الجمعة، 22 يوليو 2016

كلمة عن د. علال الغازي، رحمه الله تعالى




رحم الله روحاً كانت تتَّقد حيويَّةً، وتتوهّج حضوراً وعطاءً. تتطلع إلى لحظة تنوير في الجامعة المغربيّة، وتبحث لها عن ورؤية مغايرة، وكينونة خاصّة، في سبعينيات القرن الماضي.
 روح تفانت في البحث عن التميُّز؛ تفانيها في إثارة قضايا جديدة في مجاليْ النقد والبلاغة في الجامعة المغربية، وتفانيها في الإشراف على رسائل العلميّة، وبثِّ روح الاجتهاد وحضور التّميُّز وإثبات الذات العلميّة.
افتقدناه في لحظة كانت التجربة الجامعيّة تتطلَّع إلى أمثاله من الجيل الثالث. وكان ممن أعطوا للبحث العلميّ في هذه الربوع نكهة ذاتية خاصة، وفتحوا له آفاقا للنظر والتأمّل في قضايا النقد والبلاغة في غرب العالم الإسلاميّ عامّة، وفي المغرب الأقصى خاصّة.
لقد عرفت د. علال الغازي منذ وجّهنا د. أمجد الطرابلسي، رحمه الله تعالى (1916 2001م)، إلى تدريس مادة نصوص النقد الأدبيّ خلال السنة الدّراسيَّة 1977 1978.
وما أن مضت أيام قليلة حتى كانت مناقشة رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا، بتاريخ 15 دجنبر 1977م، بكلية الآداب، جامعة محمد بنعبد الله بفاس، تحت إشراف د. أمجد الطرابلسيّ، وعضوية السادة الأساتذة: د. عباس الجرّاري، د. محمّد بنشريفة، ذ. عبد الوهّاب سعود، د. فوقية حسين محمود.
وكان موضوع بحثه تحقيق كتاب: (المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع) لأبي محمد القاسم السلجمّاسي.

وكانت انطلاقة باحث لا حدود لطموحه، في مجالات الندوات والمناقشات العلميّة، والمشاركة في منتديات الفكر والبحث. لقد ترك تحقيق كتاب (المنزع البديع) آثاراً واسعة في تكوينه ومشاعره، ورغبته أن يُصبح هذا الكتاب فتْحاً جديداً في مجالات الفكر والنقد، داخل الجامعة المغربيّة.
وجاءت فرحة طبع ( المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع) لأبي محمد القاسم السلجمّاسي؛ بعد أن بذل د. علال الغازي مجهوداً خاصّا في طبعه، ووضع في تضاعيفه ما أَطْلَقَ عليه: شجرة التركيب البنيويّ لمصطلحات المنزع ومفاهيمه؛ في عشر قضايا بلاغية؛ هي: الإيجاز، والتخييل، والإشارة، والمبالغة، والوصف، والمُظاهرة، والتوضيح، والاتساع، والانثناء، والتكرير.
وجاء في أعلى صفحة الغلاف: من مصادر النقد الأدبيّ والبلاغيّ في المغرب.
وقد ورد فيما اعتبره د. الغازي تصديراً وإهداءً؛ أنَّ كتاب ( المنزع البديع) أوَّلُ مصدر مغربيّ في النقد والبلاغة يرى النّور بهذا التحقيق العلميّ من تراثنا. وعن قيمته وجد أنه يسدُّ ثغرة في تراثنا النقديّ والبلاغيّ، ويُسهم في تحديد خصوصيّة المدرسة المغربيّة الفلسفيّة في النقد والبلاغة؛ إذ يطرح باتجاهه الهيلِّينيّ تفاعل العرب واليونان في موضوع النقد والبلاغة، ويُحدِّد طبيعة الخلاف في الموضوع بين الدّارسين.
وأنهى كلمته التصديريّة بإهداء الكتاب إلى: الباحثين في النقد والبلاغة المقارنة، والصابرين على عمق الدراسات، والمتطلِّعين إلى المفاجآت الدافعة إلى المزيد من الاطلاع والاستفادة.
وزاد من أهمية طبع عمله هذا، ما قدَّم به د. أمجد الطرابلسي، رحمه الله تعالى، لهذا العمل؛ بحديثه عن « مدرسة بلاغيّة عربيّة مغربيّة تستحقُّ أن يوليها المهتمُّون بالدراسات النّقدية والبلاغيّة المقارنة عنايتهم، ويخُصُّونها بتتبعاتهم».
وذكر د. أمجد الطرابلسي، رحمه الله تعالى، أنَّ أعلام هذه المدرسة كانوا «  أحسن اطلاعاً على منطق أرسطو، وأعمق فهماً لكتابيْه: (الشعر) و(الخطابة)، من النقاد والبلاغيّين الذين عرفتْهم القرون السَّابقة في مشرق الوطن العربيّ ومغربه، فقد تمَّ نقل كتب أرسطو إلى العربيّة في أواخر القرن الهجريّ الثالث» (1).
وقد تُوِّج هذا التحقيق بجائزة المغرب للآداب، سنة 1980م؛ أي في السنة التي نُشر فيها. ولقي الكتاب من الحفاوة والعناية بالمتابعة ما لقي، وفتح بعد ظهوره مجالات لبحوث جامعيّة في المغرب وخارج المغرب.
ودافع د. علال الغازي عن أطروحته: (مناهج النقد الأدبيّ بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة)، تحت إشراف د. عباس الجرّاري بتاريخ 26 يونيه 1986م.
وذكر في مقدمة أطروحته أنَّ ما قدّمَه من ضبطٍ لمصادر النقد الأدبيّ بالمغرب، وتجنيسٍ لمادته، ورصدٍ لمكوِّناته ومناهجه، وتركيبٍ لقضاياه الكلّية والجزئيّة؛ يدعو إلى أعادة النظر فيما ثبت في الأذهان « من أنَّ منطقة الغرب الإسلاميّ، لم تقدِّم في تاريخها، أيَّ جديد بالقياس لما قدّمتْه عصور تراثنا في المشرق». وقد حزَّ في نفسه كثيراً أن يقال إنَّ المغاربة كانوا عيالا على المشارقة.  وقال في مقدمته تلك - إنَّ مثل هذه الأقوال كانت « سبباً في تحقيقي لكتاب ( المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع لأبي محمد القاسم السلجمّاسيّ، فهي هنا كذلك تشكِّل السبب الأساس لتحقيق الرهان بهذه الأطروحة، وممّا ننجزه من أبحاث، ونحقِّقه من نصوص في هذا الجناح» (2).
وبذلك فتح د. علال الغازي آفاقاً واسعة للنظر والبحث في الآثار النقديّة والبلاغيّة بالمغرب، وأشرف على عشرات الرسائل الجامعية، في هذه المجالات وغيرها، وأصبح له تلامذتة ومريدوه، وحظي بكثير من التقدير والاحترام؛ كما تجلّى ذلك بينهم يوم أقيم حفل لذكراه.
ومن طرائف الصدف أن يكون بحثي للدكتوراه تحت إشراف د. أمجد الطرابلسيّ كذلك، في موضوع: الأثر الأرسطي في النقد والبلاغة العربيَّيْن حتى القرن الهجريّ الثامن، وأن يكون د. علال الغازي أحد أعضاء لجنة المناقشة، بكلية الآداب بالرباط، بتاريخ 23 ماي 1991م. وكانت وجهة نظري لا ترى ما يراه د. الغازي في كون ( المنزع البديع) يمثِّل اتجاها هلينيّاً، و« وَجْهاَ فريداً في النقد الأدبيّ المقارن، ويطرح بعمق تفاعل العرب واليونان في موضوع النقد والبلاغة». ولم يكن لذلك أثر في تقبُّل وجهة نظر كل منا؛ حسب ما وصلت إليه معرفته وبلغَهُ اجتهاده.
رحم الله د. علال الغازي، وأسكنه فسيح جناته، وأعان أسرته الصغيرة على تحمُّل فَقْدِه، ومنحها الصير والسلوان. وإنَّا لله وإنّا إليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــ
المصادر:
(1) المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تقديم د. أمجد الطرابلسيّ – ط1[ مكتبة المعارف، الرباط، 1980م]، ص12.
(2) مناهج النقد الأدبيّ بالمغرب خلال القرن الثامن للهجرة - ط1[منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة، الرباط، 1999م] – رسائل وأطروحات، رقم 42 ، ص9.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق