السبت، 18 يونيو 2016

من ذكريات الأمس في رحاب كلية اللغة العربية بمراكش


                شيء من الذكرى و بعض من أمل

                                                                                                                                بقلم: عبد الرحمان المتقي


          خلت وقد يممت هذا الركن الركين من قلعة القرويين الصامدة أني سأقف على ربع مية، و سيعتريني ما اعترى غيلان إذ درست الرسوم وغاب الأهل، على الرغم مما بين الحالتين من فوارق: فقد غاب الساكن في هذه الحالة و بقي السكن، و حله أهلون جدد ممن نكن لهم ما نكن لشموس وأقمار أفلت. ولم لا  وقد قبسنا من كل بقبس، وتزودنا بزاد عشنا به ردحا، و خير الزاد التقوى  على كل حال.
                                            
 
         خلت ذلك والمناسبة شرط: فقد دعاني أحد الأساتذة لحضور مناقشته لرسالته في رحاب هذه المؤسسة. وحملني على ذلك الوفاء لرجل لم أر منه إلا الخير مدرسا ورجلا، كما حملني على ذلك التطلع إلى ربع عرفته أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. و كان لابد من رمي العصفورين بحجر، وكان لابد  من الحج إلى تلك البقاع، كان لابد من قطع الأربعمائة كيلومتر بجبالها ووهادها ومخاطرها. لا يهم، فالصيد يعمي  عين الصياد، وبعض العناء مستحب لتذوق طعم الراحة بعد بلوغ الأرب.
        عرفت كلية اللغة العربية في ذلك الزمان، وقد كانت تحتل زاوية منزوية من حي الرميلة، منطوية على نفسها، مغلقة دون محيطها، محتضنة لطلابها القلة عصرئذ، ونسغ الحياة يسري في عروق كليات الآداب على طول الخريطة وعرضها. وافترض قوم أن افتتاح كلية الآداب بمراكش سيكون رصاصة الرحمة لتلك القلعة المحافظة. وشاء الله أن يكون الأمر على خلاف ما افترضوا: فانتقلت إلى مقرها الجديد بشارع علال الفاسي، وإن حافظت على طابعها القديم، وبدأت تتنفس الهواء الجديد حين تطلعت إليها عين الوزارة الوصية، و عينت بها بعض خريجي تكوين المكونين، و لتتوالى التعيينات الجديدة تطعيما لهيئة التدريس أو تعويضا.  
           أتجاوز بوابتها لأجدني وجها لوجه مع عميدها،وأفاجأ بكونه يذكرني بالاسم تلميذا من طلابه بالمركز التربوي الجهوي. ياالله! كم هي حية هذه الذاكرة! ولا عجب، فقد وعت من أخبار مراكش وأعلامها وأوليائها وصلحائها كنزا ينضاف إلى معرفة بدروب الأدب المغربي و شعابه، و برجاله و أقطابه. أتوجه إلى المدرج حيث ستجري المناقشة وعلى لساني أبيات لأبي العباس الجراوي، و في ذهني أخبار لابن حبوس الفاسي و ذكريات لأبي الربيع سليمان الموحدي. أضحك في صمت وأنا أذكر تعصب الأستاذ حسن جلاب لشعرية هؤلاء و هو يقارنها بشعرية أندادهم من نجوم المشرق.                                  
       
أعلم أن سيكون ضمن لجنة المناقشة الدكتور عباس أرحيلة من كلية الآداب بمراكش. وقد سمعت أن الناس يحجون إليه متى كان في لجنة ليغرفوا من علمه  يستمتعوا بطريقته في إبداء ملاحظاته. وكذلك كان.
        ترأس لجنة المناقشة الدكتور حسن جلاب عميد الكلية  وأستاذ كرسي الأدب المغربي بها. ولم لا يفعل والموضوع ميدان سباقه حول المعارضات النثرية في الغرب الإسلامي. أما الإشراف، فكان لشيخ وقور عرك الدنيا والناس، واستطاع أن يتبوأ السنام محققا بارعا كما سمعتهم يقولون عنه. هادئا كان الرجل و هو يقدم طالبه لأعضاء اللجنة، ومستمعا صامتا كان طيلة الجلسة كما ينبغي لمجالس العلم والعلماء. والمدرج يغص برواده، وقد غشيته الرحمة كما تكون محارب الذكر و الفكر.
       هي ذي كلية اللغة العربية اليوم إذن:

 (1     
مؤسسة جامعية قائمة ككل المؤسسات، عاملة ناصبة، تخطو خطاها ثابتة، محتضنة طلابها الكثر هذه المرة، قوية بأطرها الشابة، تفتح الصدر لباحثيها، وتمنح شواهدها العليا باستحقاق كبير               .
(2       
 قبلة لطلاب العلم من كل صوب. فهي وحيدة نوعها في كل التراب المغربي، وتقبل الطلاب مهما كان  انتماؤهم الجغرافي أو التخصصي.
                                                   
(3    
 أثار انتباهي الحضور القوي لأساتذة من الضفة الأخرى، أعضاء في لجان المناقشة أو حراس جودة. و قد عرفت منهم الأفاضل: عباس أرحيلة، عبد القادر حمدي، محمد أمنزوي، مولاي المصطفى أبو حازم. و قد يكون حاضرا غيرهم ممن لا أعرف. هي ذي كلية اللغة العربية منفتحة دون تهيب ولا وجل على محيطها، فاسحة المجال لزوارها ومدعميها من كلية الآداب المجاورة. وقد سمعت أحدهم من على منبر المناقشة يدعو لها و لرجالها وأساتذتها وطلابها بالمزيد من التألق والعطاء والإفادة.
 (4        سجلت حضور أطر المؤسسة قيادة وقاعدة: فالسيد العميد كان رئيس لجنة للمناقشة، و نائبه كان عضوا فيها.  وكانا حاضرين بثقل في الجلسات اللاحقة بدءا وانتهاء دون ملل ولا كلل. وفي ذلك دعم للجان العلمية له ووزنه من الاعتبار. أما هيئة التدريس فالمناسبة لاتضاع من أجل تغذية راجعة تكشف وزن ما تحقق. وقد عرفت منهم  عبد الرحمن كظيمي، عبد الحي عباس، آيت مبارك الحسين، ومحمد قادم. و لعله كان منهم ضمن الحضور من لا أعرف.                                          .
         و بعد، فهنا يولد الأمل، هنا حيث يوجد الرجال، هنا توقد الجذوة. فالجدية طابع ملحوظ، والانضباط صارخ،و اللياقة سائدة، والحرية معيشةـ فقد كانت شعارات جماعة صغيرة من الطلبة تغازل الأذن بين الحين والآخر طيلة المناقشة لإسماع رأيها آذان المسؤولين المنشغلين عنها بتتبع مراحل الميلاد.
 
        
أشق الطريق إلى خارج المؤسسة، و أمامي تتراءى صورة الشيخ الرحالي الفاروق رحمه الله في شيبه و وقاره، يخطو الخطى وئيدة ذات زمان، رابتا هذا الكتف أو ذاك، وحواليه نجوم أفلت. و هنا أخرى تجاوزت أوجاع المخاض، و خاضت في عمل وازن نحو الغد، نحو الأمل. أخطو وفي الأذن رجع لما قاله الدكتور عبد القادر حمدي من كلية الآداب و هو يرأس بكفاءة و حنكة لجنة مناقشة لموضوع: عنوان النفاسة لابن زاكور الفاسي: زاد الله هذه المؤسسة ورجالها تألقا، وزاد طلابها توفيقا.

                                       وحرر بزاكورة بتاريخ:12/12/2005




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق