الجمعة، 25 مارس 2016

فحولة الشعراء: كلمة عن أول أثر نقديّ مدوّن



عباس أرحيلة

تمهيد:
هذا كتاب اشتهر في تاريخ النقد الأدبيّ باسم (فحولة الشعراء)؛ منسوباً إلى الأصمعي، عبد الملك بن قريب بن عبد الملك، أبو سعيد (-216هـ)
 وجاء الكتاب في شكل رواية عنه لتلميذه أبي حاتم السِّجستانيّ ( سهل بن محمد بن عثمان 248هـ)؛ فقد دوّن أجوبة شيخه على الأسئلة التي طرحها عليه، حول آرائه في بعض الشعراء الجاهليِّين والإسلاميِّين.



أولا: عنوان الكتاب وتحقيقاته 
-               بعنوان: فحولة الشعراء
طبع الكتاب أول مرة منسوباً إلى الأصمعي سنة 1911م، بعناية المستشرق تشارلس توري    ( 1863 – 1948 ، جامعة ييل  Yale بالولايات المتحدة)، في مجلة جمعية المستشرقين الألمان، مع ترجمة إنجليزية، عدد 65؛ اعتماداً على نسخة اكتشفها لامنس (Henri Lammens 1862 - 1937 ) في دمشق سنة 1894م.
وكتب عنها في مجلة  Le Journal  Asiatique  عدد 2 صفحة 155 فلما زار الكونت لاندبيرج بلاد الشرق، نسخت له نسخة منها، ثم آلت ملكية هذه النسخة إلى جامعة ييلYale
وأعاد د. صلاح الدين المنجد نشرها والتقديم لها، طبعة بيروت سنة 1971م، وظهرت طبعة  ثانية،  بدار الكتاب الجديد، بيروت 1400هـ - 1980 م.
- بعنوان: فحولة الشعراء - أبو حاتم السِّجستانيّ.
طبع في القاهرة منسوبا لأبي حاتم، بتحقيق د . محمد عبد القادر أحمد. مكتبة النهضة المصرية، 1991م، 157 صفحة.
بعنوان: سؤالات أبي حاتم السجستاني للأصمعي وردُّه عليه في فحولة الشعراء - تحقيق د. محمد عودة سلامة أبو جري، راجعه أ.د. رمضان عبد التواب، مكتبة الثقافة الدِّينية، القاهرة، 1414 هـ / 1994 م، 95 صفحة.
-               بعنوان: فحولة الشعراء: تأليف أبي حاتم السجستاني ( سهل بن محمد بن عثمان)، نقلا عن الأصمعي (عبد الملك بن قريب)، تحقيق: جميل عين الله عويضة، 1430هـ/2009م.
ثانيا: موضوع الكتاب
 أحكام على شعراء جاهليين وإسلاميين بمقياس الفحولة.
ويضم مجموعة تقييدات وتعليقات دوَّنها أبو حاتم السِّجستانيّ من أجوبة شيخه الأصمعي على أسئلة ألقاها عليه. ثم زاد في تلك الأجوبة زيادات من عنده، وحذف منها ما شاء،  فنسب الكتاب إليه كما نسب إلى الأصمعي .
ويضم سجلا من التقييمات لمجموعة كبيرة من الشعراء، تتخللها مقاييس متعددة للفحولة ينبغي أن تتحقق قبل إصدار الحكم على الشاعر بأنه فحل:
فطفيل الغنوي فحل، لأنه غاية في النعت. ولبيد ليس بفحل ؛ لأن شعره كالطَّيْلَسَانِ الطَّبريِّ جيد الصنعة وليس له حلاوة. وكعب بن سعد فحل في مرثيته التي لا مثيل لها في الدنيا . . . إلخ  .
فالكتاب يشتمل على آراء الأصمعي الناقد اللغوي الراوية حول فحولة طائفة من الشعراء الجاهليين والإسلاميّين، رواها عنه تلميذه أبو حاتم السجستاني. فهو عبارة عن أحكام نقدية من منطلق مفهوم الفحولة: مقارنة، موازنة، مفاضلة.

ثالثا: مقاييس الفحولة
 أقام الأصمعيّ أحكامه على أساس مبدأ الفحولة؛ متخذاً منه معياراً نقديا للحكم على الشعراء والمفاضلة بينهم. وحين سئل عن معنى الفحل فقال: إن له مزية على غيره كمزية الفحل على الحِقاق، وأصل الفحل وصف للبعير الذي يتقدّم القطيع. ومن خلال الشاهد على الفحولة من بيت جرير يتضح أن المزية مرتبطة بقدم العهد، فَقِدَمُ العهد شرط في الفحولة، ومن هنا سكت عن الإسلاميين: جرير والفرزدق والأخطل.
  ومن جملة الخصائص الأخرى: كثرة الشعر الجيد، قوة السبك، جزالة الأسلوب، فصاحة اللفظ الذي لم تمسسه عجمة، وِجْهَة أخلاقية ( الشماخ أفسد شعره بما يهجو الناس)، قوة الوصف: غاية في النعت، جيد الصنعة وليس له حلاوة
الجمع بين الطبع والصنعة: طول النص، إحكام بنائه، كثرة نصوص الشاعر، الابتداع والتميّز،

رابعا: قيمة الكتاب
 يشكِّل الكتاب بداية التأليف النقدي؛ فهو أول كتاب جمع مجموعة آراء لأحد علماء العربية. وممّا تميّزت به أقوال الكتاب: البساطة، الإيجاز، التعميم في الأحكام، وعلامة الارتجال الواضحة في الأجوبة، وفي المنهج كذلك.
وهكذا يكون (فحولة الشعراء) من أوائل الآثار النقديَّة في التراث العربي؛ بل يعتبر أول أثر نقديّ مدوّن يفصح عن رأي الأصمعي أو السجستاني في (الشعر والشعراء)؛ اعتماداً على أسس محدّدة واضحة.

خامسا: آثاره في مسار النقد والبلاغة سيشكل اتجاها في النقد الأدبي شعاره التعصب للقديم، ورائده الأول: أبو عمرو بن العلاء الذي كان يقول عن شعر الفرزدق وجرير: (لقد أحسن هذا المولّد حتى هممت أن آمر صبياننا بروايته). ويقول: (لو أدرك الأخطل يوما واحدا من أيام الجاهلية ما قدمت عليه أحدا).
 ثم نشر لواء هذا الاتجاه وأرسى قواعده الأصمعي وابن الأعرابي. الذي قال عن شعر أبي تمام: إن كان هذا شعرا فما قالته العرب باطل.
وهكذا مثَّل هذا التيار مناصرة الشعر القديم والمحافظة عليه، والانتصار للمثل الفنية القديمة، والتعصب لها أحيانا. يقول ابن رشيق في (العمدة) عن مذهبهم:
(كل واحد منهم يذهب في أهل عصره هذا المذهب، ويقدم من قبلهم، وليس ذلك الشيء إلا لحاجتهم في الشعر إلى الشاهد، وقلة ثقتهم بما يأتي به المولَّدون، ثم صارت لجاجة) [باب في القدماء والمحدثين، ص91]. 

وكان من أسباب انتصارهم للقديم: توجُّههم اللغوي، وطبيعة تخصصهم، وتعلّقهم بالماضي حفاظا على لغة القرآن وصيانتها من الدخيل، مع مواجهة الحركة الشعوبيَّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق