الجمعة، 21 أكتوبر 2016

كلمة عن التراث[1]

                                           عباس أرحيلة
أولا: تراث يرتبط به الوجود والمصير
تراث الإسلام هو ما تشكّل حول الوحي بشقّيْه: القرآن الكريم والسّنَّة النبويّة، فهو تراث ارتبط بدينٍ واحتفَّ به، وتخَلَّقَ منه؛ فنشأ ما ظهر للإسلام من وجود تاريخيّ في الحضارة والفكر والثَّقافة. فأصبح التراث هو مستودَع حضارة الإسلام عقيدةً ولغةً وفكراً.
وبفضل خاتميةِ هذا الوحي، وعمومِيته لكافّة البشر؛ تقرّرتْ صلاحيتُه للبقاء والتجدُّد والاستمرار على مدى ما تبقَّى من حياة بشريّة على الأرض؛ ومن هنا ارتبطت حقيقة ذلك الوحي بالمصير البشريّ حالاً ومآلاً؛ آمن به من آمن، وكفر به من كفر.
ثانيا: تراث صار بمثابة جينات وراثية
وبمُضيِّ الزمن، استقرّ ذلك التُّراث في سويداء قلوب المؤمنين به من أي جنس كانوا؛ وصار بمثابة جيناتٍ وراثيةً يتوارثها أبناؤهم؛ بها يتحقَّق وجودهم بين بني البشر، وبها يُعرَفون، وبفضْلِها يُذكَرون، وباستلهام روحها يتطوَّرون؛ فيحاورون الحضارات البشريّة من مراكز عقيدتهم فيه.
وبقوَّة إرثهم الإيمانيّ الوجوديّ الحضاريّ؛ تبيَّن لحاملي جينات ذلك الموروث أن وجودهم وهُوِيَّتَهم مشروطان بوجوده، وحضورُهم في التاريخ رهينٌ بحضوره. ومن تلك الجينات تشكّلت الهُوِيَّة الإسلاميَّة في التاريخ البشريّ. وأصبحت هذه الهُويَّة مكمَن القوة  في المؤمنين بها. وسعى العدوّ إلى تجريدهم منها، وتدمير منبع الحيوية فيها. 
ونتيجةً لذلك، تعرَّضت تلك الجينات الوراثية في الهويّة الإسلاميّة لأشكال من التشوُّهات على مدار التاريخ، مع سعي أعدائهم إلى إطفاء ما تحتويه من نورانية، بها يشعُّ الإيمان ويتجدَّد، فتمّت محاصرة ذلك التراث، قديماً وحديثا، تشكيكاً وطعناً وتشويهاً في وجدان المؤمنين به؛ لصدِّهم عنه، وإطفاء جذوته في نفوسهم.
ثالثا: وعاد الاهتمام بالتراث
مع انطلاقة النهضة العربيَّة الحديثة، ورغبة الشعوب العربيّة في التحرُّر من آثار الاستعمار؛ ومع الدخول معترك الحداثة والتجديد؛ ظهرت الدعوة إلى التشبُّث بالهُوِيَّة العربيّة الإسلاميّة.
 وأصبح التُّراث محط أنظار الباحثين بكل أطيافهم الفكريَّة والإيديولوجيَّة. وحدثت طفرة في نشره وتحقيقه وصنوف العناية به في الجامعات والمحافل والمنتديات. وتمَّ إخضاعه لشتى القراءات والتَّأويلات، واحتدمت حوله أنواع الخلافات، وكان طموح الكثيرين تحقيق راهنيته في معترك العصر؛ ببعثه برؤية إبداعية خلاَّقة، نابعة من حاضرنا، متَّسقة مع واقعنا.
لقد بدأت رحلة البحث عن الذّات، والأمَّة تجرُّ وراءها تاريخاً من التخلُّف والظلم والاستبداد، وتُواجِهُ أوضاعاً حضاريّةً تجعلها في ذيل الأمم المتقدِّمة، تعاني من تشوُّهات في مقوِّماتها، وانتكاسات في تراثها الحضاريّ.
تعيش فترةً اختلّتْ فيها الموازين، تُحارِبُ في معارك وهميَّة غير متكافئة، تتلاعب بها الأزمات، وتُديرها صهيونيةٌ عالميّةٌ، منذ أواسط القرن العشرين، (تَفَرْعَنَتْ) في المعمورة، وأضحى سادة القوم يأتمرون بأمرها، ويتبارون في التودُّد إليها.
ويستمرُّ العداء للإسلام، ويتعدّد ويتنوّع، وتتكاثف في العصور الحديثة جهود شياطين الإنس والجنّ في عمليات الإطفاء، والتفنُّن فيها.
 ... ويستمرُّ إحياء التراث، دون أن تُبعث الحياةُ المُرتَقَبَة في أهله...





[1]  - (كلمة في تمهيد لكتاب آمل أن يظهر قريبا بعنوان: تراثنا في مسار التّحدّيات).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق