الأربعاء، 27 أبريل 2016

النسخة الأم عند الجاحظ


عباس أرحيلة
تمهيد:
 إن تعدّدتْ نسخُ الكتاب المخطوط الذي يُراد تحقيقه؛ يتضح عادة في ضوء ما تطرحه من إشكالات واختلافات بينها؛ ما يُمكن أن يَتخذ منها المحقّق أصلا يُعتمَد في التحقيق؛ وهنا يأتي الحديث عن  النُّسخة المخطوطة التي اصطلح على تسميتها بالنسخة الأم.
أولا:  المراد بالنُّسخة الأمّ
يُطلق مصطلح النُّسخة الأمّ على النسخة التي تُجعَلُ أصلاً في التحقيق. وللفظ الأم  في هذا السياق - معنيان:
المعنى الأول: يُراد بالأمّ الأصل. ولما كانت الأم هي التي تلد، وهي الأصل في الزيادة والتكاثر؛ أُطلق لفظ النسخة الأم على تلك النسخة التي تتولَّدُ منها وتَتَنشَّأُ عنها وتَتَخَلَّقُ منها بقية النُّسَخ.
والمعنى الثاني: يُطلق لفظ الأمّ على الراية التي تقود الجيش، أي تلك التي تأتمُّ بها كتائبُ الجيوش في سيرها ومعاركها، وتُطلق على النسخة التي تأتمُّ بها بقية النسخ المساعدة على توثيق النّصّ وضبطه.
 فالنُّسخة الأمُّ هي النسخة الأساس، وهي النسخة الأصلية التي تُعتمد في التحقيق، أي تلك « التي وضعها المؤلِّفُ نفسه نَسْخاً... أو إملاءً مباشراً... أو إملاء عن طريق المستملي... أو توقيعاً وإشرافاً ومراجعةً من طرف المؤلف» (1).
فالنُّسخة الأمُّ هي التي تُعتمد أصلا في تحقيق الكتاب المخطوط، ويُعتدُّ بقيمتها أثناء المقابلات بغيرها؛ « فهي نسخة المؤلِّف، أو هي التي تحصل بعد إخضاع كل نسخ المخطوط لما يسمى بتاريخ النصّ عند علماء الفيلولوجيا؛ يعني النسخة التي انحدرت منها أو انطلقت منها كل النسخ» (2). 
ونجد الجاحظ (255هـ): أثناء حديثه عن أجزاء كتاب (الحيوان)، يقول: « وكل مَصْحَف منها فهو أُمٌّ على حدة» (3), 
ثانيا: النسخة المنصوبة عند الجاحظ
أطلق الجاحظ على مصطلح النسخة الأمّ مصطلح النسخة المنصوبة، وذلك أثناء حديثه عن خوفه من تحريف كتبه والتصرُّف فيها بإلحاق ما ليس منها، فقد تحدّث عن تركِه لفراغات قد يعود إلى مَلْئِهَا أثناء تأليفه لبعض كتبه؛ وقال: «وقد تركنا في كلِّ باب من الأبواب التي صنَّفْنا في كتابنا فُرَجاً لزيادة إن زادت، ولاحقة إن لَحِقتْ، أو نابتة إن نبتتْ».
وخوفاً من إدخال الضيم على حقيقة الكتاب، وفتح الباب للعابثين، قال:
 «وأحببْنا أن نأخذَ ذلك بالحزم، وأن نحتاط فيه لأنفسنا (...). ونُبادرُ إلى تفريغ نسخ منها وتصييرها في أيدي الثِّقات والمستبصرين (...). ففعَلْنا ذلك وصيَّرناه أمانةً في أعناقهم، ونُسخةً باقيةً في أيديهم، وَوَثِقْنا بهم أمناءَ ومُستودَعِينَ، وحفَظَةً غير مُضَيِّعين ولا مُتَّهمين (...).
 فإن شِيبَ به شَوْبٌ يُخالفُه، وأُضيف إليه ما يلائمُه، رجَعْنا إلى النُّسخة المنصوبة، والأصول المُخلَّدة عند ذوي الأمانةِ والثِّقَة، واقتصرنا عليها، واستعليْنا بها على المُبْطِلين، ودفعنا بها إدغالَ المُدغلين وتحريف المُحَرِّفين، وتزيُّدَ المُتَزَيِّدينَ، إن شاء الله» (4). 
وفي (أساس البلاغة) للزمخشري (538ه‍)، يقال: يرجع إلى مَنصِب صدق ونِصاب صدق وهو أصلُه الذي نُصِبَ فيه ورُكِّبَ... ومنه نِصاب السكين وهو أصله الذي نُصِب فيه (5).
وفي (المصباح المنير): قال الأزهري وابن فارس نِصابُ كل شيء أصلُه (6).
هوامش:
(1) مصطلحات الكتاب العربيّ المخطوط معجم كوديكولوجي: أحمد شوقي بنبين ومصطفى الطوبي، ص352.
(2) نفسه- وينظر ما كتبه د. أحمد شوقي بنبين عن (النسخة الأصليّة والنسخة الأم) في كتابه:( في الكتاب العربي المخطوط)، ص209 220.
(3) الحيوان:1/93.
(4) رسائل الجاحظ (فصل من صدر كتابه في طبقات المغنين)، تحقيق: عبد السلام هارون: 3/135 136.
(5) أساس البلاغة [مادة: نصب].
(6) المصباح المنير [مادة: نصب].


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق