كلمة الأستاذ عبد الرحمن المتقي
في شيخه العلامة عبد السلام الخرشي
(جاءت إثر تكريمه بمؤسسة البشير)
السلام
عليكم أستاذي الكريم،
وبعد؛
فعلاقة بكلمتكم التي وفت بالمقصود عندنا وأربت، في حق
شيخنا وأستاذنا و أخينا الفاضل سيدي عبد السلام الخرشي، أدام الله عليه النعمة،
ومتعه بالصحة، وجمعنا وإياه تحت ظله، يوم لا ظل إلا ظله. وعهدي بكم توفون بعهد
الله، وتقدرون الرجال أحسن ما يكون التقدير. ولا يفعل ذلك إلا رجل أصيل. فقد كان
لي شرف التتلمذ عليه يوم أن ألحق بالمركز التربوي الجهوي مدرسا للتربية الإسلامية.
وكنت أحس بما يولي طلبته من فضل رعايته و جميل حدبه الأبوي. كان الرجل مربيا قبل
أن يكون معلما.كان نموذج المدرس المغربي الذي اختار التربية والتعليم مجالا لصرف
طاقاته الفياضة خدمة لدينه ووطنه. لم يضع قط حصة إلا اضطرارا. وإن فعل أصر على
تعويضها فورا. كنت من أقرب تلامذته إليه، لأنه استشف في أهل الجنوب ما بدأ يفتقده
في غيرهم من خصال ساعتها. و كنت أعرف بعض ما يعتلج في صدره تجاه هذا أو ذاك، ولكنه
صبورا على الجميع، و كان أبا للجميع، و كان أخا للجميع، وكان ربان سفينة أصر على
أن يصل بها شاطئ النجاة على الرغم من عتو العواصف، مما أشرتم إلى بعضه في كلمتكم.
لم يكن سيدي عبد السلام يؤاخذ طالبا على سلوك أو موقف. فقد كان خبيرا بالتيارات
التي تتقاذف جيل ذلك الزمان. وكان في المقابل لا يمل من رسم صورة المسلم التقي
النقي الزاهد الورع، بسلوكه أولا، وبما يستحضره من النصوص ثانيا. فقد كانت للرجل
ذاكرة مسعفة قل مثيلها. وكم كنا نلاحظ ونعجب مما كان يجمعه من علاقة مع خصومه من
حواريي التيارات الجارفة من المدرسين: فالمسلم يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة
الحسنة، ويجادل عند الاقتضاء بالتي هي أحسن، ولا يخرج عن هذا الخط الرباني السليم
أبدا. كان الأستاذ المحترم الذي يقدره الجميع وإن عادى بعضهم أفكاره، وكان ساعتها
الشاب الوسيم الأنيق الحليق، الذي يمثل في أذهاننا الناشئة نموذج المسلم الذي يعيش
عصره بكل نعمه. لا يحرم إلا ما حرم الله، ويعتبر المسكوت عنه عفوا واجب التوسيع
فيه على الناس، والمختلف فيه توسعة عليهم في دينهم، ولا يرى غضاضة في التعاطي مع
واقع الحياة باسترشاد بكتاب الله و سنة رسوله، ومما حفظته ذاكرته من جيد
الشعر والنثر، ورفيع النظم و القول.كان الرجل آية في كل شيء. ولأننا نشأنا في بيئة
تتنسم نسائم الفقه و تهب عليها شمائل الدين، فقد وجدنا بغيتنا في الرجل، وخاصمنا
به بطريقتنا الخاصة العديد من زملائنا المتياسرين. وسننسى الكثير الكثير مما جمعنا
بالرجل، ولكننا لا ننسى أبدا أنه فتح باب داره ساعتها بشارع علال
الفاسي في وجوهنا، وأعارنا من كتبه ما نشاء و ما نريد، وألح علينا في طرق بابه
كلما كان ذلك ضروريا. ولا يفعل ذلك إلا الرجال الكرام الذين تضرب عروقهم عميقا في
تربة هذا المغرب العربي المسلم. بل إن علاقتي به استمرت بعدي مع أخوي علي
والتهامي.فلا يكاد الرجل يسمع الاسم العائلي حتى يحتضن و يتعهد. جازاه ربه خير ما
وعد به عباده المخلصين. ولئن بعدت الشقة بيني وبينه من زمان نتيجة تاريخ وجغرافيا
لا يرحمان، فالله يشهد أننا كنا دوما نتتبع أخباره، و نسر لحاله، ونذكره بكل خير
وفي كل ناد. فقد زرع ورعى، وأخلص وأوفى. وهو خير من يعلم أن العاقبة للتقوى.
والحمد لله رب العالمين.
زاكورة في:25 مايو 2009
ملاحظة: بعث إليَّ الأستاذ الفاضل عبد
الرحمن المتقي - أحد أعلام درعة، وعضو المجلس العلمي بوارزازات آنذاك
- بهذه الكلمة في حق العلامة الدكتور عبد السلام الخرشي، وأنا هنا أنشر
كلمته، ليُشاركني القراء في قراءتها والتأمّل في فحواها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق