الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

من الآداب مع الكتب (آلة العلم)


عباس أرحيلة

تمهيد:
الأصل أن يُشترى الكتاب؛ باعتباره آلة تحصيل العلم، فلا يُستعار إلا عند الضرورة، ولا يُستنسخ إلا إذا تعذر شراؤه واستعارته، أو انعدم وجوده مع نفيسته. هذه خلاصة ما تقرر في علاقة الطالب بالكتاب في أشهر المصادر التي تناولت طرائق تحصيل العلم. وهذه وقفة مع الآدب مع الكتاب، وما السلوك الدي تقتضيه مصاحبته من صيانة وعناية وتقدير لقيمته أثناء قراءته أو نسخه.

من خلال كتب ثلاثة:
(1)              تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم: ابن جماعة، محمّد بن إبراهيم الكناني 733هـ، اعتنى به: محمّد بن مهدي العجمي – ط 3 [دار البشائر، بيروت، 2012م].
(2)              الدرّ النضيد في أدب المفيد والمستفيد: الغَزّي، محمّد بن محمّد الدمشقي 984هـ، قدّم له: أبو إسحاق الجويني، حققه وضبطه وعلق عليه: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري – ط2 [ مكتبة التوعية الإسلاميّة، 2009م].
(3)              المعيد في أدب المفيد والمستفيد: أدب العلم والمعلم والمتعلم: عبد الباسط ابن موسى العلموي 981 هـ - وهو اختصار للكتاب السابق - ، تحقيق: د. مروان العطية- ط 1 [مكتبة الثقافة الدينيّة، القاهرة، 2004]، [ص 253 - 254].
ويلاحظ أن ابن جماعة جعل من مقاصده في تأليف كتابه؛ ما ينبغي سلوكه في مصاحبة الكتب، وخص الباب الرابع – من الأبواب الخمسة – لمصاحبة الكتب وما يتعلّق بها من الآداب، وعنوانه: (في الأدب مع الكتب التي هي آلة العلم، وما يتعلّق بتصحيحها وضبطها وحملها ووضعها وشرائها وعاريَّتها ونسخها وغير ذلك). وهو العنوان نفسه في الدرِّ النضيد، وفي مختصره عند العلموي، في الباب السادس والأخير عند كل منهما.

أولا:  كيفيّة وضع الكتاب

 (1) لا يوضع الكتاب على الأرض مفروشاً منشوراً، بعد مطالعته أو نسخه؛ كيلا يتَنَدَّى أو يبلى.
(2) والأولى أن يكون بينه وبين الأرض خُلُوٌّ.
(3) وإذا وضع الكتاب على خشب أو ما يقوم مقامه جعل فوقه أو تحته ما يمنع تآكل جلده.
 (4) وإنما يوضع الكتاب في مكان مرتفع: على كرسيِّ الكتب المعروف (كرسيّ الكتب: هو الرَّحْل للكتب، يستعمل مجازا عند العرب)؛ كيلا يسرعَ تقطيع حَبْكه.
        (5) وأن لا يُكثر من وضع الرَّدَّة [ القطعة الزائدة من الجلد فوق الدفة اليُسرى للكتاب] في أثناء الكتاب، كيلا يُسرع بكسرها.

ثانيا: تنظيم الكتب وتصفيفها

(1) الأصل في تنظيم الكتب أن توضع مصفوفة.
 (أ) وأن يُجعل الكتاب بين كتابيْن أو شيئيْن.
(ب) تراعَى حالةُ ما يصادم الكتب أو يسندها من حائط أو غيره.
 (2) أن تُراعى أحجام الكتب عند تصفيفها:
 (أ) فلا توضع ذوات القطع الكبير فوق ذوات القطع الصغير: كيلا يكثر تساقطُها.
             (ب) ويراعى الأدب في وضعها باعتبار علوِّها.
     (3) ويراعى في صف الكتب حسن الوضع بأن يجعل الحَبْكة ( شد أوراق الكتاب، الخياطة) في ناحية، والمجلد الآخر يجعل حبكته في الناحية الأخرى، فتكون الكتب قائمة بلا اعوجاج، وإلا فيتعوج الصف ضرورة، لأن جهة اللسان ( القسم المطوي ينزل علامة بين الصفحات) من كل كتاب أعلى من جهة الحبكة، لأن جهة الحبكة مضغوطة مقموطة.
            (4) كتابة اسم الكتاب (العنوان)
وينبغي أن يكتب اسم الكتاب عليه – في حرف عرضه - في جانب آخر الصفحات من أسفل، ويَجْعَلَ رؤوس حروف هذه الترجمة إلى الغاشية التي من جانب البسملة، وفائدة هذه الترجمة معرفة الكتاب، وتيسير إخراجه من بين الكتب.

ثالثا: ويُراعى الأدب في وضعها وطرق تصفيفها؛
باعتبار شرفها أي ماهيتها العلمية وقيمتها في مجال المعرفة.

(1) إنْ وضع الكتاب على أرض أو تَخْت ( وعاء تُصان فيه الكتب)، فتلكن الغاشية التي من جهة البسملة وأول الكتاب إلى فوق.
(2)  يُراعى التدرج في وضع الكتب؛ فإن كان فيها المصحف يُجعل أعلى الكل: يوضع الأشرف على الكل.
(3) قيل: فَلْيُجعل المصحف الكريم أعلى الكل، والأولى أن يكون في خريطة [ كيس] ذات عروة في مسمار ونحوه في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس.
 (4) يلي المصاحف في القيمة ما صح من متون كتب الحديث كصحيح البخاري وصحيح مسلم، ثم تفسير القرآن، ثم تفسير الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم الفقه، ثم النحو والصرف، ثم أشعار العرب، ثم العروض وما في معناه ونحو ذلك.

رابعا: عندما تتساوى الكتب أو تتقارب في القيمة

(أ)إذا استوى الكتابان في موضوع علمي واحد؛ فأكثرهما قرآناً أو حديثاً؛ (ب) فإن استويا في ذلك فينظر إلى جلالة المصنَّف (ج) فإن استويا فأقدمُهما كتابةً (د) فإن استويا في ذلك فأكثرهما وقوعاً في أيدي العلماء الصالحين ( عليها سماعات وقراءات) (هـ) فإن استويا في ذلك فأصحُّهما.

خامسا: حرمة الكتاب

(1) لا يجعل الكتاب خزانة لكراريس أو غيرها، ولا مِخَدَّة، ولا مِرْوَحَة، ولا مِكْبَساً ولا مِسْنَداً، ولا مُتَّكَأ، ولا مِقْتَلَة للبقِّ وغيره، ولاسيما في الورق فهو على الورق أشد.
(2) ولا يطوي حاشية الورقة أو زاويتها.
        (3) ولا يعلِّم بعود أو شيء جاف، بل بورقة أو نحوها.
       (4) وإذا ظَفَر، فلا يَكْبِس ظفُرَه قويا، بحيث يهشم الورقة.

سادسا: عند استعارة الكتاب

(1) إذا استعار الطالب كتاباً فلا يُبطئ به من غير حاجة.
(2) ويُذمّ الإبطاء بردّ الكتب المستعارة.
(3) وحبس الكتب عن أصحابها غلولٌ وغصْبٌ لها.
(4)  إذا استعار الطالب الباحث كتاباً فينبغي أن يتفقده عند إرادة أخذه ورده من ورقة محتاج إليها ونحوها.

سابعا: عند شراء الكتاب

وإذا اشترى كتابا نظر أوله وآخره ووسطه وترتيب أبوابه وكراريسه واعتبر صحته، ومما يغلب على الظن في صحته ما أشار إليه الشافعي أن يرى فيه إلحاقا أو إصلاحا، فإنه شاهدٌ له بالصحة. قال بعضهم: لا يضيء الكتاب حتى يظلم، يريد إصلاحه.

ثامنا: عند نسخ كتاب من الكتب الشرعيّة


 ينبغي أن يكون الكاتب على طهارة، مستقبلَ القبلة. أن يبدأ بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم، ويختم بها. وإذا تمّ الكتاب يكتب: (تم الكتاب الفلاني) . وإذا كتب اسم الله تعالى أتبعه بالتعظيم، مثل تعالى، وسبحانه...وكلما كتب اسم النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ كتب بعدُ عليه: الصلاة عليه والسلام. ولا تُختصر الصلاة في الكتابة. ويكتب بعد الصحابي الجليل: رضي الله عنه، وبعد الأئمة الأعلام وهداة الإسلام: يتمّ الترحُّم عليهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق