الأربعاء، 16 نوفمبر 2016


مقال حول كتاب:
العنوان: حقيقته وتحقيقه في الكتاب العربيّ المخطوط، (الصادر عن دار كنوز بعمان، سنة 2015م).
للباحث: محمد عويس من مصر، موضوعه: العنوان في الكتاب العربيّ المخطوط.
ضمن المجلة العربيّة، العدد (480)، صفر 1438هـ/ نوفمبر 1916م.
وكان له معي حوار نشر ضمن مجلة تراث، الإمارات العربيّة المتحدة.
يشير الباحث المغربي د. عباس أحمد أرحيلة، وهو مفكر مهتم بدراسة التراث العربي الإسلامي، إلى أن (العنوان في المخطوط العربي) بوابة المحقق والدارس إلى المعمار الداخلي للنص وإلى رؤية صاحبه، وهو قضية جليلة سواء في علم المخطوطات أو علم التحقيق، لها انعكاساتها على المعرفة في ذاتها، وفي نسبتها، وفي حركتها عبر الزمان.
 ويلفت إلى أن العنوان أولاً، والمؤلف لا يقدم اسمه عليه، حتى في جغرافية المخطوط العربي، فوضع اسم المؤلف في أعلى الصفحة قبل العنوان في الكتب الحديثة، من آثار التبعية للنزعة الفردانية في الفكر الأوروبي. وتحقيق النص يبدأ بتحقيق العنوان، فهو نص مواز، لا يقل أهمية عن النص ذاته.
وموضوع الكتاب يصبح عبداً مملوكاً لعنوانه، يقيده ويسجنه، ويتحكم في حريته، فالعنوان قيد علمي يراد به الانضباط لموضوع محدد، والالتزام به، وبذلك يصبح عنوان الكتاب مشتقاً فيما ذكروا من المعنى، ويكون عنوان الكتاب سمته؛ أي أن صاحبه وسمه بعنوان فأصبح علامة دالة عليه. فعَنَّ الكتاب عرضه وكشف معناه، وبذلك يصبح العنوان علامة تدل على موضوعه، وعلى ما ينطوي عليه، علامة تنبئ عن مراد صاحبه. 
ويشير أرحيلة إلى أن البحث في موضوع العنوان اتخذ مسارين مختلفين في التوجه والمنهج والغاية: المسار الأول تمثل في عناية أصحاب المناهج الحديثة والمعاصرة بالعنوان في المجالين الإبداعيَّين: الشعري والروائي، وقد عمقت النظر في أهميته ودلالته وصياغته ووظيفته، أما المسار الثاني فقد تمثل في العناية بعنوان الكتاب في التراث الإنساني عامة، وفي التراث العربي بشكل خاص، وفي الكتاب المخطوط العربي بشكل أخص.
 ومن الصعوبات التي تواجه واضع العنوان: أن يكون قصيراً، يوحي ويعبر بوضوح وبشكل مباشر عن الموضوع، ويحمل في طياته كل هواجس الإبداع في نفسه، وهموم الفكرة في ذهنه، وقد تأتي في سجعة ناقصة مقتضبة تعين على تذكره وحفظه، دون أن يقع قارئ العنوان في تيه أو غموض كأن يقول: الهوامل والشوامل لأبي حيان التوحيدي ومسكويه، الأول طرح أسئلة سماها الهوامل أي الإبل السائمة يُهملها صاحبها ويتركها ترعى، وتأتي أجوبة مسكويه باسم الشوامل أي الحيوانات التي تضبط الإبل الهوامل فتجمعها.
إشكالات في عناوين، وهناك عناوين ينكشف فيها عمق الإعجاب بالأثر الذي جادت به قريحة المؤلف، ويعرب من خلاله أن ما قدمه هو عطاء من الوهاب، فهو عطاء إلهي، ومن ذلك بداية بعض الكتب بـ: فتح الباري، فتح الجليل، فتح الرحمن، فتح القدير، فتح المغيث، فتح المنان... وهناك بعض العبارات التي تكشف عن إعجاب بعض المؤلفين بتصانيفهم: كقول ابن جنى (492هـ) في مقدمة كتابه الخصائص: (واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب، وأذهبه في القياس والنظر). وكقول الزمخشري (538هـ) في مقدمة كتابه أساس البلاغة: (وهو كتاب لم تزل نعام القلوب إليه زفافة، ورياح الآمال حوله هفافة، وعيون الأفاضل حوله روامق، وألسنتهم بتمنيه نواطق).
 ومن العناوين الطويلة: عنوان تاريخ ابن خلدون (808هـ): العبر وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والعجم والبربر - ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، المنهج الفائق والمنهل الرائق للمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق لأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (914هـ) - روضة الأفنان في وفيات الأعيان وأخبار العين وتخطيط ما فيها من عجيب البيان لمحمد بن أحمد الأكراري (1358هـ).
عندما تشترك كتب في عناوينها: مثل غريب القرآن، غريب الحديث، كتاب الشعر، كتاب الشعراء، والتمييز بينها يأتي من معرفة صاحب الكتاب. شرح عنوان الكتاب في مقدمته: كقول أحمد بن فارس (395هـ) في مقدمة كتابه: متخير الألفاظ: (وإنما نحلته هذا الاسم، لما أودعته من محاسن كلام العرب، ومستعذب ألفاظها، وكريم خطابها، منظوم ذلك ومنثوره). ارتباط العنوان باسم من ألف إليه الكتاب: كتاب الصاحبي، نسبة إلى الصاحب بن عباد (385هـ)، وقد قدمه إليه أحمد بن فارس وأودعه في خزاتنه، كما ورد في مقدمة الكتاب. قال ابن فارس: (هذا كتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، وإنما عنونته بهذا الاسم لأني لما ألفته أودعته خزانة الصاحب الجليل كافي الكفاة)، أو ارتباط العنوان ببعض المدن: لأن صاحبها أملاها فيها مثل بعض كتب أبي علي الفارسي (الحسن بن أحمد 377هـ): المسائل الشيرازيات، المسائل البغداديات، المسائل الحلبيات، المسائل البصريات، المسائل الأهوازيات.
 التدخل في العنوان يشير الباحث إلى أن العنوان إما أن يكون ماثلاً في مواقعه المعهودة والممكنة (الصفحة الأولى، المقدمة، تضاعيف الكتاب، الخاتمة)، وإما أن يتعرض للضياع بفعل عوامل طبيعية (الرطوبة، الأرضة، فقدان الورقة الأولى)، أو بفعل عوامل بشرية (الجهل بحقيقة العنوان، والخطأ في تحديده، تلاعب النساخ به، وإلحاق الزيف به لسبب تجاري أو نفسي)، ومع غياب العنوان يرى أهل التحقيق أنه يمكن التدخل في الحالات الآتية: اذا خلا المخطوط خلواً تاماً من العنوان، ضياع الورقة الأولى التي من المفترض أن تحمل عنوان المخطوط، إذا وقع طمسه أو طمس جزء منه، إذا كان زائفاً لا يتناسب وموضوع الكتاب، إذا وضع العنوان خطأ عن قصد على كتاب مغمور ليسهل رواجه، إذا كان المخطوط غافلاً عن العنوان ووضع له مالكه عنواناً كما تصوره.
وضع عنوانيْن أو أكثر للكتاب الواحد، قد يحس المؤلف أثناء صياغة الكتاب أنه لا يفي بشكل دقيق بما يريده، وقد يأتي ذلك نتيجة اضطراب في عنونة الكتاب، وقد يكون ذلك وليد إعجاب بالكتاب.
ما هي الحالات التي تكون فيها الرحلة شاقة في توثيق العنوان؟ الحالة الأولى: إذا سقطت ورقة الغلاف، وسقطت معها مقدمة الكتاب، وآخر ورقة منه نتيجة آفات طبيعية وغير طبيعية، الحالة الثانية: إذا وقع الكتاب في يد شخص مزيف يحترف وسائل التمويه والتضليل من خلال معرفته بالخطوط واستعمال الأقلام وأنواع المداد فيحدث تزوير. في هاتين الحالتين توضع المخطوطة أمام عمليتين: الأولى تعالج فيها مادة المخطوط تقنياً في مختبر تحليلي، فيفحص ورق المخطوطة وخطها وحبرها لمعرفة عصرها. والعملية الثانية تتولى فحص المخطوطة معرفياً بحثاً عما تختزنه من إشارات ومعلومات تتعلق بالعصر والمؤلف وأسلوبه، كما يتم فيها النظر في طبيعة موضوع المخطوطة وما تشارك فيه أخواتها في موضوعها.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق