعة الحروف، مجموعة الأبنية، مجموعة المعاني، مجموعة الأوشاب، مجموعة الطرائف.
وكل مجموعة من هذه تشكل في ضوء محتوياتها نوعا له سياقه المعرفي وخصائصه الذاتية المشتركة. ولا شك أن البحث عن المميزات لكل صنف من أصناف المعاجم، جعل الشرقاوي يواجه قضية التصنيف باعتبارها قاعدة علمية في البحث العلمي، وقد دخل إلى معتركها بصبره المعتاد؛ فأسهم في تقريب مظان البحث في مجالات الثقافة العربية. ويُلاحظ القارئ لـ (معجم المعاجم)، ما اعترض الباحث، رحمه الله، من مشاكل وهو يضع تصنيفه هذا لأنواع المعاجم في التراث العربي.
وإليك تقريب هذه المجموعات، وما تشتمل عليه من أنواع:
أولا: مجموعة اللغات: عددها: 409، أنواعها: غريب القرآن: 91 معجما - معاجم غريب الحديث: 96 معجما – معاجم المصطلحات: 35 معجما -  كتب اللهجات: 9 – معاجم النوادر: 54 – معاجم المعرب: 7 – معاجم التصويب اللغوي: 117 .
ثانيا: مجموعة الموضوعات: عددها: 331 ، أنوعها: الحيوانات: 106 – الوحوش: 12 – الحشرات: 21 – معاجم النبات: 32 – معاجم الأنواء وما إليها: 40 – معاجم الأمكنة: 29 – في عدة الحرب: 33 – معاجم في مجالات مختلفة: 57.
ثالثا: مجموعة القلب والإبدال: عددها:  76 - أنواعها: كتب الإبدال والتعاقب: 10 -  كتب الهمز:  9 -  كتب الصاد والظاء:  51 -                                  في أحرف أخرى:6.
 رابعا: مجموعة الاشتقاق: عددها: 35 - معاجم الاشتقاق:  30 - في النحت: 1 - في الإتباع: 4 ].
خامسا: مجموعة الحروف: عددها: 116 -   معاجم الحروف: 11 – ما ألف على العين وغيره:  39 – معاجم على نظام التقفية: 7 – شروح على القاموس وغيره:  18 – أعمال على الصحاح: الحواشي: 5، التكملات: 3، الذيول: 3، الاختصارت: 12 – التهذيبات: 7 – الانتقادات: 5 -، أعمال شتى على الصحاح: 9 – حول اللسان: 4 – أعمال على القاموس: 4، الحواشي: 9، مختصرات: 5، نقود واستدراكات: 10، أعمال أخرى على القاموس: 7  - نظام الألفباء: 8،أعمال عليها: 3.
سادسا: مجموعة الأبنية: عددها: 139 - معجم الأبنية: 30 – معاجم الأفعال: 31 – معاجم المذكر والمؤنث: 31 – معاجم المقصور والممدود: 47.
سابعا: مجموعة المعاني: عددها:  126 - في الترادف عامة: 4 ، الترادف في الطبائع والعادات:  3 ، الترادف في العسل والخمر:  6 ، الترادف في المعدن والحجر: 3، الترادف في أسماء الحيوان:  14 ، الترادف في أشياء شتى: 8، معاجم الاشتراك: 11 ، معاجم الأضداد: 30 ، معاجم المثلث: 47.
ثامنا: مجموعة الأوشاب: عددها: 97.
تاسعا: الطرائف: عددها: 40.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
كلمة في الأخير:
 من يقرأ (معجم المعاجم) للشرقاوي يدرك أن المعجم العربي يُشكِّل بؤرة كلية لثقافة أمة الإسلام، وأن داخله تتأصل وحدة الأمة، وفيه تتفجر علاقة الأمة بلغتها، وتتكون شخصية الفرد، ومن خلالها يتشكل العقل العربي، وتنبعث الأفكار وتتجذر القيم، ويتضح جليا أن اللغة العربية هي الثقافة في حضارة الإسلام، وهي المعرفة. ومجهود أحمد الشرقاوي إقبال رحمه الله، لا يدل فقط على غنى اللغة العربية كما وكيفا؛ وإنما يفتح مجالات واسعة لكثير من حقول الثقافة العربية، ولكثير من الأبحاث والدراسات في قضايا فكرية عديدة.
  صدرت الطبعة الأولى عن دار الغرب الإسلاميّ ببيروت، سنة 1987، أهداه إلى د. محمد حجي، وظهرت طبعة ثانية مزيدة ومنقحة سنة 1993م.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق