الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

تربية الطفل عند أبي حامد الغزالي[1]





عباس أرحيلة
1 - أصول التربية في فكر الغزالي
 2 - أهمية الطفولة في تصور الغزالي
 3 - دور الأب في تربية الطفل
 4 - دور المعلم في تربية الطفل
 5 - دور المتعلم في تكوين نفسه
- تمهيد:
اتفق كل من تناول الغزالي [505هـ/1111م] على علوّ مكانته في مجال المعرفة، ورسوخ قدمه فيها، وتميزه إلى جانب الفقه والكلام والفلسفة والتصوف بخبرته بعلم النفس. فقد كان « مربيّاً عالماً بالنفس البشرية وخفاياها، متأملا فعاليتها وأحوالها، محللا بارعا للسلوك وخلجات الضمير»[2].

ويعتبر أبو حامد الغزالي أقرب مفكر إسلامي إلى الابتكار في معالجة موضوع الطفولة برؤية علمية دقيقة، فهو في مشروعه الفكري خير من نظر إلى النفس الإنسانية من حيث دوافعها، وغرائزها، وكيفية السمو بها في مدارج الصلاح؛ لضمان سعادتها في الحال والمآل.
وبالرغم من بروز الجانب التعليمي التوجيهي التربوي في آثار أبي حامد الغزالي؛ فإن هذا الجانب  لديه لم يحظ بما يستحقه من عناية. ولعل إهمال هذا الجانب عنده يعود إلى أن أبا حامد صبغ موضوع التربية بالتصوف.
هذا مع العلم أن مذهبه في الحياة كان صورة لشخصه، وأنه استوعب مختلف القضايا الإسلاميَّة وحلل جزئياتها، واستنبط حلولها؛  في إطار مشروع فكري  يقوم على فلسفة تربوية  تصلح لكل متعلم.  ومن خلال مشروعه ذلك، وضع للطفل ثوابت تربوية، لو استرشد بها في سلوكه العام لتمكن من مواجهة كل ما يعترضه من متغيِّرات.
والغزالي مُرَبٍّ مصلح، مارس التعليم معظم فترات حياته برؤية واضحة المعالم، ورسم منهجا مفصلا لتربية الطفل وتأديبه وتحسين أخلاقه. فكيف نظر أبو حامد إلى أهمية التربية ودورها في بناء كينونة الفرد، وكيف عالج في رؤيته التربوية دور الأسرة، ودور المعلم [المدرسة] في تربية الطفل؟
 وما هي الواجبات  والمسؤوليات التي وضعها  أبو حامد على عاتق طالب العلم  حتى يتحقق فيه المبتغى التربوي المنشود، والمتواضع عليه؟
وماذا يبقى من رؤية أبي حامد لزماننا هذا ؟ ماذا يبقى منه لمواجهة  متغيرات عصرنا؛ ليحتفظ طفلنا اليوم بشخصيته العربيّة الإسلاميّة وسط هذه التحوُّلات في المفاهيم والتصورات المختلفة والمتعارضة ؟  وماذا يفيد اليوم تصور أبي حامد الغزالي، وهو حجة الإسلام؛ في تربية الطفل، في ضوء  ما اكتسبه العرب والمسلمون من عادات وميول وسلوك في هذا العصر ؟

أولاٌ: أصول التربية في فكر الغزالي

1- ارتبطت حياة أبي حامد العملية والعلمية بالتربية والتدريس: فقد مارس الإمام الغزالي التعليم، وتعلق به، وتميز به. وآثاره، بصورة عامة،  دالة على منحاه  التعليمي التربوي.
 وقد شهد عصره إنشاء المدارس في حواضر إسلامية عديدة. وظل معلما في بغداد في المرحلة الأولى من حياته؛ يلتف حوله ثلاثمائة تلميذ.
جاء في كتابه: (المنقذ من الضلال): « وأنا ممنُوٌّ{مبتلىً} بالتدريس والإفادة لثلاثمائة نفس، من الطلبة ببغداد»[3]. وقال في مكان آخر: « ولاحظت أعمالي- وأحسنها: التدريس والتعليم-»[4].
2- التربية عند أبي حامد « من أهم الأمور وأوكدها»:
 وتلك عبارته في كتابه: ( إحياء علوم الدين  فالتربية عنده ضرورة وجود لا تقوم سعادة بشرية بدونها.  وترى أبا حامد بعد أن هضم ثقافة عصره ؛ واجه التيارات الفكرية المعاصرة له، وراح يرسم خطة لتكوين شخصية سوية تخوض معترك الوجود مزودة بقيمها وهويتها؛ حتى لا تجرفها تلك التيارات. ومن أجل هذا حدد أبو حامد في مشروعه الإصلاحي القيم التي ينبغي ترسيخها في النفوس.

3- عناية الغزالي بعلم الأخلاق
تناول أبو حامد علم الأخلاق في جل أعماله برؤية تحليلية تجعل منه فيلسوفا أخلاقيا في تاريخ الإسلام. فقد نظر إلى النفس الإنسانية في نزوعها واضطرابها، وما يختلج فيها من أهواء، وما يعترضها من أوهام وخيالات.
وتناول الفضائل والرذائل بالدرس والتحليل فأبان عن خبرة بالنفس الإنسانية. يقول د. محمد يوسف موسى إن الإمام الغزالي « عرض لمسألة الخُلُق في كثير من مؤلفاته، ومنها (الإحياء). بحث في الخلق ما هو وبم يكون حسنا، وهل يقبل التغيير، وكيف، وبم يعالج الخلق السيئ والرذيلة ؟ »[5].
والغزالي يرى أن النفس كالبدن لا تخلق كاملة، بل تكمل بالتربية والتهذيب، وأن العادات والأخلاق تتغير بتطور الإنسان؛ فأقام منهجه في الأخلاق على مجاهدة النفس لاكتساب الفضيلة، والفوز بالسعادة. وهو يرى « أن السعادة تنال بتزكية النفس وتكميلها، وأن تكميلها باكتساب الفضائل كلها »[6].
وحسن الخلق كما رسمه أبو حامد في جل أعماله أن يعمل المرء على إزالة جميع العادات السيئة التي عرَّف الشرع تفاصيلها، وأن يتعود العادات الحسنة ويشتاق إليها[7].
 وقد اعتبره د. محمد يوسف موسى «  فيلسوفا أخلاقيا همه العمل والوصول بقارئه وخريجه إلى تحصيل فاضل الخلق، والسير على الجادة حتى يصل إلى ما يرجوه له من سعادة »[8].
ولاحظ د.  عبد الكريم العثمان أن الدراسات الأخلاقية كانت ضعيفة قبل أن يتناولها الغزالي بالتوضيح والتنظيم القائمين على فهم عميق للنفس الإنسانية[9].
  والمتأمل في آثار الغزالي يجد أنه  أقام الأخلاق على البعد النفسيّ، فالبعد الاجتماعي ثم البعد الديني، ومنطلقه في كل ذلك قابلية الأخلاق والسلوك للتعديل. والمراد بالتعديل ما تحدثه التربية من زرع قيم إنسانية  ترقى بالكائن إلى مدارج السمو، وتجعل منه مواطنا صالحا ينشد سعادة الدارين.

4- عنايته بعلم النفس
تقرر في الدراسات حول الغزالي أنه متعدد الاهتمامات بين فقيه ومتكلم وفيلسوف وصوفي. ولاحظ د. أحمد فؤاد الأهواني أن تلك الدراسات قد أغفلت الجانب النفساني في ثقافة الغزالي. فلم يصور لنا أحد الغزالي عالما نفسانيا ، وضع أسس علم نفس إسلامي بمعنى الكلمة؛ على غزارة ما كتب في هذا الباب. « فلا غربة  أن نقول بوجود علم نفس إسلامي...  ونستطيع أن نقرر، في غير تردد، إن الذي صور هذا العلم عند المسلمين ؛ هو حجة الإسلام أبو حامد الغزالي »[10].
 والغزالي عاصر مجتمعا منحلا، استلذ الفساد فتساقط على الملذات، وتكالب على الشهوات. أما العلماء فساءت سيرتهم بالمراء والنفاق. وحين أراد الغزالي أن ينظر في أسباب فساد مجتمعه وطرق علاجه وإصلاحه؛ فكر في القوانين النفسية التي يخضع لها السلوك الإنساني، فرجع إلى الأصول النفسية المبثوثة في القرآن؛ باعتباره دعوة إلى الاستقامة على الطريقة، وهداية للبشر إلى الطريق المستقيم. كما استفاد من الدراسات الفلسفية السابقة، ومن المباحث النفسية، لدى علماء الكلام، لصلتها بالعقيدة الدينية، ثم إنه غاص في التجربة الصوفية وتعمق أحوال النفس في قلقها، وفي مواجدها ومقاماتها[11].
وفي كتابه (إحياء علوم الدين) حدد تلك القوانين التي يخضع لها السلوك؛  لأنه لا سبيل إلى الإصلاح بغير تحديد لتلك القوانين، وإلا كيف  يمكن علاج النفوس المريضة ؟
« وهذا ما فعله الغزالي في الإحياء... تكلم على كل ضرب من ضروب السلوك ضربا ضربا؛ وبحث عن دوافعه الفطرية والمعدلة، ووصف أحوال الفرد حين يسلك متأثرا بالبيئة والمجتمع وينزل إلى خضمه ويجمد عند تقاليده، ثم يبين كيفية السمو بهذا السلوك في ضوء نور اليقين والمعرفة بالله.
هذه المراحل الثلاث هي التي طبقها الغزالي عند الكلام عن كل باب من أبواب علم النفس، الدوافع، ثم الظواهر، ثم التسامي. وهو في ذلك لا يخرج عن أي عالم نفساني حديث»[12].
وذكر د.عبد الكريم العثمان أن الغزالي استطاع في (الإحياء) أن ينفذ إلى خفايا النفس فيحلل صفاتها تحليلا دقيقا، ويبين بطريقة موضوعية سليمة الوسائل المؤدية إلى القضاء على الخلق المذموم، واكتساب الخلق المحمود، بطريقة لم يسبق إليها[13].
5-مشروعه الإصلاحي ترسيخ للقيم الإسلامية في نفوس المؤمنين
 يحدد الغزالي في مشروعه  معالم رؤية تربوية تصمد أمام المناهج المختلفة المتعارضة والمتصارعة في عصره. ولنجاح هذا المشروع الإصلاحي سبر الفكر الإسلامي ودرس الفلسفة، ودرس النفس الإنسانية فعرف نزعاتها وخباياها. ووجد في رحلته الروحية أن  السعادة لا تنال إلى بتزكية النفس وتكميلها باكتساب الفضائل كلها، وأن الشعور الديني أساس بناء الشخصية، وقوام انسجامها وتكاملها.
وحياة الغزالي العلمية ارتبطت بالبحث عن الحقائق، وتميزت منهجيته بالملاحظة الدقيقة للوقائع والأحداث، والقدرة على التأمل في خطرات النفس وأحوالها. فقد اعتبر العلم نورا إذا أشرق  أحاط بالكل، وكشف الغطاء ورفع الاختلاف.
وعن تعلقه بمعرفة الحقيقة، يقول عن تجربته في معترك الحياة: «  ولم أزل - منذ راهقت البلوغ : قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن عن الخمسين - أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض في غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة ؛ لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع ...
وقد كان التعطش إلى درك الحقائق: دأبي وديدني - من أول أمري، وريعان شبابي - غريزة ، وفطرة من الله، وضعتا في جبلتي، لا باختياري وحيلتي، حتى انحلت عني رابطة التقليد، وأنكرت علي العقائد الموروثة - على عهد قرب الصبا -...»[14].
وحين انحلت عن أبي حامد رابطة التقليد، ظهر عنده تحرر وميل إلى التجديد؛ وهذا لا يتعارض مع ما استوعبه من آثار السابقين.

ثانيا: أهمية الطفولة في تصور الغزالي

أتناول هذه  الأهمية، كما تصورها الإمام الغزالي، من خلال نظراته إلى أهمية مرحلة الطفولة، وما لها من خطورة، وما يترتب عليها من مسؤولية في  الوجود.
 1 - الطفولة معطى  فطري يكتمل بالتربية:
 يقرر الغزالي أن الطفل يولد صحيح الفطرة، يقول:
«  كل مولود يولد معتدلا صحيح الفطرة، إنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه - أي بالاعتياد والتعليم تكتسب الرذائل -. وكما أن البدن في الابتداء لا يخلق كاملا ؛ وإنما يكمل ويقوى بالنشوء والتربية بالغذاء، فكذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتربية وتهذيب الأخلاق والتغذية بالعلم »[15].
يعلق د. زكي مبارك على هذا بقوله:
« وهذا يدل على أن الغزالي يرى أن الفطرة الإنسانية قابلة لكل شيء، وأنه ليس لها قبل التربية أي لون. فالخير إذن يكتسب بالتربية، والشر بالتربية. وليس للإنسان بفطرته ميل خاص لا إلى الشر، ولا إلى الخير؛ وإنما يسعد أو يشقى بما يقدمه إليه أبواه ومعلموه»[16].
فالطفل مادة أولية قابلة للتشكيل في ضوء أي تصور تربوي ممكن.
والتربية قيمة يرتبط بها الوجود البشري وجودا وعدما، قيمة يتحقق  بها الكمال البشري.
 2 - الطفل جوهرة نفيسة، خالية من كل نقش، قابلة لكل نقش: نظرا لأهمية الطفولة في مراحل تطور الكائن البشري، اعتبر لحظة الطفولة لحظة حاسمة في حياة الإنسان، بها يتقرر مصيره، وتتشكل حياته ،إما سعادة وإما شقاء في ضوء ما يعود عليه وينشأ.
كيف ينظر الإمام الغزالي إلى براءة الطفولة، إلى قلب الطفل ؟
يقول أبو حامد: « وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له »[17].
 ويستفاد من هذا القول جملة حقائق منها:
- قلب الطفل جوهرة نفيسة خالية من كل نقش، ولكنها قابلة لكل نقش.
- الطفل مادة قابلة للتغيير والتعديل،  تتشكل في ضوء ما تتعود عليه.
ولتأكيد هذا الرأي يقول في (الإحياء): «  لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (حسنوا أخلاقكم)»[18].
- استعداد الطفل لتقبل التوجيه والتعلم . فالرجل المثالي - كما نتصوره - كامن في قلب الطفل؛ يمكننا أن نعمل على تشكيله في ضوء ما نتصوره.
يقول في بياته لأنواع العقل: « اعلم أن العقل ينقسم إلى غريزي ومكتسب؛ فالغريزي هو القوة المستعدة لقبول العلم، ووجوده في الطفل كوجود النخل في النواة»[19].
3- الطفل أمانة ومسؤولية
يقول الغزالي بداية النص المذكور أعلاه: «  والصبي أمانة عند والده »؛ فالأب مدعو إلى صيانة تلك الجوهرة وحفظها ورعايتها؛ أيهمل الأب ابنه فيلقي به في درك البهيمية، ويعرضه للشقاء؟ وكيف وإهماله خطر جسيم، وأبوه يتحمل وزر إهماله ؟ ثم إن الأب  يشارك ابنه الثواب؛ إن هو رباه وصانه ورعاه. وكيف يهمل الإنسان جزءا من نفسه ؟
 4- الطفل جزء من نفس أبيه
اعتبر الغزالي الطفل بعضا من أبيه، فهو يحفظه كما يحفظ نفسه، ويخاف عليه كما يخاف على نفسه .فقد أورد قول الله تعالى: ﴿  يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا [ التحريم: 6]  قال بعض العلماء: دخل في ﴿ أنفسكم الأولاد؛ لأن الولد بعض من أبيه، فلم يفرد بالذكر أفراد سائر القرابات، يعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي[20].
وعلق الغزالي على هذه الآية بقوله: « ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا؛ فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى؛ وصيانته بأن يأدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق... »[21].
5- التربية تكتسب بالمجاهدة
يرى الغزالي أن الأخلاق تكتسب بحمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب؛ أي أنها تكتسب بالمجاهدة في تربية النفس وتوجيهها.
 « فمن أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وقد غلب عليه الكبر؛ فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديدة وهو فيها مجاهد نفسه، ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقا له وطبعا فيتيسر عليه»[22].
ويرى أن الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة؛ فالإنسان يتكلفها في بداية الأمر لتصير طبعا في نهايته.
والأخلاق الحسنة تكون بالطبع والفطرة تارة، وباعتياد الأفعال الجميلة تارة، وبمساعدة أرباب الفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح تارة أخرى[23].
6- الطفل روح وعقل وجسم
قدم الغزالي نظرة تكاملية لتربية الطفل، ووجد أن تلك التربية لا تقوم إلا إذا عنينا بالروح والعقل والجسم، وذكر أن إهمال أي واحد من هذه العناصر ينتج نقصا في التربية، قد ينتقل أثره إلى العنصرين الآخرين. فوظيفة  التربية عند الغزالي هي تقوية الروح حتى تتغلب على شهوات الجسد، وتسترد مكانتها وسيطرتها عليه.
يقول د: أحمد فؤاد الأهواني: «  وقد جمعت التربية الإسلامية منذ ظهور أول الإسلام بين تأديب النفس، وتصفية الروح، وتثقيف العقل، وتقوية الجسم؛ فهي تعنى بالتربية الدينية والخلقية والعلمية والجسمية، دون تضحية بأي نوع منها على حساب الآخر»[24].
7- الطفل مجال لتشريح أخلاقه
لقد قدم الغزالي نظرة عملية تشريحية شخص فيها أمراض النفس وقدم لها العلاجات المناسبة. « لم يكن من الفلاسفة النظريين بل كان له نزعة عملية، ظهرت في وضع الخطط، وتمهيد السبل ليصل بتلميذه وخريجه إلى ما يريد له من خلق حسن، وسعادة تامة»[25].
ويبدو أن خبرة الغزالي الواسعة جعلته يعطي للتجارب أهمية خاصة، جعلته ينظر إلى السلوك البشري نظرة تقعيدية؛ فكان أشهر من وضع قواعد سلوكية للمريدين وطلبة العلم. وهكذا نجد لديه نظرة تشريحية واقعية تعنى بالتعليم المنبثق من ملاحظة الوقائع اليومية[26].
8- مراعاة الفروق بين الأطفال
 نجد أن الغزالي يدعو إلى استعمال الأسلوب الأنسب لكل متعلم؛ ونراه يهتم بأصناف المتعلمين ويراعي الفروق بينهم. ويؤكد هذه الحقيقة كلما تناول ما يعتري النفوس من أحوال، وما يحدث للأشخاص من مواقف تترتب عنها أنواع من السلوك.

ثالثا : دور الأب [ الأسرة]

 إذا كان الغزالي يعتبر تربية الطفل « أهم الأمور وأوكدها»،على حد تعبيره في  (الإحياء)؛ فكيف يقوم الأبوان بهذه المهمة؟ وكيف يصون الأبوان جوهرتهما ؟ ويحملان أمانة يحاسبان عليها إما ثوابا أو عقابا؟
لقد بين لنا الغزالي أن المراد بصيانة الولد «  بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق». كما بين لنا أن الطفل خلق قابلا للتغيير، فكيف يصنع الأبوان هذه القابلية؟ كيف يرسمان طريقة التغيير، وهي مجال التربية ؟ ما هي واجبات ألأب، أو قل  ما هي واجبات  الأسرة بلغة اليوم،  في تنشئة الطفل وتربيته وتهذيبه ورعايته ؟
حاولت تصنيف هذه الواجبات ، كما أورها الغزالي في كتاب (الإحياء)، على الشكل الآتي:
1 - أدب الأكل عند الطفل
أول ما يغلب على الطفل شره الطعام، فينبغي أن يؤدب فيه؛ يأخذ الطعام بيمينه، بعد البدء باسم الله، والأخذ بما يليه، وألا يبادر إلى الطعام قبل غيره. وألا يحدق النظر إلى من يأكل. وأن لا يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وأن لايوالي بين اللقم، ولا يلطخ يده ولا ثوبه. وعلى الأب أن يذم أمامه الشره، ويمدح آداب الأكل، وأن يحبب إليه الإيثار بالطعام وقلة المبالاة به، والقناعة بالطعام الخشن.
2 - لباس الطفل ورفاهيته
أن يعود الطفل على اللباس المحتشم الوقور، ويحفظ من الأطفال الذين عودوا التنعم والرفاهية ولبس الثياب الفاخرة. وألا يحبب إليه أسباب الرفاهية فيضيع عمره في طلبها، ويعسر تقويمه بعد ذلك. ومن هنا يمنع من الافتخار على أقرانه بشيء مما يملكه والداه من مطاعمه وملبسه، ويعود التواضع والإكرام.
3 - جلوس الطفل
يعلم كيفية الجلوس، فلا يستدير غيره، ولا يضع رجلا على رجل، ولا يضع كفه على ذقنه، ولا يعمد رأسه بساعده؛ فإن ذلك دليل الكسل. ويعود ألا يبصق في مجلسه ولا يتمخط ولا يتثاءب بحضرة غيره.
 4 - كلام الطفل
ألا يكثر من الكلام، وألا يبتدئ به، وأن يمنع من كثرته، ومن اللغو والفحش والسب، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك. وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سنا.
5- لعب الطفل
اللعب راحة للطفل، تحيي قلبه وتقوي ذكاءه، وبها يلذ عيشه؛ فإن منع الصبي من اللعب، وإرهاقه بالتعلم؛ يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسا. فينبغي أن يعود الطفل على الحركة والرياضة.
 ولتنبعث دواعيه إلي التعلم يدعونا الغزالي أن نطمع الطفل بالصولجان وشراء الطيور وأسباب اللعب.
6- تخويف الطفل من الرذائل
يخوف من السرقة وأكل الحرام والخيانة والكذب والفحش، وألا تحبب إليه الزينة، ويمنع كل ما يفعله في الخفاء؛ فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح.
7- صيانة الطفل من رفقاء السوء
يحفظ الطفل من قرناء السوء، ومن الأطفال الذين عودوا التنعم والرفاهية. وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء. وصيانة الطفل تعني تأديبه وتعليمه محاسن الأخلاق ؛ فقد علق على الآية الكريمة ﴿ قوا أنفسكم قائلا: ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا؛ فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى. وصيانته بأن يأدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق.
8- ملء وقت فراغ الطفل
يشغل وقت الطفل بالأمور النافعة، ويبعد عن كل ما يبذر في قلبه الفساد. ويمنع من النوم نهارا فإنه يورث الكسل.
9- طاعة الوالدين والمعلم واحترام الكبير
يعلم الطفل طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه، وأن يحترم من هو أكبر منه سنا من قريب وأجنبي، وأن يقوم ممن هو فوقه، ويوسع له المكان، ويجلس بين يديه، ويحسن الاستماع إليه.
10 -  عقوبة الطفل ومكافأته
يمدح الطفل عن خلقه الجميل أمام الناس، ويجازى، وإن خالف مرة واحدة يتغافل عنه، وإن عاد يعاتب سرا، ولا نكثر عليه العتاب فإنه يهون عليه سماع الملامة.
يلاحظ أن هذا الجانب المتعلق بتربية الطفل في نشأته الأولى قد تناوله ابن مسكويه في كتاب ( تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق)، نقلا عن برسن. وقد سار على منوال  ترتيبه للآراء، وحافظ على ألفاظه أحيانا، ولكنه وضع أغراضا جديدة تتلاءم  مع مذهبه في التصوف[27].
وإذا كان هذا هو دور الأب، والأسرة عامة فما هو دور الذي يتولى تربية الطفل وتأديبه وتحسين أخلاقه. وما هي الشروط التي ينبغي أن تتوافر في المربي؟

 رابعا : دور المعلم المربي

تردد عند الغزالي أن العلم والعمل هما وسيلتا  السعادة. وإذا كان « العلم بلا عمل جنون، والعمل بلاعلم لا يكون»، كما قال في رسالة: (أيها الولد)؛ فإن العمل لا يتصور إلا بعلم بكيفية العمل كما جاء في كتابه: (ميزان العمل)[28].
ويقرر الغزالي« أن على من يتصدى لتعليم غيره وإصلاحه؛ أن يبدأ بتعليم نفسه وإصلاحها، ولا يشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عليه بحسب ما تقتضيه حاله»[29].
وقد حدد الغزالي وظائف المعلم المرشد في ثماني وظائف[30]:
- الوظيفة الأولى : أن يجري المتعلم منه مجرى أبيه
وحق المعلم أكبر من حق الأب، فإنه سبب حياته الباقية والأب سبب حياته الفانية. وكما أن من حق بني الأب الواحد أن يتحابوا؛ فكذلك حق بني المعلم بل حق بني الدين الواحد؛ لأن أخوة الفضيلة فوق أخوة الدين. ومنشأ التباغض بين طلبة العلم إرادتهم المال والرياسة.
 - الوظيفة الثانية: ألا يطلب المال وأغراض الدنيا بالعلم
يدعو المعلم أن يقتدي بصاحب الشرع، فلا يطلب على إفادة العلم أجرا وجزاء. فالعلم منزه عن الأغراض الدنيوية. وطلب المعلمين للرياسة منشأه قصور علمهم.
 والنزوع الصوفي في آراء الغزالي لا تحتاج إلى دليل.
- الوظيفة الثالثة: نصح المتعلم وتوجيهه
ألا يدخر شيئا من نصح المتعلم وزجره عن الأخلاق الرديئة بالتعريض والتصريح، ومنعه أن يتشوف إلى رتبة فوق استحقاقه، وأن يتصدى لاشتغال فوق طاقته، وألا يطلب العلم لأغراض الدنيا. ومن طلب العلم لغير الله يستدرج إلى الحق بطريقة غير مباشرة. وقد جعل الله تعالى قصد الرياسة من تعلم العلم حفظا للشرع والعلم.
- الوظيفة الرابعة: ينهى الطفل عما يجب أن ينهى عنه بالتعريض لا بالتصريح
التصريح بالزجر مما يغري بالمنهي عنه، والنفوس الفاضلة التي تستنبط  وتتنبه لما خفي من الأمور تميل إلى التعريض؛ شغفا باستخراج معناه بالفكر. والتعريض لا يهتك حجاب الهيبة.
- الوظفة الخامسة: عدم تقبيح العلم في نفس المتعلم
من يتولى تدريس علم  لا ينبغي له أن يقبح في نفس المتعلم العلم الذي ليس بين يديه، كمن يقبح العلوم العقلية وهو يدرس الفقه؛ بل على المعلم أن ينبه على قدر العلم الذي فوقه ليشتغل به عند استكمال ما هو بصدده.
- الوظيفة السادسة: مراعاة استعداد المتعلين
أن يقتصر على قدر أفهامهم، ويراعي التدرج من الجلي إلى الخفي  على قدر استعداد المتعلم؛ على أن إمساك العلم عمن يفسده أولى من نشره؛ فليس الظلم في منع المستحق بأقل من الظلم في إعطاء غير المستحق، وادخار حقائق العلوم عن المستحق لها فاحشة عظيمة.
- الوظيفة السابعة: المتعلم القاصر يذكر له ما يحتمله فهمه
وذلك حتى لا يفتر رأيه فيما يتعلمه. والعوام لا يشوش عليهم اعتقادهم بالتأويلات البعيدة، وينبغي أن يتم إرشادهم إلى العبادات الظاهرة والأمانة في الصناعة التي هم بصددها.
- الوظبفة الثامنة: أن يكون المعلم عاملا بما يعلمه
فعلى المعلم ألا يكذب سلوكه قوله فينفر الناس من الاسترشاد والرشد، فليكن عنايته بتزكية أعماله أكثر منه بتحسين علمه ونشره. وكيف يستوي الظل والعود أعوج ؟ ولذلك قيل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله       عار عليك إذا فعلت عظيم
فالغزالي يريد أن يكون المعلم عاملا بعلمه، فلا يكذب قوله فعله.
 وماذا  يستفاد من حديث الغزالي عن واجبات المعلم ؟
بالرغم من حديثه المقتضب عن شؤون التربية والتعليم، وبالرغم من  انغماسه في جو الصوفية، ومثالية؛ فإنه ذكر« بعض المبادئ في التعليم تعتبر من أسمى ما وصل إليه علماء التربية. وأهمها الترابط بين العلوم، والبدء بالأهم فالمهم، وبالواضح قبل الغامض، وبالأسبق في الترتيب»[31].
 وماذا عن دور المتعلم ؟ كيف يؤدي مهمته وهو يتلقى التربية من أهله ومعلميه؛ ليكون عضوا صالحا في مجتمعه؟ كيف يتصرف؟ وماذا ينتظر منه؟  لقد حدد الغزالي دور المتعلم في عشر وظائف[32].

 خامسا : دور المتعلم ووظائفه

 الوظيفة الأولى: طهارة النفس من الأخلاق الرديئة
 العلم عبادة ولا تصح إلا بطهارة القلب عن خبائث الأخلاق وأنجاس الصفات. ونور العلم الحقيقي يحسن الأخلاق. والمعاصي سموم مهلكة مبطلة للحياة الأبدية؛ لأن منشأها الصفات الرديئة.
الوظيفة الثانية: أن يقلل علائقه من الأشغال الدنيوية
العلائق صارفة وشاغلة للقلوب، وقد قيل إن العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. والفكرة إذا توزعت على أمور كانت كجدول ماء نشفه الهواء على الأرض.
الوظيفة الثالثة: أن لا يتكبر على العلم وأهله
 لا يتأمر على المعلم، بل يلقي إليه بزمام أمره في تفصيل طريق العلم، ويذعن لنصحه إذعان المريض للطبيب. أما التكبر على العلم فهو عين الحمق.  فالحكمة ضالة كل حكيم فحيث يجدها ينبغي أن يغتنمها. فلابد من التواضع وحسن الإصغاء قصد الاستفادة من تجربة معلمه. وهذا لا ينفي السؤال والبحث عن الحقيقة.
الوظيفة الرابعة: الانطلاق من القوانين العامة
لا ينبغي أن يخوض منذ البداية في  الاختلاف الواقع بين الفرق والشبه المشككة المحيرة؛ فإن ذلك يدعو إلى الفتور واليأس. فلتكن الانطلاقة من الأصول حتى يسهل الخوض في تعريف الشبه وتعقبها.
الوظيفة الخامسة:  تنوع المعرفة
للمتعلم أن لا يدع فنا من فنون العلم ونوعا من أنواعه، إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على غايته ومقصده وطريقه، ثم إن ساعده العمر وأتته الأسباب طلب التبحر فيها.
فلا ينبغي أن يستهين بشيء من أنواع العلوم، بل ينبغي أن يحصل كل علم ويعطيه حقه ومرتبته.
الوظيفة السادسة: مراعاة الترتيب والتدرج في طلب العلم
 أن لا يخوض في فنون العلم دفعة، بل يراعي الترتيب فيبدأ بالأهم فالأهم، ولا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله، فإن العلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق إلى البعض. وينبغي أن لا تحكم على علم بالفساد لوقوع الاختلاف بين أصحابه فيه.
الوظيفة السابعة: الأخذ من كل شيء أحسنه
أن العمر إذا  لم يتسع لجميع العلوم فينبغي أن يأخذ من كل شيء أحسنه، فيكتفي بشمة من كل علم، ويصرف الميسور من العمر إلى العلم الذي هو سبب النجاة والسعادة.
الوظيفة الثامنة: يطلب ما شرف من العلم
بعض العلوم أشرف من بعض، وشرف العلم يدرك بشيئين: أحدهما بشرف ثمرته، والآخر بوثاقة دلالته، وذلك كعلم الدين وعلم الطب، فإن ثمرة علم الدين الحياة الأبدية التي لا آخر لها؛ فكان أشرف من علم الطب الذي ثمرته حياة البدن إلى غاية الموت.
الوظيفة التاسعة: معرفة أنواع العلوم بصورة مختصرة
أن تعرف أنواع العلوم بصورة إجمالية، وهي ثلاثة: علم يتعلق باللفظ من حيث يدل على المعنى [ علم اللغات ولواحقها كعلم الاشتقاق والإعراب والنحو والتصريف وعلم العروض والقوافي ...]
 وعلم يتعلق بالمعنى من حيث يدل باللفظ عليه [ علم الجدل والمناظرة والبرهان والخطابة ]
 وعلم يتعلق بالمعنى المجرد[ وهو قسمان:  قسم عملي ومنه علم  معرفة الله تعالى، النبوة، الكواكب، الحشر والقيامة ... وقسم عملي يتعلق بالأحكام الشرعية والعلوم الفقهية والسنن النبوية؛ وذلك معرفة سياسة النفس مع الأخلاق، ومعرفة تدبير أهل البيت والولد والمطعم والملبس، وكيفية المعيشة والمعاملة ].
الوظيفة العاشرة: غاية العلم كمال النفس
 أن يكون قصده في كل ما يتعلمه في الحال كمال نفسه وفضيلتها، وفي الآخرة التقرب إلى الله عز وجل، ولا يكون قصده الرئاسة والمال ومباهاة السفهاء ومماراة العلماء. واعتبر الغزالي القائمين على العلم كحفظة الرباطات في طريق الجهاد.


 خاتمة:
يعتبر الإمام الغزالي الطفل جوهرة نفيسة، وجزءا من النفس، وأمانة تترتب عليها مسؤولية. وتربية ذلك الطفل قضية وجود أو عدم بالنسبة للإنسان في هذا الوجود، وجاءت رؤيته لتربية الطفل رؤية  نفسية أخلاقية واقعية  تشريحية تطورية، وتكاملية إسلامية.
 ولا غرابة أن نجد أن فهمه للتربية والأخلاق يطبعه نزوع صوفي؛ إذ فلسفته كانت صورة من حياته، وأنه ألف كتاب (الإحياء) في نهاية حياته. وهذا هو المأخذ العام على هذه الرؤية التربوية التي قدمها الإمام الغزالي؛ إذ أراد طفلا خاضعا مستسلما، زاهدا متقشفا، والإسلام يريد طفلا قويا طموحا يقتحم ويواجه.
واليوم تدخل الأمة الإسلامية الألفية الثالثة وهي تبحث عن فلسفة تتحدد بها ملامح طفل يستجيب لمتغيرات تلك الألفية. وتسعى إلى بلورة فلسفة تربوية تضع القيم والأهداف، داخل هذا الغليان من (المسلكيات) في معترك التبعية للغرب، والانصهار في بوتقته، والانبهار بتحولاته التكنولوجية والإعلامية.
رؤية أبي حامد يطبعها النكوص إلى الخلف و(الدروشة)  والمسكنة أي السكون، وروح الإسلام تدعو أهله إلى الحركة وإلى الجهاد الدائم، وطلب العزة والسيادة في الأرض. وعالم  اليوم هو عالم الدينامية والسرعة والحيوية المفرطة.
فماذا يبقى من الغزالي لطفل اليوم، ولكل متعلم ؟
يبقى من الغزالي  أن النفس الإنسانية تحتاج إلى رياضة دائمة، ومجاهدة مستمرة للسمو بها في مدارج الكمال.
يبقى من الغزالي أن السعادة لا تنال إلا بتزكية النفس؛ حين تكتسب الفضائل.
يبقى من الغزالي الإحساس بأهمية الأخلاق  في صلاح الفرد والمجتمع؛ إذ جعل الغاية من الأخلاق هي السعادة ، وأقام مذهبه على أسس تصل بصاحبها لصلاح النفس وكسب الفضيلة والفوز بالسعادة.
يبقى من الغزالي الإحساس بضرورة رعاية  الطفولة،  الإحساس بجسامة المسؤولية تجاه هذه الطفولة. ضرورة صيانة الطفل  وتأديبه على محاسن الأخلاق، ضرورة التنظيم الدقيق  لعادات الطفل وسلوكه.

 

مصادر البحث ومراجعه
- إحياء علوم الدين - ط2 [دار الكتب العلمية، بيروت، 1992].
- الأخلاق عند الغزالي: د. زكي مبارك  - د.ط[ مطبعة الشعب القاهرة، 1970].
- الاقتصاد في الاعتقاد: الغزالي، تحقيق: العادل العوا - ط1[دار الأمانة، بيروت، 1969].
- البحر المحيط للأبي حيان الأندلسي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض- د.ز كرياء عبد المجيد المنوني، د. أحمد النجولي الجمل- ط1[ دار الكتب العلمية، بيروت، 1993].
- التربية في الإسلام: د. أحمد فؤاد الأهواني- ط2 [دار المعارف، القاهرة، 1968].
- تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، قدم له: حسن تميم، - ط2 [دار مكتبة الحياة، بيروت، 1978].
- الجامع للأحكام القرآن: القرطبي: 17/127- ط 1[دار الكتب العلمية، بيروت، 1988].
- دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية، تحقيق: محمد السيد الجليند - ط2 [مؤسسة علوم القرآن، دمشق، 1994].
- الدراسات النفسية عند العرب والغزالي بوجه خاص: عبد الكريم العثمان، - ط1[مكتبة وهبة، القاهرة ،1962].
- فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية: د. محمد يوسف موسى - ط3 [مؤسسة الخانجي،القاهرة، 1963].
- المنقذ من الضلال: الغزالي، تحقيق د. عبد الحليم محمود- ط1[ مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1964].
- ميزان العمل: الغزالي، كتب هوامشه: أحمد شمس الدين - ط1 [دار الكتب العلمية، بيروت، 1989].









 











[1] ملحوظة: ألقيت هذه الكلمة بندوة حول تربية الطفل بالقاهرة سنة 2003م.

[2] الدراسات النفسية عند العرب والغزالي بوجه خاص: عبد الكريم العثمان، ص9 - ط1[القاهرة مكتبة وهبة،1962].
[3]  المنقذ من الضلال: الغزالي، تحقيق د. عبد الحليم محمود، ص25- ط1[القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1964].
[4]  نفسه:61.
[5]  فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية: د. محمد يوسف موسى، ص 181- ط3 [القاهرة، مؤسسة الخانجي،1963].

[6]  ميزان العمل: الغزالي، ص 67، كتب هوامشه: أحمد شمس الدين -ط1 [ بيروت ، دار الكتب العلمية، 1989] - يقول د. زكي مبارك:" والطريق إلى تربية الخلق فيما يرى الغزالي هو التخلق أي حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب"، ص 154: الأخلاق عند الغزالي  - القاهرة، مطبعة الشعب، 1970.
[7]  ميزان العمل، ص- يرى د. زكي مبارك أن الغزالي لم يتأثر بالفلسفة اليونانية، وعلم الأخلاق عنده هو تكييف النفس وردها إلى ما رسمته الشريعة وخطه رجال المكاشفة من علماء الإسلام، ومن سبقهم من الأنبياء والصديقين والشهداء: الأخلاق عند الغزالي، ص151.
[8]  فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية، ص 195.
[9]  الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص، ص 352.
[10]  { مقدمة } الأهواني لكتاب" الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص: د. عبد الكريم العثمان، ص4.
[11]  يقول د. عبد الكريم العثمان: " إن الغزالي ألم إلماما واسعا بكل النظريات والمناقشات التي دارت حول النفس سواء ما كان منها من مصدر يوناني أو إسلامي، وسواء أكان الإسلامي منها يستمد من القرآن والحديث، أو كان يعتمد على دراسات الصوفية وآراء المتكلمين ونظريات الفلاسفة ": " الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص"، ص 11.

[12]  المقدمة نفسها، ص8

[13]  الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص، ص 354

[14]  المنقذ من الضلال، ص 12-13

[15]  إحياء علوم الدين:3/66 - ط2 [ بيروت، دار الكتب العلمية ،1992] – وينظر أيضا: ميزان العمل، ص70 - الحديث: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه؛ كم تنتج البهيمة بهيمة جمعاء. هل تحسون فيه من جدعاء ؟ - في الصحيحين، معناه أن البهيمة تلد البهيمة كاملة الأعضاء لا نقص فيها؛ وإنما يحدث فيها الجدع والنقص بعد ولادتها [ جمعاء: مكتملة الأعضاء - جدعاء: مقطوعة الأذن أو غيرها من الأعضاء ] : ينظر: دقائق التفسير الجامع لتفسير الإمام ابن تيمية، تحقيق: محمد السيد الجليند": 1/390 - ط2 [ دمشق، مؤسسة علوم القرآن، 1994].

[16]  الأخلاق عند الغزالي، ص 163

[17] إحياء علوم الدين: 3/78 - عند مسكويه:" فإن نفس الصبي ساذجة لم تنقش بعد بصورة، ولا لها رأي وعزيمة تميلها من شيء إلى شيء، فإذا نقشت بصورة وقبلتها نشأ عليها واعتادها " - تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، قدم له: حسن تميم، ص 69 - ط2 [ بيروت، دار مكتبة الحياة، 1978].

[18] الإحياء: 3/60-61

[19] ميزان العمل، ص 126

[20] الجامع للأحكام القرآن: القرطبي:17/127- ط 1[ بيروت، دار الكتب العلمية، 1988] - البحر المحيط للأبي حيان الأندلسي:3/78، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض- د.زكرياء عبد المجيد المنوني، د. أحمد النجولي الجمل- ط1[ بيروت دار الكتب العلمية 1993].
[21] الإحياء:3/78 - وعن المسؤولية عن الطفل يقول: والقيام بتربية الأولاد رعاية وولاية، والأهل والولد رعية، وفضل الرعية عظيم ... فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الحهاد في سبيل الله: الإحياء: 2/36 - وقال: " والصبر على العيال، مع أنه رياضة ومجاهدة ،تكفل لهم ،وقيام بهم، وعبادة في نفسها ": نفسه:2/37 -  "وروي أن الهارب من عياله بمنزلة العبد الهارب الآبق لا تقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم ": نفسه:2/38.

[22]  نفسه: 3/63.

[23]  نفسه: 3/65 - ويقول: " ولا يبعد أن يكون في الطبع والفطرة ما قد ينال بالاكتساب؛ فرب صبي خلق صادق اللهجة سخيا جريا، وربما يخلق بخلافه، فيحصل ذلك في بالاعتياد ومخالطة المتخلقين بهذه الأخلاق، وربما يحصل بالتعلم": نفسه: 3/63

[24]  التربية في الإسلام: د. أحمد فؤاد الأهواني، ص 9 - ط2 [ القاهرة، دار المعارف، 1968].

[25]  فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية: د. محمد يوسف موسى، ص196.

[26]  {مقدمة} عادل العوا لكتاب الغزالي: الاقتصاد في الاعتقاد، ص10- ط1[بيروت، دار الأمانة، 1969].
[27] يقول د. زكي مبارك إن الغزالي نقل فقرات عن ابن مسكويه نقلا يشبه أن يكون حرفيا، من غير أن ينوه بالكتاب الذي نقل عنه. وقارن د. زكي بين أفكارهما: الآخلاق عند الغزالي، ص 80 -82 - ينظر: التربية في الإسلام: د. أحمد فؤاد الأهواني، ص 242 - وينظر: تهذيب الأخلاق لابن مسكويه:68 -75- وفيه: تأديب الأحداث والصبيان خاصة - فصل نقلت أكثره من كتاب " بريسن ". وذكر المحقق أن المستشرق كراوس قال إنه برسن : مفكر يوناني له كتاب " مختصر كتاب الآخلاق لجالينوس ".
[28]  ميزان العمل، ص119.
[29]  الاقتصاد في الاعتقاد، ص17.
[30]  ميزان العمل، ص 145-151.

[31]  التربية في الإسلام، ص 244.

[32]  نفسه، ص 130-143.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق